الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إسرائيل لا تملك توجيه ضربة عسكرية لإيران خوفًا من امتلاكها للقنبلة النووية




هل يمكن اعتبار الإعلان الإسرائيلى باقتراب توجيه ضربة عسكرية لإيران نوعًا من طلقات الرصاص الفارغة.. تسعى لإحداث ضجة لكنها لن تصيب أهدافًا حقيقية.. هذا ما يراه العالم الأمريكى يوسف بوت - المتخصص فى مجال الفيزياء والأمن الدولى الذى يؤكد أن العامل الوحيد الذى يطلق يد إيران فى برنامج التسلح النووى هو توجيه ضربة عسكرية ضدها، ويقول بوت فى مقال له نشر مؤخرًا بصحيفة «كريستيان ساينس `مونيتورز» الأمريكية إن مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو المجتمع الدولى بوضع خطوط حمراء أمام طهران لوضع نهاية لبرنامجها النووى.. مشيرًا إلى أن أى ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران لن تكون ضد القانون الدولى فقط، إنما ستكون لها سلسلة من الأثار العكسية بدءًا من طرد إيران لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إطلاق العنان لطهران فى اتجاه التسلح النووى الكامل. لتمتلك بذلك قنبلة نووية. وفيما يلى نص ما كتبه «بوت»:
 
قال الجنرال مارتن ديسمبى رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكى للصحفيين - الأسبوع الماضى - أن هجوم تل أبيب على إيران قد يؤجل برنامجها النووى ولكن ليس بالضرورة أن يدمره واعتقد أن ذلك صحيح ومن المهم ملاحظة أن ديسمبى لم يقل صراحة برنامج التسليح النووى لإيران.
ولا يوجد دليل قاطع أن إيران بدأت فى انتاج أسلحة نووية، رغم أن مشروعها القائم لتخصيب اليورانيوم يمكن أن يستخدم لتوفير المواد المطلوبة لصنع قنبلة نووية، بل هناك براهين معقولة تثبت العكس.
 
«دلذا أرى ثلاثة أسباب لعدم الهجوم على إيران، فعقب نشر تقديرات المخابرات الأمريكية بشأن إيران العام الماضى أكد جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أن لديه «درجة ثقة مرتفعة» أن إيران لم تبدأ فى التسلح النووى، ويواصل مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدقة رصد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب للتأكد من عدم تحويل استخداماته لأغراض عسكرية.
 
وقال محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية والحائز على جائزة نوبل، إنه لم يلمس أى دليل على سعى طهران وراء القنبلة النووية خلال فترة عمله «1997 - 2009»، مضيفا أنه لم ير سوى الضجة حول التهديد الذى تشكله إيران.
 
وحتى أن ليون بانيتا وزير الدفاع اعترف بهذه الحقيقة، موضحًا أن بلاده تعلم أن الإيرانيين يسعون لتطوير «قدرات» امتلاك السلاح النووى.
 
وبالطبع فإن القدرة النووية لبلد ما ترتبط بحدودها: بمعنى أن أى دولة تمتلك مراحل صنع السلاح النووى كاملة تتمتع بالقدرة الكامنة النووية، مثل اليابان والأرجنتين والبرازيل، مما يعد خللا رئيسيا فى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وهذه الدول أشبه بمن يحصل على تذكرة للمشاركة فى سباق سيارات بسرعة 110 أميال فى الساعة، ولا يعنى ذلك قدرتها على الانطلاق بالعربة.
 
وقد يؤدى الهجوم الإسرائيلى على إيران تحويل القدرة الكامنة لديها إلى برنامج تسلح نشط، وعلى الأرجح فسوف ترد إيران بطرد مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية واقتحام سباق تكسير العظام نحو امتلاك القنبلة، ناهيك عن احتمالات اندلاع حروب تجتاح المنطقة وارتفاع أسعار البترول لعنان السماء.
 
