الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د. سعد الدين الهلالى لـ«روز اليوسف»: فصل الدين عن الدولة اتجاه قرآنى وليس علمانياً

د. سعد الدين الهلالى لـ«روز اليوسف»: فصل الدين عن الدولة اتجاه قرآنى وليس علمانياً
د. سعد الدين الهلالى لـ«روز اليوسف»: فصل الدين عن الدولة اتجاه قرآنى وليس علمانياً




حوار - هبة محمد


تزامنا مع الاحتفال بأعيادهم، تطل علينا فتاوى شيوخ السلفية بوجهها القبيح، لتحرم علينا تهنئتهم، حتى أصبح الأمر عادة سنوية تتجلى فى كل عيد، وأمام شيوخ الظلام وتيارات التشدد يوجد علماء يقفون كالحراس على بوابة الوسطية الدينية، والدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أحد العلماء الذين خاضوا  معارك كثيرة ضد أصحاب الأفكار المتطرفة، ورغم أنه لا ينصب نفسه متحدثا رسميا باسم الدين، إلا أن الغالبية تراه الأمين على خزائن الفقة الإسلامى، حيث يعرض للناس جميع الأراء الفقية ويترك حرية الإختيار لهم دون وصاية، وفى السطور التالية تحدثنا معه عن كثير من القضايا المطروحة حاليا على الساحة، كمسألة تجديد الخطاب الدينى، وفوضى الفتاوى، وقضية فصل الدين عن الدولة وإلى نص الحوار.


