الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مأزق دول الخليج العربى بعد التراجع الأمريكى

مأزق دول الخليج العربى بعد التراجع الأمريكى
مأزق دول الخليج العربى بعد التراجع الأمريكى




خالد عبد الخالق يكتب:

المتابع للعلاقات الأمريكية مع دول الخليج العربى «السعودية والإمارات والبحرين والكويت» بصورة خاصة يلاحظ إنها تتسم بقدر من الفتور وعدم الاكتراث بما يحدث فى المنطقة، خاصة من جانب إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما اتجاه أمن دول الخليج، و لم يكن تصريح اوباما بأنه «على السعودية أن تتقاسم النفوذ بالمنطقة مع إيران» بالأمر الغريب والجديد على الخليجيين. فقد بات يقينا لديهم أن إدارة أوباما لم يعد فى وسعها فعل الكثير وأنها بصورة أو بأخرى جعلت مصالحها مع الخليج وعلاقاتها التكتيكية فى مرحلة تالية على العلاقات والمصالح الاستراتيجية مع إيران.
إدارة الديمقراطيين الحالية يمكن القول إجمالاً إنها وجهت صدمات كبيرة للحلفاء فى الخليج، أول تلك الصدمات دعم الإدارة الأمريكية للجماعات الإرهابية والحركات الرديكالية الأصولية للوصول للحكم فى عدد من الدول العربية؛ تلك الجماعات التى تتعارض مع نظم الحكم والبيئة السياسية فى الخليج، والتى وأن كان قدر لها الاستمرار فى حكم مصر  لكان التغيير آت لا محالة للدول الخليجية قاطبة بدون استثناء. الأمر الثانى هو الاتفاق النووى الإيرانى الذى أبرمته إيران مع القوى الدولية مجموعة 5+1 والذى شكل صدمة كبيرة للدول الخليجية ولم تستطع التطمينات الأمريكية للحلفاء الخليجيين من إزالة المخاوف والقلق التى انتابت العواصم الخليجية. كل تلك المؤشرات والتطورات عبرت بصورة أو بأخرى عن أن هناك ميلاً أمريكيا لعدم الانخراط فى مشاكل وصراعات المنطقة العربية عامة والخليجية خاصة.
الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها بين خيارين كليهما صعب، هل تنخرس وتنجر وراء المطالب الخليجية بالدخول فى مغامرات عسكرية لاجدوى منها «خاصة وأن ما تدفعه دول الخليج ليس بالكثير على حد تصريح أوباما»، خاصة انها دخلت قبل ذلك فى العراق وافغانستان ولم تخرج من تلك المغامرات إلا بمساعدة إيرانية. أو أن تتبع النهج البرجماتى الذى تسير عليه وهو أن التحالف الاستراتيجى يكون فى مقدمة تحالفاتها التكتيكية وقد اختارت واشنطن تحالفها الاستراتيجى مع إيران.
وفى الواقع أن أوباما حسم موقف بلاده وقبل بضعة أشهر من مغادرته البيت الأبيض. دول الخليج أدركت منذ اجتماع كامب ديفيد الذى عقد فى مايو الماضى أن عليها أن تعتمد على نفسها من خلال نمطين هما «نمط التحالفات ونمط السياسات»، بمعنى أنه على الرغم من أنه لم يمر عام على اجتماع كامب ديفيد حتى أننا وجدنا السعودية تولت زمام المبادرة بالإعلان عن نمط تحالفاتها، فقد أعلنت فى بادئ الأمر عن تحالف عربى إسلامى لمواجة الحوثيين والمد الإيرانى فى اليمن، تلى ذلك إعلانها عن تشكيل تحالف إسلامى سنى لمواجهة التحديات والتهديدات التى تواجه أمن المملكة ودول الخليج السنية اتجاه النفوذ الإيرانى المتنامى والجماعات الإرهابية الشيعية «الحشد الشعبى وحزب الله»، إضافة إلى دخولها فى تحالف استراتيجى مع تركيا وباكستان.
أما نمط السياسات فقد ركزت دول الخليج على الأخذ بسياسة التصعيد والمواجهة مع إيران، ولأول مرة تدخل السعودية والإمارات فى مواجهة مباشرة مع حلفاء إيران بالمنطقة، على الرغم من أن السياسات الخليجية عامة والسعودية خاصة كانت فى مجملها سياسات تعتمد على امتصاص الصدمات الإيرانية والتغاضى عن بعض التجاوزات من قبل بعض المسئولين الايرانيين التى كانت تحدث بين الحين والآخر؛ لذلك كان قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة على خلفية حرق السفارة والقنصلية السعودية فى إيران، إضافة إلى إدراج جماعة حزب الله «المنتمية لإيران فكرا وتنظيما وتمويلا» ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، أضف الى ذلك رفع الدعم الذى كانت تقدمه للبنان لمواجهة المد الشيعى بها، ومحاولتها فرض أمر واقع فى اليمن يكون كفيلا بضمان أمن حدودها الجنوبية من تسلل عناصر الحوثيين للداخل السعودى بين الحين والآخر وضمان عدم إطلاق صواريخ على المناطق الجنوبية للمملكة وسبق ذلك كله دخول قوات درع الجزيرة للبحرين لمواجهة التحركات الشيعية هناك.
كل تلك التحركات الخليجية عبرت بصورة أو بأخرى عن أن هناك قناعة بأن السياسات الأمريكية للديمقراطيين فى إدارة أوباما خذلتهم ولم تكن الحليف الذى يرتكنون عليه ووجدوا أنفسهم أمام خيارين:  أما المواجهة مع إيران أو أن يتقبلوا أمراً واقعا يتقاسمون فيه النفوذ بالمنطقة، على أمل أن تشهد الشهور المقبلة تغيير فى الإدارة الأمريكية الجديدة سواء تغيير شخصيًا أو تغييرًا حزبيًا يحمل معه بوادر أمل جديد لدول الخليج.