الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صلاح جاهين رسام بدرجة مقاتل




كان صلاح جاهين يعانى من عدم قدرته على ملاحقة الأحداث طالما هو فى مجلة أسبوعية .. فكان عليه وهو يرسم غلاف مجلة روز اليوسف أن يتخيل ما سوف يحدث بعد عشرة أيام .. فكان عليه أن يفكر فى رسوم عليه أن يتوقع موضوعاتها أو يتنبأ بحدوثها .. ويروى جاهين حكاية انتقاله للأهرام فيقول:
«بهرتنى فكرة العمل فى صحيفة يومية .. وشعرت بأننى أرغب فى العمل بالأهرام الذى لم يكن به رسام للكاريكاتير .. فاصطحبنى أحمد بهاء الدين إلى محمد حسنين هيكل .. وقلت له أريد أن أعمل بالأهرام .. فأجابنى هيكل بالموافقة مردفا: أنت من حقك أن ترسم ما تشاء .. ونحن لنا حق «الفيتو» .. وهذا كان يرهقنى كثيرا جدا .. وخصوصا فى الأزمات. ورغم هذا الاتفاق الواضح والصريح الذى يحدد خطوطا حمراء يجب عدم تجاوزها .. إلا أن الأزمات التى خاضعها جاهين كمقاتل كان لهيكل مواقف مؤازرة لصلاح جاهين فلم تكن هناك تناقضات بين الأفكار التى يطرحها جاهين فى رسومه الكاريكاتورية .. وبين السياسة التحريرية لجريدة الأهرام – آنذاك – أو بين أفكار هيكل نفسه بشكل عام .. فالخلافات كانت دائما بين جاهين والحكومة طفيفة جدا .. بل أن هيكل كان فى بعض الأزمات مؤيدا ومعضضا لآراء جاهين المقاتل الصلب فى مواجهة أى آراء تقف فى سبيل التقدم.
ولعل من أشهر المعارك التى خاضها جاهين ووقف هيكل إلى جواره فيها معركته مع المدعى الاشتراكى مصطفى أبو زيد الذى هاجمه جاهين لأنه جمع بين منصبى وزير العدل والمدعى الاشتراكى فى آن واحد ونشبت معركة حامية بينهما حسمت فى النهاية لصالح جاهين وصدر قرار بالفصل بين المنصبين .
أما معركته الشهيرة مع الشيخ الغزالى .. فيرويها جاهين بنفسه فيقول:
«كنت جالسا أمام التليفزيون أشاهد المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية .. ووجدت نغمة خاصة بدأت تظهر عندما قال الشيخ الغزالي:
(لا نريد أفكارا مستوردة .. ونريد أن يكون هناك زي إسلامي موحد)، و(عندنا فى القرآن كل شيء)، و(كان هذا فى اجتماع المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية فى مايو 1962) .. وكان الشيخ محمد الغزالى عضو المؤتمر .. ورد عبد الناصر مهاجما – أثناء المؤتمر أيضا – فقال (إن الشيخ الهضيبى يريدنى أن أصدر قرارا يمنع البنات من ارتداء ملابس معينة .. وأنا أعلم أن له بناتاً يدرسن فى الخارج بمفردهن) .. ثم قال عبد الناصر ما معناه (أنا لا استطيع أن أصدر قرارا يفرض زيا معينًا على الناس .. ولكن كل إنسان يحكم بيته بالطريقة التى يراها.. وإلا قال عني الناس «الحاكم بأمر الله») .. ويكمل جاهين روايته فيقول:
«.. أنا وجدتها فرصة لأرسم كاريكاتيراً يصور الشيخ الغزالى وعمته تسقط بحكم قانون الجاذبية الأرضية .. وهو أصلا قانون مستورد .. وفى اليوم التالى أخذ الشيخ الغزالى يسبنى على المنبر لمدة نصف الساعة .. وبدأ محمد حسنين هيكل فى الرد على الشيخ الغزالى فى الصفحة الأولى للأهرام وبدون توقيع .. وهنا تدخل عبد الناصر .. وقال: لا أريد أن تتدخل باقى الصحف فى هذا الموضوع .. والحوار سيكون مقصورا على الأهرام فقط باعتبارى صحفياً فيه .. حتى لا تبدو المسألة غوغائية .. وكانت فكرة حكيمة من عبد الناصر .. وكان هيكل يؤكد فى كل رد يكتبه أن هذا الخلاف نظرى وسياسى بين الشيخ الغزالى .. ورسام الأهرام .. وليس له علاقة بالدين .. فنحن هاجمنا رجل الدين .. ولكن لم نهاجم الدين ذاته .. واستمرت الحملة إلى أن تدخل العقلاء .. بعد أن وصل الأمر إلى أن الشيخ الغزالى حرض بعض طلبة الأزهر الذين جاءوا إلى مبنى الأهرام وحاصروا المبنى وطالبوا بإهدار دمى .. إلى هنا بدأت المساعى تتدخل لإنهاء الأزمة.
جمعنى أحمد بهاء الدين بالشيخ الغزالى فى مكتب هيكل .. وتصالحنا .. وأعلنا أن كلنا فداء لمصر وأن كل منا يقول رأيه من أجل مصر «.. وانتهت الأزمة، ولكن المقاتل صلاح جاهين لم يلق بسلاحه الشخصى وهو الريشة والقلم حتى آخر لحظة فى حياته .