الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بعد رحيل الفخرانى عن القومى: «الأمير الصغير» يدفع ضريبة ملايين «ليلة من ألف ليلة»!

بعد رحيل الفخرانى عن القومى:  «الأمير الصغير» يدفع ضريبة ملايين «ليلة من ألف ليلة»!
بعد رحيل الفخرانى عن القومى: «الأمير الصغير» يدفع ضريبة ملايين «ليلة من ألف ليلة»!




منذ اقتراب موعد انتهاء أيام، عرض «ليلة من ألف ليلة»، على خشبة المسرح القومى، كان السؤال المحير، والملح دائما على الجميع، من هو العرض المقبل بعد الفخراني..؟! بالطبع البيت الفنى، وإدارة المسرح، لم يمتلكا وقتها إجابة شافية، وكانت هناك أخبار متضاربة، حول عرضى «بير السلم» للمخرج سمير العصفورى، و«هولاكو» للمخرج جلال الشرقاوى، ثم أعلنت إدارة القومى، خلال شهر يناير الماضى، أن هناك عرضاً جديداً يتم التحضير له، هو عرض «من القلب للقلب» للمخرج رشدى الشامى، وبطولة أحمد كمال، وبالفعل تم افتتاح العرض، خلال شهر فبراير، لكن وقعت الأزمة المنتظرة، وهى عزوف الجمهور عن حضور العرض، وبعد أن كان المسرح كامل العدد، أصبح وكأنه لم يحضر أحد، إلا القليل، وهذه الأزمة المتوقعة، لم يكن سببها الرئيسى، أن العرض الذى تلى الفخرانى، عرضا رديئا، لكن هناك عدة اسباب متشابكة، انتجت بشكل فعلى، هذه الأزمة أبرزها سوء الإدارة والتخطيط.
ففى دول العالم الكبرى، دائما ما تكون هناك استراتيجية، فنية تحكم الإنتاج المسرحى، خاصة بالمسارح الضخمة، ففى كل مسرح ضخم، سواء كان هناك عرض كبير أو صغير، تعلم إدارة المسرح عادة، من هو العرض المقبل، والمسئولون عن هذا العرض، لابد وأن يكونوا، قد بدأوا جلسات العمل التحضيرية له، استعدادا لافتتاحه، وكذلك ترسم خطة الدعاية، لهذا العرض الجديد، حتى يتاح للجمهور إمكانية الحجز فيه .. لكن فى مصر، عشوائية الإدارة، هى سر الخلطة المسرحية المصرية، وبالتالى كان لابد من التعامل، برهبة وحساسية شديدة، مع العرض القادم بعد الفخرانى على المسرح القومى، لأن النجوم يعلمون جيدا، أن هناك سوء تنظيم، وتخطيط، ودعاية ضعيفة، لذلك خشى الجميع النزول بعده، وأغلب من تمت دعوته للوقوف، على خشبة هذا المسرح العملاق، رفض خوفا أو انشغالا، لكن الخوف كان سيد الموقف، فالجميع أصابهم الرعب، من المقارنة سواء فى حجم الإيرادات، التى سيحققها بعد يحيى الفخرانى، أو من حيث مستوى العمل الفنى الذى سيقدمه، وبالتالى تراجع النجوم، عن قبول فكرة الوقوف على القومى، خلال هذه الفترة، حتى تزول عنه لعنة ملايين الفخرانى ..!!
حقق الرجل 2 مليون جنيه إيرادات، فى شهور قليلة، وشهد عرضه إقبالا جماهيريا غير مسبوق، حتى بعد إغلاقه، أصبح الجميع يتساءل هل لايزال الفخرانى على خشبة المسرح؟ وأين ذهبت المسرحية؟! ثم إذا علم الجمهور، بوجود عرض جديد قد تتراجع رغبته، فى معرفة المزيد من التفاصيل عنه، لأنه يريد الفخرانى ليس إلا..!! فهل الأزمة تتعلق بأحمد كمال أو أحمد حداد لأنهما ليسا من نجوم الصف الأول..؟! .
فى الحقيقية هذه الأزمة يحكمها عاملان، هما أساس كل ما يعانيه المسرح المصرى، العامل الأول، هو عدم الاهتمام بتنمية مستوى وعى وثقافة الفرجة المسرحية، لدى الجمهور، لأننا حصرنا المسرح فى فكرة النجم الأوحد، رغم أنه من السهل صنع عمل مسرحى، يكون هو النجم بكل عناصره الفنية، كما حدث مع عروض الشباب العام الماضى، منها «1980 وانت طالع» للمخرج محمد جبر بمسرح الهوسابير، و«روح» للمخرج باسم قناوى بمسرح الطليعة، و«سيد الوقت» للمخرج ناصر عبد المنعم بمسرح الغد، و«بعد الليل» إخراج خالد جلال، وبما أن الجمهور لم يعتد الذهاب للمسرح بشكل دورى، فبالطبع لن تكون لديه ثقافة الانتقاء والاختيار والمتابعة، فما الأزمة فى أن يذهب الجماهير، لمشاهدة العرض الجديد على القومى، الذى يحمل شكلا مختلفا، ومغايرا لما اعتاد أن يراه، مع الفخرانى، وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع مدى مناسبة، هذا العمل للمسرح القومى من عدمه، لكن الأزمة أنه أصبح لدينا جمهور يعانى من مراهقة ثقافية، ربما السبب فى ذلك هو العامل الثانى، الذى يعتبر حجر الأساس، فى تكوين وترسيخ هذه الثقافة، وهذا العامل هو وزارة الثقافة نفسها، التى تعتبر مسئوولة بشكل كبير، عن مدى تذوق الجمهور للأعمال الفنية، فإذا كانت هذه الوزارة، تبذل جهدا ولو ضئيل، فى جعل المسرح على أجندة المواطن اليومية، كانت ستحل الأزمة الجماهيرية، بكل العروض، وكان سيتابع الجمهور، بشغف كبير جميع العروض الشبابية المهمة، التى تم إنتاجها العام الماضى، ومعظمها لم يشاهدها، سوى المقربين من أصحابها، أما الأعمال الأخرى، التى شهدت إقبالا جماهيريا استثنائيا، لم يأت إليها، هذا الكم من الجمهور، إلا بالجهد الذاتى والدءوب، من صناعها، وليس بمجهود البيت الفنى للمسرح أو وزارة الثقافة.
