الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأفلاج ونظام الرى الاقتصادى

الأفلاج ونظام الرى  الاقتصادى
الأفلاج ونظام الرى الاقتصادى




أحمد عبده طرابيك  يكتب :

تعتمد سلطنة عمان منذ القدم على نظام فريد فى  الري، يتناسب مع طبيعة الجغرافيا الجبلية التى  تكون سطح الأرض العمانية، ويعرف ذلك بنظام «الأفلاج»، ومفردها «الفلج» المشتق من الفعل فلج بمعنى فلق وشق، وهو عبارة عن المياه الجارية عبر قناة مشقوقة فى  الصخر تمتد من مصدر المياه الجوفية أو مناطق الأودية لمسافات طويلة حتى  تصل إلى  التجمعات العمرانية والسكانية التى  تحصل منها على  حاجتها من المياه، وتذهب الكميات الباقية إلى  مساحات الأرض القابلة للزراعة.
 أقيمت الأفلاج بنظام هندسى  غاية فى  الدقة، فإذا كانت الأفلاج فى  مستوى سطح الأرض، فإنها تقام على  هيئة قناة سطحية، وإذا صادفت أرضا مرتفعة فإنه يتم مدها عن طريق حفرها داخل تلك الأرض المرتفعة بمهارة معمارية فائقة، أما إذا مرت بأرض منخفضة عن مستواها فيقام لها جسر توضع فوقه، وتستمد الأفلاج مياهها من الآبار والعيون، ونظرا لفاعلية تلك الأفلاج فقد انتشرت فى  بعض الدول المجاورة مثل السعودية والإمارات العربية.
تضم سلطنة عمان نحو أربعة آلاف فلج، ولأهمية تلك الأفلاج من الناحية الاقتصادية والثقافية كتراث عريق فريد تميزت به سلطنة عمان عن غيرها من دول العالم منذ القرن السادس  عشر الميلادي، وإن كان بعض الأفلاج يزيد عمرها على 1500 عام، فقد تم إدراج العديد من تلك الأفلاج العمانية ضمن قائمة التراث العالمى  لليونسكو فى  يوليو 2006، باعتبارها تراثًا إنسانيًا  يجب المحافظة عليه.
يوجد ثلاثة أنواع من الأفلاج، الأول: الفلج الداؤدى: وهو عبارة عن قناة طويلة محفورة تمتد عدة كيلو مترات تحت الأرض، بعمق يصل الى عشرات الأمتار، ويتميز بتواصل جريان الماء به طوال العام.
الثاني: الفلج العينى: وهو الذى  يستمد مياهه من العيون، سواء عيون باردة أو عيون ساخنة.
الثالث: الفلج الغيلي: وهو الذى  يستمد مياهه من المياه الجارية السطحية كالبرك، وشبة السطحية بأعماق تتراوح بين ثلاثة وأربعة أمتار، ويزيد منسوب المياه بها بعد هطول الأمطار مباشرة، وقد يجف عند انقطاع الأمطار لمدة طويلة.
 خلال النهضة التى  شهدتها سلطنة عمان منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، صاحب ذلك تطوير تلك الأفلاج والمحافظة عليها، ووضعت الدولة خططاً لصيانتها وزيادة كفاءتها المائية من خلال تنمية مصادر المياه التى  تغذى  تلك الأفلاج، بحفر المزيد من الآبار، والاستفادة من مياه الأمطار بتخزينها لتكون مصادر دائمة للأفلاج تمدها بالمياه طوال العام أو أطول فترة ممكنة، كما تم تحديث أنظمة الرى  لتقليل الكميات المهدرة من المياه.
 تعتبر مصر من أوائل الدول التى  عرفت الزراعة منذ فجر التاريخ، وقد ارتبط قطاع الزراعة بطبيعة الحال بنظام الرى  الذى  شهد تطوراً على  مر السنين، حيث كان نهر النيل يفيض بمياهه وكانت الزراعة فى  تلك الفترات تعتمد على  ذلك الفيضان، والذى  كان يأتى  هادراً فى  بعض الأوقات فيغرق الأراضى  الزراعية والقري، فيما كان يعرف برى  الحياض، حتى  وصلت مصر إلى  مرحلة ما بعد بناء السد العالى  الذى  حجز مياه الفيضان، ونظم جريان نهر النيل، الأمر الذى  مكن مصر من زيادة المساحة الزراعية، وتحويل نظام الرى  من رى  حياض موسمى  إلى  رى  دائم طوال العام، ومن ثم عرف نظام الزراعة الدورة الزراعية التى  تنوعت فيها المحاصيل.
 بعيداً عن الجدل الدائر حول سد النهضة الإثيوبي، وتأثيره على  حصة مياه مصر من نهر النيل، فإن مصر بحاجة كبيرة إلى  تطوير نظم الرى  بها لتقليل الكميات الكبيرة المهدرة التى  تفقدها سواء بالبخر، أو بامتصاصها داخل التربة، بداية من القنوات والترع التقليدية التى  تنقل المياه من نهر النيل إلى  الأراضى  الزراعية فى  الوادى  والدلتا، وصولا إلى  القنوات الفرعية الصغيرة داخل الأراضى  الزراعية، ويمكن بناء شبكة حديثة من الترع والقنوات على  غرار الأفلاج العمانية، وتطوير شبكات الرى  الحالية على  هذا النمط أيضاً، بالإضافة إلى  الاستفادة من المخزون المائى  الكبير الموجود تحت رمال الصحراء الغربية، وسواحل البحر المتوسط، ومنحدرات جبال البحر الأحمر، وكذلك الاستفادة من مياه الأمطار التى  باتت تهطل على  أنحاء متفرقة من البلاد بكميات كبيرة، وخاصة السواحل الشمالية، وذلك بحسن تخزينها وتوصيلها بقنوات تصل إلى  المناطق الزراعية، لزيادة الفائدة الاقتصادية من نظم الرى  إلى  أقصى  حد ممكن.