الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

منقذ البشرية






 
بين الحين والآخر يطالعنا العالم الغربي بإهانات للدين الإسلامي والرسول محمد صلي الله عليه وسلم ويخرج المسلمون للدفاع عن «نبيهم» ونصرة رسالته السماوية والدفاع عن الإسلام نجد في الغرب أيضا من يدافع عن الرسول صلي الله عليه وسلم الأمر الذي قمنا برصده من خلال المستشرقين الذين كان لهم احتكاك مباشر مع العرب وعاشوا في بلادنا.. فالمستشرق الإنجليزي بوسورث سميث في كتاب «محمد والمحمدية» قال: لقد كان محمد صلي الله عليه وسلم قائدا سياسيا وزعيما دينيا في آن واحد.
 
لكن لم تكن لديه عجرفة رجال الدين، كما لم تكن لديه فيالق مثل القياصرة. ولم يكن لديه جيوش مجيشة أو حرس خاص أو قصر مشيد أو عائد ثابت. إذا كان لأحد أن يقول إنه حكم بالقدرة الإلهية فإنه محمد صلي الله عليه وسلم، لأنه استطاع الإمساك بزمام السلطة دون أن يملك أدواتها ودون أن يسانده أهلها.
ويتصدر الرسول صلي الله عليه وسلم قائمة 100 شخص في كتاب» المائة: تقويم لأعظم الناس أثرا في التاريخ» لمايكل هارت وترجمة الكاتب أنيس منصور.
يقول مايكل هارت في مقدمة كتابه العظماء مائة:إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلي نجاح علي المستويين: الديني والدنيوي.
فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسي في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته ولأنه أقام بجانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلي العالم. أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها. وهو قد دعا إلي الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات،وأصبح قائِداً سياسياً وعسكرياً ودينياً.وبعد 13 قرناً من وفاته. فإن أثر محمد لا يزال مُتجدِّداً وأكثر هؤلاء الذين اخترتُهُم قد وُلِدوا ونشأوا في مراكِز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسياً وفِكريا.ً
ويري «هارت» أن محمدًا هو القوة الدافعة وراء الفتوحات العربية، لذا يمكن تصنيف محمد ليس كأشد الناس تأثيراً في التاريخ فحسب، بل أيضاً كأشد القادة السياسيين تأثيراً في التاريخ، فالفتوحات العربية في القرن السابع مازالت تلعب دوراً فعّالاً و مؤثراً في التاريخ البشري، إلي يومنا هذا. والجمع بين التأثير الديني والتأثير الدنيوي هو ما يجعل محمدًا يستحق أن يُعتبر أعظم الأفراد تأثيراً في التاريخ.
ويقول الكاتب «برنارد شو» البريطاني إن العالم أحوج ما يكون إلي رجلٍ في تفكير محمد عليه الصلاة والسلام وإنّ رجال الدين في القرون الوسطي، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صلي الله عليه وسلم صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت علي أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلي أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّي منقذ البشرية وفي رأيي أنّه لو تولّي أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.
وكان لكثير من المستشرقين خاصة في فرنسا نظرة تحمل الاحترام والتقدير للرسول صلي الله عليه وسلم، ولعل كلمة الاستشراق تضرب بجذورها في الثقافة الفرنسية منذ عام 1799 ليتيح للغرب نافذة حية علي الشرق بسحره وفنونه ودياناته وأهمها الإسلام.
ومن أهم المستشرقين الفرنسيين الذين قدموا رؤية جديرة بالاهتمام عن رسولنا الكريم «كليمان هوار» (1854 -1927) الذي شغل منصب استاذ اللغات الشرقية ورئيس مجمع البحوث والآداب في باريس وفي مؤلفه «تاريخ العرب» قال بالنص «اتفقت الأخبار علي أن محمداً كان في الدرجة العليا من شرف النفس، وكان يلقب بالأمين، إذ كان المثل الأعلي في الاستقامة».
وعن أخلاق الرسول الكريم وبعده عن الرذيلة والفواحش، يتحدث المستشرق «جرسان دتاسي»، قائلاً: إن محمداً ولد في حضن الوثنية، ولكنه منذ نعومة أظفاره أظهر بعبقرية فذة، انزعاجاً عظيماً من الرذيلة وحباً حاداً للفضيلة، وإخلاصاً ونية حسنة غير عاديين إلي درجة أن أطلق عليه مواطنوه في ذلك العهد اسم «الأمي».
بينما تعجب المستشرق الفرنسي الكبير «جوستاف لوبون» الذي توفي عام 1931 من الرسول لمن آذاه بالصبر وسعة الصدر، قائلاً «عامل محمد قريشاً الذين ظلوا أعداءً له عشرين سنة بلطف وحلم، وأنقذهم من ثورة أصحابه بمشقة، مكتفيًا بمسح صور الكعبة وتطهيرها من الأصنام الـ360 التي أمر بكبها علي وجوهها وظهورها، وبجعل الكعبة معبدًا إسلاميًا، وما انفك هذا المعبد يكون بيت الإسلام».
