الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كلام فى «التجديد»!

كلام فى «التجديد»!
كلام فى «التجديد»!




وليد طوغان يكتب:

تنامى جماعات القرآنين فى العالم ملحوظة مهمة، فى أوروبا تتوسع جماعاتهم، وتزيد، وتكثر مساجدهم وأماكن دوروسهم.. ونحن السبب إن جيت للحق، مطالبات «القرآنيين» بإعادة فحص السنة النبوية «مشروعة»، اعتقادهم فى ضرورة ترك «الأثر» وإعادة النظر فى المنقول عن الصحابة والتابعين وجيهة.
السنة اجتهادات نبوية و«الأثر» اجتهادات صحابة والدين دين الله، والصحابة فهموا دين الله حسب عصرهم وزمانهم، فما الذى يضير لو اتفقنا مع القرآنيين فى البحث عن طريقة لتجديد الخطاب الديني، وتنقية ما فيه شك، وحذف ما فيه كلام؟
مثلا، تاجر بعض مشايخ السنة على الفضائيات بالسنة، ففسروا بها الأحلام، وعالجوا بها الأمراض، وحضروا بها وصفات لسحر وجمال البشرة.
ممكن اعتبار تنامى القرآنيين حول العالم «رد فعل» لظهور مشايخ إخراج العفاريت بأحاديث النبي، وأصحاب نظريات شفاء شلل الأطفال ببول الإبل.
يقول القرآنيون إن كتاب الله هو الأصل، وإن سنة رسول الله «صلى الله عليه وسلم» هى «أول بيان لمقاصد القرآن»، لكنها ليست البيان الوحيد لمقاصد «القرآن».
كلام معقول، والمعقول أيضا أن السنة تراث، لكن القرآن الكريم ليس تراثا. تفسير الصحابة رضوان الله عليهم للقرآن تراث أيضا، ممكن أن نذهب إلى أبعد من هذا، ونقول إن اجتهادات النبى «صلى الله عليه وسلم» نفسه فى تفسير آيات القرآن تراث هو الآخر.
فسر الصحابة رضوان الله عليهم، كتاب الله وفق أرضيتهم المعرفية أو ثقافتهم وقت التنزيل، فسروه وفق ما يعتقدون أنه التفسير الصحيح، أو هو القصد من التنزيل، بعد وفاة النبى «صلى الله عليه وسلم» اجتهدوا بالرأى، فيما لم يجدوا فيه حكما قرآنيا، فكان الاجتهاد هنا بيان للتنزيل.
يروى أن جاءت لأبى بكر جدة تطلب ميراثا من ابن ابنها، الذى مات فى حياتها. لم يعرف أمير المؤمنين ماذا يفعل، لأنه لا نص قرآنى فى الواقعة، لكن بعض الصحابة أشاروا بتوريثها قياسا على ميراث الأم.
أقر أبوبكر بتوريث الجدة، قياسا على الأم، لو لم يفعل، لما ورثت الجدة ربما حتى اليوم.
اجتهد أيضا عمر ابن الخطاب وعلى ابن أبى طالب رضوان الله عليهما جميعا. على ابن أبى طالب هو الذى وضع عقوبة لشارب الخمر، فأفتى بضرب شارب الخمر قياسا على عقوبة «القاذف». قال: إنه إذا شرب سكر.. وإذا سكر قذف المحصنات، وطعن فى سمعتهن بلا دليل ولا شهود.
عمر بن الخطاب وصل إلى أن أوقف حد قرآنى «قطع يد السارق» فى المجاعة، والغى سهم المؤلفة قلوبهم، الوارد فى القرآن أيضا، لتغير الزمن، واختلاف الظروف السياسية.
كلها كانت اجتهادات، والاجتهادات «أحكام مستحدثة»، يعنى ليست أصلا. الاجتهادات استدلالات وخريجات منطقية من الأصل، الأصل هو القرآن، بينما ما دونه لا هو أصل، ولا هو مقدس.
بعد 14 قرنا من انقطاع الوحي، يجوز نقد تفسيرات الصحابة أو استبدالها، لكن لا يجوز نقد آيات القرآن المقدس أو إلغاؤها.. اجتهادات الصحابة والتابعين تراث، والتراث صناعة بشرية، لكن كتاب الله صناعة ربانية، فما السبب الذى أوصل بعضنا إلى الإصرار على تشبيه غير المقدس.. بالمقدس.. واعتباره مثله؟
كلام ليس فى محله.