السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حرب البوسنة وحصار سراييفو بلغة أدبية فى «مخاوفى السبعة»

حرب البوسنة وحصار سراييفو بلغة أدبية فى «مخاوفى السبعة»
حرب البوسنة وحصار سراييفو بلغة أدبية فى «مخاوفى السبعة»




كتبت - رانيا هلال

 

صدر حديثا عن دار العربى للنشر والتوزيع الترجمة العربية  لرواية «مخاوفى السبعة» للروائى البوسنى سلافيدين آفيدتش والمترجم محمد اسامة  وقد ولد آفيدتش فى مدينة زيتنيستا وقد صدرت مجموعته القصصية الأولى «الأرواح الشريرة وخيالات أخرى» عام 2004 وهو يشغل الآن منصب رئيس تحرير جريدة جورناو الإليكترونية كما أن لديه برنامجًا إذاعيًا خاص به وتم نشر روايته الأولى مخاوفى السبعة عام 2010 لتحتل على الفور مكانا فى القائمة القصيرة لإحدى أهم الجوائز الأدبية فى البلقان وترجمت إلى الإنجليزية فى 2012 ونافست فى القائمة الطويلة لجائزة امباك دبلن العالمية للادب 2014.
يتحدث البوسنى سلافيدين آفيدتش  فى روايته «مخاوفى السبعة» عن حرب البوسنة، والحصار الذى تعرضت له سراييفو، والصراعات الدائرة فى فلك الحرب والعدوان سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية.
يشير آفيدتش فى روايته -التى نشرتها دار العربى للنشر والتوزيع فى القاهرة 2015 بترجمة محمد أسامة- إلى اختفاء الناس أثناء الحرب، وعدم ملاحظة ذلك بداية وكأن الأمر طبيعى فى زحمة الاختفاءات المتكررة، حيث يختفى كل شىء، من البشر والأشياء والعادات والتقاليد.
ويمنح آفيدتش راوية فرصة التعبير عن ذاته وواقعه، إذ تعكس حالته واقع البلاد الخارجة لتوها من آتون الحرب، ويصف الرغبة التى كانت تجتاح الكل، وهى رغبة الإفصاح عن آرائهم، فلا أحد يطيق آراء الآخرين، وأصبح إلغاء الآخر وتهميشه من العادات الجديدة التى دخلت عالم المدينة أثناء الحرب. 
مخاطر ومخاوف
يتوجه الروائى على لسان راويه إلى القارئ بطريقة مباشرة، قائلا إنه سينقل ما يرد فى مفكرة أحدهم وسيقدم اعترافاته، ويعترف أنه يعرف نفسه بأنه خبيث وبائس وأنانى وجبان، تماما كأى بطل عصرى.
«بطل الرواية يقرّ بعثوره فى مفكرة قديمة له على قائمة بمخاوفه القديمة، ويدونها لأنه قرأ ذات مرة مقولة لأحد علماء النفس ينبه إلى كون أهم خطوات محاربة المخاوف هى الاعتراف بوجودها».
تؤرخ اليوميات -التى يتكئ عليها آفيدتش فى نسج روايته- لعام 1993، يحكى فيها صاحبها عن يومياته مع عمال المناجم، ومشاركته لهم فى عمليات الحفر والتنقيب، والمخاطر التى يتعرضون لها والمخاوف التى تثيرها، وكيف أنهم كانوا يتكاتفون معا أكثر من غيرهم من أصحاب المهن الأخرى. ويورد حادثة غريبة يقول إنها تستحق الكتابة والبوح، وهى لقاؤه بشبح غريب.
توثق اليوميات مواقف من حياة الصحافى أليكسا، وكيف أن تقاريره الصحافية التى كان يعدّها عن أناس مبدعين تراجعت فى ذروة الحرب، فقد تم إعداد جدول برامج يلائم الأوضاع بسبب قدوم اللاجئين إلى المدينة، ووحدها التقارير الميدانية كانت تذاع، وشهادات عن الجرائم، وتنبيهات تخص العجز فى الماء والكهرباء. لم تكن هناك حتى تقارير عن الطقس، حيث لم تعد هناك مساحة لقصص الأشخاص العاديين، حيث ما عاد هناك أشخاص عاديون.
ويعترف بطل الرواية بعثوره فى مفكرة قديمة له على قائمة بمخاوفه القديمة، ويدونها لأنه قرأ ذات مرة مقولة لأحد علماء النفس ينبه إلى كون أهم خطوات محاربة المخاوف هى الاعتراف بوجودها، وتتضمن قائمته مخاوف سبعة، وهى الخوف من الموت، والمرض، والفقر، والزواحف، ومساحات الماء الواسعة، والارتفاعات، والخوف من أن يدفن حيا.
يقر أنه كان قد عالج جميع مخاوفه ما عدا خوفه من الدفن حيا، ثم يضيف خوفا جديدا إلى قائمته، وهو الخوف من الوحدة. يشير إلى شعوره المتعاظم بالخوف، ويجد أن عالم النفس كان مخطئا، وأن المخاوف كمصاصى الدماء، تظهر عندما تكثر من الحديث عنها.
الكل مذنب
يسجل آفيدتش يوميات الحرب وأفكار الناس السريعة وجملهم الخاطفة، كقول بعضهم إنه لم تكن هناك أماكن مبيت كافية أثناء الحرب، وقول آخر إن الكل مذنب ولا أحد بريء، وقول ثالث إنه تقع العديد من الحوادث ومن الصعب تركيز الانتباه على أمر واحد فقط. ثم قول آخر إن العالم يعيد تنظيم نفسه ويعود كل شىء كما كان. ويصف تغير عادات الناس، كجلوسهم أمام الردهات إما خوفا وإما رغبة فى الاطمئنان على بعضهم بعضا، ويتساءل إن كانت تلك العادات ستنتهى مع حلول السلام.
«آفيدتش يؤكد أن شر الحروب نابع من الإذلال، والإذلال هو ما يفعله الخائفون بالآخرين، ويصرح بأنه لم يعد لديه أى سبب للخوف، فعندما يصل الشخص إلى القاع، لا يبقى مجال إلا للارتداد ثانية»
يعود الراوى فى النهاية لوضع قائمة بمخاوف جديدة، تتضمن الخوف من: المرايا، والمنازل الفارغة، ومِيتة مخزية، والأشياء الهائلة الحجم، والغابات الشاسعة، والجنون، والخوف من الوحدة والظلام. ويثبت فى النهاية أنه كانت هناك كمية هائلة من الخوف تكفى مئات الأعمار، وأن كل ما فى الحياة يمكن اختزاله، بصورة ما، إلى الحب والخوف. ويجد أن الشرور كلها تصدر عن الخوف، فالحروب تندلع من الخوف.
يحاول الراوى الذى يشعر بالانفصام والانشطار، إعادة ترتيب نفسه والاندماج فى المجتمع من جديد. يسعى إلى التصالح مع واقعه الجديد، ورحيل زوجته، وتقبل الدمار المحيط به. يقول إن قرينه يتخذ القرارات بدلا منه، وإنه إذا ما أخطأ فى فعل شىء، أو أفسد الإيقاع أو قاوم تكرار حركة، يبدأ يعوى بداخله، وتنشط داخل جمجمته ريح ساخنة مفعمة بالرمال الحادة، وتمتلئ عينه بالدموع إذا ما استشعر سعادته من ضحكة راضية يطلقها بطريقته الخليعة.