الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى ذكرى النكبة: القاهرة تستقبل «سارتر» للمرة الثانية

فى ذكرى النكبة: القاهرة تستقبل «سارتر» للمرة الثانية
فى ذكرى النكبة: القاهرة تستقبل «سارتر» للمرة الثانية




كتب: إسلام أنور


عقد أتيليه القاهرة ندوة لمناقشة كتاب «تأملات فى المسألة اليهودية» للفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر وترجمه للعربية الشاعر والباحث د.حاتم الجوهرى للمرة الأولى هذا العام، وشارك فى الندوة بالإضافة لمترجم الكتاب كل من د.أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع المعروف بجامعة القاهرة، و د.أحمد حماد أستاذ الدراسات العبرية والإسرائيلية بجامعة عين شمس والخبير بمركز دراسات الشرق الأوسط بالجامعة، وأدار اللقاء الإعلامى محمد إسماعيل مدير إذاعة البرنامج الثقافى، وكان من المقرر مشاركة د.مصطفى النشار أستاذ الفلسفة الذى كتب مقدمة الكتاب إلا انه أصيب بضربة شمس حادة منعته من الحضور.
وجاءت الندوة بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية التى تأتى فى 15 مايو من كل عام وتواكب اليوم التالى لصدور وثيقة إعلان دولة «إسرائيل» عام 1948.
واستهل اللقاء الإعلامى محمد إسماعيل مشيدا بجهد المترجم فى نقل هذا السفر المهم للعربية بعد طول غياب؛ ليعطى الكلمة الافتتاحية فى الندوة لمترجم الكتاب د.حاتم الجوهرى، الذى أشار لأهمية تقديم الكتاب فى ذكرى النكبة الفلسطينية، وضرورة مراجعة العديد من «النصوص المؤسسة» فى العقلية الأوربية للموقف من الصهيونية وإعلان قيام دولة إسرائيل، وأشار إلى صدور الكتاب فى أواسط الأربعينيات فى القرن الماضى، أى قبل إعلان إقامة دولة «إسرائيل» بعدة سنوات قليلة، وقبل صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وأوضح أن أوربا نظرت للمسألة بشكل مغاير تماما لما نتخيله بما يستوجب علينا الوقوف على هذه النصوص التاريخية ونقدها وتقديم وجهة النظر العربية، فكان دعم الصهيونية فى أوربا وفى كتاب سارتر رد فعل تجاه ممارسات النازية تجاه اليهود! ووصل الأمر إلى اتهام من يرفض إقامة وطن لليهود فى فلسطين بمعاداة السامية والنازية! وقال إن غياب خطاب ثقافى عربى يقدم وجهة نظر متماسكة للغرب ويدافع عن الحقوق العربية مازال أزمة حتى الآن، وأنه قدم دراسة نقدية مصاحبة للكتاب بعنوان: «سارتر بين الصهيونية وسلب الحق الوجودى للفلسطينيين» تقوم على خطاب معرفى قادر على مواجهة الآخر الأوروبى ووضعه أمام مسئولياته، واعتمدت الدراسة على المراجع والمصادر العبرية والإنجليزية والعربية، مؤكدا فى نهاية حديثه على أهمية الصمود والحفاظ على ثوابت القضية العربية الفلسطينية فى فترة تاريخية حرجة يحاول فيها الطرف الصهيونى تصفية القضية.
ثم انتقلت الكلمة للدكتور أحمد زايد، الذى أشاد بالنموذج الثقافى الذى يقدمه حاتم الجوهرى كمثقف مبدع يكتب الشعر وباحث يكتب فى المجال العام ومترجم متمكن يملك أدواته، وأشار إلى أنه صحب الترجمة بهوامش وتعليقات شديدة الأهمية وضعت الموضوع فى سياقه التاريخى الأشمل، وأضاف د.أحمد زايد أنه سيقارب الكتاب وموضوعه من زاوية أخرى يمكن أن تكون إضافة للبناء عليها فى عرض وجهة النظر العربية فى المسألة؛ حيث أشار إلى نص أو فقرة داخل الكتاب يمكن اعتبارها مرجعية فى المساواة بين حقوق كافة الشعوب ومنها الحق العربى الفلسطينى بالطبع؛ واستشهد بمصطلح «الليبرالية الصلبة» الذى قدمه سارتر فى نهاية الكتاب، وبعد أن قدم كل خطابه الداعم والمتبنى لوجهة النظر اليهودية، وأشار د.زايد لمنهج سارتر فى تكوين وجهة نظره داخل الكتاب التى قامت على مجموعة من الاستطلاعات واللقاءات أجراها مع حوالى 100 شخص أوروبى، شكلت تصور سارتر الرئيسى للمسألة اليهودية، إلا أنه أشار لنص أو فقرة أخرى داخل الكتاب قد تكون هامشية فى بنيته وفرعية فى تشكيل رافده الأساسى، إلا أنها ذات دلالة.. وفى هذه الفقرة تطرق سارتر للوجود التاريخى لليهود فى فلسطين، وأشار للمشكلات والتداخلات الدينية والعرقية والسياسية فى المسألة، ليكون مجمل رأيه التاريخى هنا فى غير صالح اليهود. وختم د.زايد حديثه بالتأكيد على فكرة «الليبرالية الصلبة» التى يطرحها سارتر، باعتبارها أساسا يمكن الانطلاق منه.
ثم تحدث د. أحمد حماد؛ الذى وضع مقاربة سارتر للمسألة اليهودية فى سياق العلاقة الجدلية بين أوروبا المسيحية وبين سكانها من اليهود فى أدوارها المختلفة، ما بين الاضطهاد ثم الشعور بالذنب إزاء هذا الاضطهاد، بما يمكن معه تفسير نظرية سارتر وأطروحته فى المسالة اليهودية التى تقوم على اعتبار أن اليهودية هى موقف يخلقه العالم/الآخر لليهودى، واعتبار أن اليهودى لا ذنب له فيما يتعرض له سوى أن العالم يريد أن يعامله كذلك! وأفاض د.حماد فى الحديث عن الحركة الصهيونية وتنوعها الشديد الذى يجعلنا بصدد ما يمكن تسميته بصهيونيات متعددة وليس حركة صهيونية واحدة، وفى سياق النكبة الفلسطينية قال د.أحمد حماد إنه كان هناك تيار صهيونى يدعو لفكرة «صهيونية روحية» بقياده المفكر اليهودى «أحاد هاعام» الذى كان يدعو لوجود «مركز روحى» فقط لليهود فى فلسطين.. وأشار إلى أثر ذلك فى العلاقة بين اليهود والعرب لو كانت السيادة قد استقرت لذلك التيار. يذكر أن سارتر كان قد جاء إلى مصر فى زيارة شهيرة فى أواخر ستينيات القرن الماضى؛ وصاحب هذه الزيارة زخمًا إعلاميًا شديدًا حيث كان سارتر فى أوج شهرته حينها، وكانت الفلسفة الوجودية لها من السطوة الكثير فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.