الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قطط «ثورندايك»

قطط «ثورندايك»
قطط «ثورندايك»




على الشامى يكتب :

أنا غاضب جدا، أصدقكم القول وأنا جالس فى الفلوكة السكندرية قاطعا المسافة من العجمى  إلى المندرة عبر بحار المياة الملوثة مياه أمطار مختلطة بقاذورات إلى جانب الصرف الصحى كمكون أساسى  بالطبع، وأحيانا تصطدم بنا أكياس القمامة أو محتوياتها، أعترف لكم أيضا أن الدماء تغلى فى عروقى لتفاقم الوضع إلى هذا الحد، الاسكندرية المدينة العريقة ينتهى  بها الحال إلى هذا الوضع المخيف، اخشاب الفلوكة غير الموصلة للكهرباء تحمينى  من الموت صعقا بالكهرباء.   
لا أخفيكم سرا كل هذه المشاهد تجعلنى غاضبا جدا لابد من فعل اى شيء، لابد من معاقبة المسئول عن هذه المهزلة البشعة، لا بد من اقالة المحافظ ومساعديه وكل نوابه وكل مسئول عن هذا الخراب المخزى، سمعت أن رئيس الوزراء انزعج جدًا من هذه الكارثة وان أحد المقربين أوعز إليه انه يجب ان يتعدى  فعله الانزعاج فتنبه الرجل وانطلق إلى الإسكندرية، حتى يصل رئيس الوزراء أو حتى تصل قراراته، دعونى اشارككم بعض الافكار.
فى الربع الأول من القرن العشرين بزغ نجم عالم نفس أمريكى  يدعى ادوارد ثورندايك، وأسس لنظريات هامة فى علم السلوك، وكان يجرى أبحاثه على القطط فى اقفاص تشبه المتاهات، وقام باكتشاف عدة قوانين تحكم السلوك أهمها قانون الأثر، القانون ببساطة أنه لو كانت استجابتك مناسبة للفعل الذى تتعرض له ستكون اكثر ارتياحا، ولو قمت بكبت الاستجابة المناسبة لن ترتاح حتى تخرج الانفعالات، وسيزداد الأمر سوءا حتى تتمكن من اخراج هذه الانفعالات المكبوتة، وقد ساعدت القطط فى اثبات صحة القانون بعد تجربته مرات عدة عليها، ثم انتقلت التجربة إلى البشر لتحقق نجاحا ساحقا ربما يزيد على النجاح الذى حققته القطط.
أشارككم أيضا ذكرياتى وذكرياتكم فى ميدان التحرير، عندما انطلقت المظاهرات يوم 25 يناير للتعبير عن غضب من تردى الاوضاع وانتشار الفساد فى أرجاء البلاد بصورة مخيفة، وتلقت القيادة السياسية ـ مبارك ورجاله ـ  الأمر بصمت، والاستجابة هنا، طبقا للعالم الأمريكى  وقططه، لم تكن مناسبة للفعل، فارتفعت الأصوات وارتفع سقف المطالب، ليخرج إلينا خطاب لم يكن مناسبا لتهدئة الشعب المصرى الثائر فى الميدان.
 غضب الشعب اكثر وبهذا البطء والاستجابة غير المناسبة زادت حدة الثورة، حتى صار الأمر حياة أو موتًا وجاءت اولى الاستجابات المناسبة للشعب الثائر فى الميدان، بإعلان تخلى مبارك عن السلطة، هنا أحس الناس المرابضون فى الميادين لأيام طوال بالرضا، وأحست القطط القريبة من الميدان بالرضا ايضا، وتفرق الجمع، ثم فهم كل مسئول الدرس، لابد من استجابة قوية للمطالب الهادرة الغاضبة جدا، لابد من حالة صراخ وولولة اعلامية وتنفيس الغضب، أو على الأقل امتصاصه عبر «إعلام السفنجة»  حتى مجيء «مرسي» الذى فضل الاحتذاء بالنموذج الوحيد الذى يعرفه الاخوان ويثقون به، وهو نموذج مبارك، فكان مصيرهم إلى 30 يونيو.
30 يونيو الاستجابة التى جاءت مناسبة للغضب الشديد من تردى الوضع الاقتصادى والعبث بكل شيء الدين والسياسة والاقتصاد، كل شيء.
وانتظر المصريون استجابة للأحلام والتوقعات – ومازالوا - لا يمكن أن ننكر أبدا أن البلاد الآن أفضل من ناحية الاستقرار الامنى والتهديدات من عام مضى  أو عامين، لكن يبقى السؤال حائرا، لماذا البطء فى بعض الملفات؟ ولماذا الغموض فى ملفات أخرى؟ هل سقف التوقعات كان اكثر مما تتحمله المرحلة؟ ربما، لكن الشعب فعليا أعطى  تفويضا مفتوحا للرئيس. نعم لا يمكن إنكار ثقل الملفات العديدة داخليا وخارجيا، ولكن أيضًا لا يمكن إنكار سوء اختيار المسئولين الوزراء، مثلا، بعد فشل حكومة «محلب» فى حل مشاكل الشارع لتحل محلها حكومة اضعف منها بكثير، لا أحد يطلب من القيادة السياسية عصا سحرية، فقط المطلوب هو مسئول على قدر المهمة، مسئول يهتم بشأن آخر غير «التاتو»، فقط مسئول لديه رؤية وإرادة وقدرة.
حسنا، دعونى استمتع بليل الاسكندرية الساحر، والفلوكة الخشبية التى تعزلنى عن الموت صعقا فى مياه الصرف الصحى التى تطفو فوقها أكياس القمامة، منتظرًا استجابة قوية لغضب شديد جدًا داخلى، سأنتظر هنا مثبتاً عينى فى  نقطتين لامعتين تبرقان من بعيد، لعلهما عينى قط من قطط ثورندايك، ماذا؟ أقالوا المحافظ، أنا مرتاح جدًا الآن وكأن شيئا لم يحدث.