وهناك وجهة نظر أخرى، فالمرء قد يعجب من تجاهل تل أبيب لانتقام طهران عقب الهجوم عليها، إذ قد ينجم أيضا عن غارة إسرائيلية على إيران، ما يطلق عليه «الالتفاف حول العلم» لدى الشعب الإيرانى ويجعل الفرصة سانحة أمام النظام لقمع المعارضين واخراسهم وتدعيم قبضته على البلاد، مثلما حدث فى العراق عقب تدمير إسرائيل لمفاعلها النووى الذى كان مخصصا للأغراض السلمية عام 1981، حيث طالب صدام حسين بضرورة تحقيق «الردع النووى» وأطلق العنان لبرنامج تسلح وبعد عقد من الزمان كانت بغداد على شفا القدرة على امتلاك سلاح نووى قبل حرب الخليج عام 1991.
 
وتفسر الباحثة فى مجال الأمن الدولى «ملفريد بروت - هجامر» أن الهجمات الوقائية تزيد من مخاطر انتشار الأسلحة النووية على المدى الطويل لدى الدول المستهدفة من الهجوم، من خلال خلق حالة من الضغط على أجهزة الأمن الوطنى للسعى وراء امتلاك قنبلة نووية.
 
والواضح أن المستويات العليا فى مؤسسة الأمن الوطنى الإسرائيلية يدركون تلك الديناميكية لإرادة التسلح النووى، لذا يقفون بحزم شديد ضد توجيه ضربة عسكرية لإيران.
 
ويوصى «افرايم هاليفى» رئيس الموساد الأسبق فى صحيفة «هاآرتس» بمحاولة تهدئة حدة الصراع بين إسرائيل وإيران ولا ينصح بالتصعيد العسكرى بتاتًا، ودعا إلى منح الإيرانيين مخرجًا مشرفًا من الأزمة قبل التورط فى خيار عسكرى لا تحمد عواقبه.
ورغم أن بعضًا من كبار القادة السياسيين فى إسرائيل يؤيدون ضرب إيران، لكن وكما يرى كل من ناعوم برنيع وسيمون شيفر الكاتبان فى صحيفة «يدعوت أحرنوت» الإسرائيلية أن إعلان نتنياهو ووزير دفاعه إيهواد باراك أن شن غارة على المنشآت النووية الإيرانية سيكون فى الخريف قبل الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل، لا يحظى بتأييد الرئيس الإسرائيلى أو كبار القادة العسكريين فى الجيش وفروعه الأمنية فى اللحظة الراهنة.
 
وطالما كانت فكرة الغارة الإسرائيلية على إيران بهذا السوء، فلماذا يصر نتنياهو على تهديدها باستمرار؟ ويتكهن العديد من داخل إسرائيل بأن موقف نتنياهو ليس سوى مجرد خدعة للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية عبر رسم صورة ذهنية للرئيس الأمريكى باراك أوباما تجعله يبدو رئيسًا ضعيفًا فى الشئون الدفاعية والأمن القومى الأمريكى.
 
ويرى ساسة إسرائيليون فى مقدمتهم شاؤول موفاز زعيم حزب كاديما، الذى كان وزيرًا سابقًا للدفاع أن نتنياهو يتدخل بصورة فجة ومتهورة ومحفوفة المخاطر فى الانتخابات الأمريكية، فقد أعلنها موفاز صراحة فى وجه نتنياهو «قل لى لماذا ولمصلحة من تقحم يدك فى أعماق صناديق الانتخابات الأمريكية»؟
 

 
وتقول الباحثة بروت - هجامر «أن هجوما من نوعه على إيران يخلق حالة مزيفة من الشعور بالأمان فى العالم الخارجى».
 
يوسف بوت
 
كاتب المقال هو يوسف بوت وهو عالم فيزياء نووية وهو أستاذ مقيم فى معهد مونتيرى للدراسات الدولية فى الولايات المتحدة ومستشارًا علميًا فى اتحاد العلماء الأمريكيين وله اسهمات متعددة فى مجال التسلح النووى والأمن الدولى فى صحف ومجلات عالمية مثل «فورين بولسى» و«واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز» و«كريستيان سيانس مونيتورز».