■ تجديد الخطاب الدينى مطلب يتكرر بين الحين والآخر لكننا لم نر له خطوات فعلية على أرض الواقع حتى الآن.. ما السبب؟
- لأن الموضوع ليس يسيرا، ويحتاج إلى جرأة وشجاعة حتى يتم اقتلاعه من جذوره، فالسلفيون والإخوان سيطروا على الشارع، ويقومون بعملية غسيل مخ له، عن طريق تصدير خطاب دينى معين، جعلوا من خلاله المظهر أحد علامات الدين، لدرجة أن عمق الفكر أصبح سلفيا وإخوانيا بطبعه حتى دون الانتساب لهما تنظيميا.
■ كيف ذلك؟
- الأمثلة الحياتية كثيرة، فمثلا لو دخل مجموعة للصلاة داخل المسجد، بينهم أطباء ومهندسون وعمداء كليات فسوف يقدمون لإمامتهم صاحب الجلباب القصير، والذقن الكثيفة، المرتدى لـ«غطاء الرأس الخليجى» الذى لا يتناسب مع مجتمعنا حتى لو كان هذا الشخص حاصلا على الابتدائية، لأن مظهره السلفى أوحى لهم أنه أكثر تدينا وعلما، رغم أن الحقيقة غير ذلك، وبالمثل أيضا لو سألت أحدهم هل الإسلام دين ودولة أم دين فقط سيجيبك أن الإسلام دين ودولة كما يعتقد الإخوان الذين تسببوا فى هذا الخلط داخل عقول الشعب رغم أن الحقيقة التى وردت فى كتاب الله لا تقول هذا
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
أى أن الإخوان يكذبون الله حتى يحققون مصالحهم.
■ فلماذا إذا تتركهم الدولة يعبثون فى عقول البسطاء حتى اليوم بينما يقبع دعاة التجديد فى السجون؟
- إذا كنت تقصدين بدعاة التجديد الباحث إسلام البحيرى فإن مشكلته الحقيقية هو أنه استخدم ألفاظا قاسية وتعرض للأشخاص وليس للأفكار فقط، ومع ذلك فإن قضاياه التى تصدى لها فى برنامجه والتى تتعلق بإنقاذ الدين من تهم الإرهاب والعنف والتميز ضد المرأة وغير المسلمين ضرورية وملحة ولابد من الاستمرار فيها، أما السلفيون فهم مسنودون وهناك من يدفع لهم ويتسبب فى بقائهم على الساحة بكل هذه القوة.
■ لكن هناك أيضا علماء أزهر يستوفون كل شروط الإفتاء وحديثهم يحمل شططا وتشددا مثلهم مثل السلفيين؟
- الحقيقة أننى قمت بحل تلك المشكلة، ونزعت القدسية عن أى فتوى، فهى ليست حكم الله، وما هى إلا رأى يعبر عن صاحبه، والكارثة أن مشايخ هذا العصر ينسبون اجتهادهم للدين وليس لأنفسهم، ويمنحون لحديثهم العصمة، رغم أن الإمام الشافعى عندما أنجز مذهبه قال (قولى صواب يحتمل الخطأ) فلا يوجد متحدث رسمى باسم الدين.
■ لكن على من نعقد أملنا فى تجديد الخطاب الدينى وتنقيته من كل تلك الشوائب؟
- أنا أراهن على الشعب، وفاقد الأمل فى النخبة، لأنها مخترقة من الإخوان والسلفيين، منذ أكثر من 100 سنة وليس 80 كما يشاع، وتحديدا منذ 1912 حيث انشئت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، والتى أقامت بدورها مساجد لم تخضع لاشتراطات الأوقاف إلا من أجل قريب، وكنت أحد ضحاياها، حينما اقتربت منهم فى السبعينيات، فوجدتهم يؤذنون فى المساجد بطريقة تختلف عن باقى المشايخ، ويقولون حديثا يؤجج الغضب فى النفوس، فهم وحتى يومنا هذا يظنون أنهم مسلمون درجة أولى ومن يخالفهم مسلمون درجة ثانية.
■ بالعودة إلى رأيك فى نزع القدسية عن الفتاوى، وإعلاء قيمة حرية اختيار الناس على حساب ما اجتمع عليه العلماء، ألا تحدث تلك الطريقة بلبلة وفوضى فى المجتمع؟
- إطلاقا، فكل واحد دينه فى قلبه بينه وبين ربه، والرسول عليه الصلاة والسلام قال (استفت قلبك وإن أفتاك الناس) فما الضرر حينما أخذ بفتوى تناسبنى لا يأخذ بها غيرى لأنها لا تناسبه، وللعلم فإن الفوضى لا تأتى إلا من ازدواج القانون الذى يجامل ناس ويطبق على غيرهم، وللأسف فإن الجماعات المتشددة لديها رغبة فى أن تصرفنا عن القانون الذى ستنظم سيادته حياتنا، كما أنهم حريصون على إقامة دولة داخل دولة، لكن مصر تحكم بالقانون وليس بالفتاوى.
■ على ذكر الفتاوى.. تتبنى رأياً فقهياً يقول إن كل من آمن بالله تحت أى ملة مسلم، بينما يستقر فى عقول الكثيرين تكفير الجميع معتمدين على ذلك على نصوص دينية فكيف ذلك؟
- وأنا أيضا أعتمد على أدلة من القرآن تقول إن كل من يؤمن بالله مسلم، فالله تعالى يقول فى كتابه
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
وفى وصية سيدنا إبراهيم لبنيه قال
{يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
أى أن لفظ الإسلام ذكر قبل بعث الرسول عليه الصلاة والسلام، وفى تفسير ابن صلاح وابن تيمية أن من يؤمن بالله فقد أسلم، أما من يؤمن بما أنزل الله فقد تحقق إيمانه واكتمل، أى أن من يؤمن ببعض ما أنزل الله فقد تحقق اسلامه ولكنه لم يكتمل، والغريب أنه بالرغم من أن ابن تيمية هو إمام السلفيين، إلا أنهم يغفلون هذا التفسير تماما من حديثهم ولا يذكرونه.
■ لكن البعض لايزال يحرم التعامل مع المسيحيين أو تهنئتهم فى أعيادهم؟
- تهنئة المسيحيين بعيدهم فعل إنسانى يماثل زيارة المريض، ولا يوجد فى القرآن الكريم ما يفيد نهى تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، والدليل أننا فى التشهد فى الصلاة نقول (اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم) وآل سيدنا إبراهيم هنا هم أتباع إبراهيم وموسى وعيسى، فنحن ندعو لهم فى الصلاة، فكيف يحرمون تهنئتهم؟!
■ هذا بالنسبة للأعياد الدينية ماذا عن شم النسيم وهو عيد دنيوى يحتفل به المصريون على اختلافهم بينما يوجد من المشايخ من يحرمه؟
- الاحتفال بشم النسيم مباح وليس به حرجا شرعيا طالما كان على سبيل المناسبة الاجتماعية، فالمسلم لم ينسبه إلى الأعياد الدينية أبدا، وجميعنا يعلم أن الأعياد الدينية اثنان (فطر وأضحى) هذا لا يتعارض أبدا مع أن نعيش طوال السنة فى احتفالات اجتماعية والأمر يسرى على أعياد الميلاد وأعياد الزواج أيضا، والمعترضون معظمهم يأتى اعتراضه بسبب ورود لفظ العيد، وفى حديث البخارى ومسلم عن ابن عباس قال (كان النبى يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشىء).
■ فى رأيك متى سيتم ذلك؟
- إذا تم تنظيف المجتمع من الأفكار السامة سينطلق المجتمع وسنتعالى نحن على طرح مثل تلك الأسئلة، ولن نسأل عن عقيدة أو دين، فالمجتمعات المتحضرة هى التى تعلى من قيمة المواطنة فقط، ولهذا نجحت التجربة الأوروبية، والدليل أن وجدى غنيم وعددا كبيرا من قيادات الإخوان هربوا للعيش فى أوروبا، رغم أنها بلاد الكفر بالنسبة لهم، ما يثبت أن ما تفعله تلك البلاد من جعلهم الدين لله والحياة للناس هو الأصح للحياة وليس شرعهم هم، وللعلم فإن فصل الدين عن الحياة اتجاه قرآنى وليس علمانى كما يزعمون.