إذن السؤال هنا هو.. كيف كان على الوزارة أو إدارة البيت الفنى للمسرح، حل الأزمة الكبرى، التى يتعرض لها اليوم عرض «من القلب للقلب» قبل وقوعها؟!! بالتأكيد ليس الحل فى وجود نجم كبير، بعد الفخرانى، كى يتحمل عبء الإقبال الجماهيرى وحده، لكن الحل يكمن فى خطوات متعددة، الخطوة الأولى، والتى كان يجب أن تتخذ مبكرا، هى ضرورة أن تكون إدارة البيت الفنى، وإدارة المسرح القومى، على علم مسبق بالعرض المقبل، بعد الفخرانى مباشرة، حتى يتسنى لهم، وضع خطة واستراتيجية واضحة، كما ذكرنا فى بداية المقال، هكذا تفعل المسارح الكبرى، الخطوة الثانية، كان يجب أن تستغل إدارة المكان، الحضور الجماهيرى فى «ليلة من ألف ليلة»، كى تعلن عن العرض القادم، ويتم توزيع منشورات على الجماهير بذلك، بعدها تبدأ ضرورة بذل مجهود مضاعف، فى تصميم شكل الدعاية للعرض الجديد، حتى يكون هناك دافع للجمهور لمتابعته، لكن كل هذا لم ولن يحدث، فى مصر، وبالتالى سيظل الفخرانى، شبحا لكل من يعمل بعده أو قبله، وسنظل ننتج أعمالا جيدة يشاهدها أصحابها فقط!!
أما فيما يخص عرض «من القلب للقلب»، فهو عمل جيد، على المستوى الفنى، لكن كان أولى به مسرح آخر، لأن العمل قد يكون جاذبا لفئة معينة، ففى النهاية هو أقرب لمسرح الطفل، وبالتالى ظلم هذا العرض مرتين، المرة الأولى فى عرضه على المسرح القومى، بعد يحيى الفخرانى مباشرة بلا سابق إنذار، والمرة الثانية، فى وضعه بمكان غير مناسب، لملء فراغ عدم وجود عرض بديل، بعد إغلاق «ليلة من ألف ليلة»، وهكذا دفع شباب «الأمير الصغير» ضريبة عزوف النجوم، عن الوقوف على خشبة القومي.
اهتم المخرج رشدى الشامى بصناعة صورة مسرحية جيدة، وجاذبة لخيال الأطفال، عن طريق الإضاءة والديكور، الذى صنعه المهندس محمود صبرى، وخرج بصورة مسرحية جديدة على عين المتلقى أقرب لأفلام الكرتون، من العروض المسرحية التقليدية، وكذلك كانت الملابس خاطفة للأبصار، وكان أبرزها ملابس سكان الكواكب المختلفة، التى تنقل خلالها الأمير فى رحلته إليهم، وعلى مستوى التمثيل أدى الجميع، أدوارهم بحرفية ومهارة شديدة، وكان أبرزهم أحمد كمال، الذى يروى حكاية لقائه بالأمير الصغير الهابط عليه من كوكب أخر، ثم لانا مشتاق وعهدى صادق وناصر شاهين وعلى كمالو، ياسمين سمير، وهالة مرزوق، أحمد سمير، عادل رأفت ومدورنا، لكن كانت سقطة العرض الوحيدة، فى اختيار أحمد حداد، للعب شخصية الأمير الصغير، فلم يوفق حداد، فى أدائه للشخصية على الإطلاق، وجاء أداؤه ضعيفا ومملا وليس مناسبا لإيقاع العرض، وتسبب فى هبوط إيقاعه فى أكثر من مشهد.
«من القلب للقلب» مأخوذ عن رواية «الأمير الصغير» للكاتب الفرنسى أنطوان دو سانت، وتعتبر من أفضل كتب القرن العشرين فى فرنسا، والعرض مسرحة واشعار فؤاد حداد، وتقدم الرواية لأول مرة على خشبة المسرح فى مصر، وتعمد المخرج أن يستعين بترجمة شعرية للرواية، كى تكون أكثر جذبا للجمهور، شارك فى بطولة العرض فرقة اسكندريللا، وكان جلوس أعضاء الفريق جزءا أساسيا من سينوغرافيا العرض المسرحى، مما أضفى على العمل متعة بصرية كبيرة وكان أكثر ابهارا، العرض موسيقى وألحان حازم شاهين وعزف وغناء عالية شاهين، سلمى حداد، لانا مشتاق، حازم شاهين، أشرف نجاتى، يوسف الشريعى، إسلام عبد العزيز، فريد جاد، زين العابدين، وعبادة.