ويؤكد «لوبون»، الذي كان استاذاً في علم الاجتماع، أنه إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ.
ومن أقواله أيضاً في كتابه «الجمهور» الذي يتحدث فيه عن سيكيولوجية الشعوب «إن العرب هم الذين علموا العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين».
ومن أشهر الفرنسيين الذين كتبوا عن الرسول الفيلسوف الشهير «ألفنسولامارتين» في كتابه «تاريخ تاركيا» حيث يقيس العبقرية البشرية بمدي ما حققته من إنجاز وسمو الغاية من وراء ذلك الإنجاز، معتبراً الرسول من عظماء التاريخ في عبقريته الذي لم يسع لتشييد امبراطورية بالأسلحة أو بالقوانين وإنما قضي علي الأصنام والمعتقدات الباطلة وقاد الملايين من الناس بالصبر حتي نال النصر.
ويقول لامارتين في كتاب « السفر إلي الشرق « وهو كان شاعراً ومؤرخاً وعضواً في الجمعية العلمية الفرنسية ولد عام 1790 وتوفي عام 1869، إن أعظم حدث في حياته هو أنه درس حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدرك ما فيها من عظمة وخلود.
وقد أهدي الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو( 1802- 1885) للرسول قصيدة رائعة أطلق عليها» لحظة الوداع» وصف فيها أخلاق الرسول وتواضعه وحياته حتي لحظة مقابلته رب العالمين.
أما الأمبراطور الفرنسي قائد الحملة الفرنسية علي مصر نابليون بونابرت فقد عبر عن ابهاره في مذكراته بعبقرية الرسول في تخطيطه العسكري ووصفه بأنه أعظم قائد عرفه التاريخ.
 وأشاد «بونابرت» بالتشريع الإسلامي، فكتب في الباب الرابع من رسائله، «أرجو ألا يكون قد فات الوقت الذي أستطيع فيه أن أُوحّد جميع الرجال العاقلين والمثقفين في الدولة، وأن أُنشئ نظام حكم متناسقًا، مؤسسًا علي مبادئ القرآن، التي هي وحدها الصادقة، والتي يمكنها أن تقود الناس إلي السعادة».
ويشير بونابرت إلي أنه «من دون عبقرية الرسول العسكرية الفذة ما كان ليبقي الإسلام وينتشر بعد وفاته». وقد وصفه بأنه أول جنرال عسكري محنّك في الإسلام. وأنه لولا نجاح الرسول كقائد عسكري، ما كان للمسلمين أن يغزو الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية.
ويري بونابرت في الإسلام نظاما متكاملا حلّ بنجاح مذهل محل ما كان موجودا من نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية متخلفة في جزيرة العرب، فأوجد الرسول مفهوم «الأُمة» لتحلّ محل الولاءات القبلية والعائلية الصغيرة.
ويذهب إلي أن الرسول أوجد للمرة الأولي في التاريخ مفهوم «الحرب النفسية» التي لم تكن معهودة من قبل! ويؤكد أن الرسول نجح في خلق منظومة عسكرية متطورة كان هو شخصياً محورها الأساسي، إضافة إلي خلق هوية جديدة لا تفرّق بين المواطن والمقاتل في إطار مفهوم «المساواة».كما ذكر الفيلسوف الفرنسي فولتير أن محمداً قام بأعظم دور في التاريخ.
وقال المستشرق والمؤرخ الفرنسي «رينيه جروسيه» مؤلف كتابي مثل (الحروب الصليبية)، و(مدنيات من الشرق) كان محمد عندما قام بهذه الدعوة شاباً كريما نجداً، مليئا بالحماسة لكل قضية شريفة، وكان أرفع جداً من الوسط الذي يعيش فيه، وقد كان العرب يوم دعاهم إلي الله منغمسين في الوثنية، وعبادة الحجارة، فعزم علي نقلهم من تلك الوثنية إلي التوحيد الخالص البحت، وكانوا يهتفون بالفوضي، وقتال بعضهم بعضاً فأراد أن تؤسس لهم حكومة ديمقراطية موحدة، وكانت لهم عادات وحشية همجية صرفة، فأراد أن يلطف أخلاقهم، ويهذب من خشونتهم».
ووصف المستشرق الفرنسي «كلود اتيان سافاري» رسول الله(ص) في مقدمة ترجمته للقرآن بالعظمة قائلاً: أسس محمد ديانة عالمية تقوم علي عقيدة بسيطة لا تتضمن إلا ما يقره العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافئ علي الفضيلة ويعاقب علي الرذيلة.. فالغربي المستنير وإن لم يعترف بنبوته لا يستطيع إلا أن يعتبره من أعظم الرجال الذين ظهروا في التاريخ.
ومن المستشرقين خاصة في سويسرا وبلجيكا نجد المستشرق السويسري «إدوار مونتيه» (1810 – 1882) مدير جامعة جنيف ومدرس اللغات الشرقية يقول في مؤلفه «المدنية الشرقية»:
«كان محمد نبياً بالمعني الذي كان يعرفه العبرانيون القدماء، ولقد كان يدافع عن عقيدة خالصة لا صلة لها بالوثنية، وأخذ يسعي لانتشال قومه من ديانة جافة لا اعتبار لها بالمرة، وليخرجهم من حالة الأخلاق المنحطة كل الانحطاط، ولا يمكن أن يشك لا في إخلاصه، ولا في الحمية الدينية التي كان قلبه مفعماً بها».