الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«أحفاد محفوظ»..

«أحفاد محفوظ»..
«أحفاد محفوظ»..




كتب: إسلام أنور


يحلل الناقد الدكتور صلاح فضل فى كتابه الجديد «أحفاد محفوظ» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ما يزيد على 60 عملا روائيا لما يقرب من 50 كاتبا صدرت أعمالهم خلال السنوات العشر الأخيرة، ليواصل الحلقة الأحدث من مشروع نقدى ضخم سعى به إلى مواكبة الإبداع السردى المتدفق من المحيط إلى الخليج، كان قد بدأه بكتاب «أساليب السرد فى الرواية العربية»، ثم «سرديات القرن الجديد».
يشير الكاتب إلى أن نجيب محفوظ المولد عام 1911 أسس لجيل وتيار مميز فى الرواية المصرية والعربية، وتدفق إنتاجه بغزارة فى عقود منتصف القرن منذ الأربعينيات وتلاه بعد ذلك الجيل الثانى الذى عرف بجيل الستينيات الذى شغل الفضاء الإبداعى فى العقود الأخيرة من القرن، أما الجيل الثالث - وهم الأحفاد الذين يعنيهم الكتاب - فقد بدأوا النشر فى التسعينيات وتتراوح أعمارهم بين الثلاثين حتى الخمسينيات.
لقد رسم المؤلف بقلمه صورة تعكس ملامحها وخطوطها العريضة نظرته ورؤيته لمختارات من الأعمال الأدبية لجيل من الرواة جمع بينهم هذا العمل تحت عنوان: أحفاد محفوظ، باعتبارهم أحفاده من التناسل الأدبى لاختزانهم تجربته التقنية وتجربة كبار الكتّاب أيضًا.
والكتاب يعدّ إطلالة كاشفة وقراءة نقدية يرصد تجارب متعددة ورؤى متباينة ومدارس شتى.. بعضها ينحو للرمزية، وبعضها يجنح للخيال، وثالث عمل توثيقى وتاريخى، منها ما يعبر عن تجارب شخصية، ومنها ما يحاكى واقع الحياة الاجتماعية، وما تحفل به من نماذج بشرية متعددة، وما تموج به نفوسهم من تناقضات وصراعات وتكالب على الحياة، وما تعتمل به من خير وشر، وحب وحقد، وتقوى وفجور.
إذا كان المؤلف قد وضع أعمال هؤلاء الرواة تحت مجهر النقد الأدبى فإنه لم يصادر على رأى القارئ، وإنما ترك له الباب مواربًا، ليطلق له العنان ليرصد من بين السطور فكر هؤلاء الأحفاد وميولهم، ويتعرف على البيئة التى شكلت رؤاهم، ويتبين مدى نضج وثراء تجربة الأحفاد وما تزخر به من دلالات.
كما يعرض هؤلاء الأحفاد على ميزان القيم الذى لا يكذب ولا يتجمل ليتبين الغث من السمين، وما يسمو بذوقه وما ينحدر بفكره ليحكم لهم أو عليهم.
وكشف د. فضل أن العنوان «أحفاد محفوظ» استوحاه من كتاب الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى «أحفاد شوقي» قائلا «ليس محفوظ بأقل من شوقى فى كثرة النسل وخصوبته، ولما كنت قد نشرت من قبل كتابات نظرية عديدة عن مفهوم الأجيال وتحقيبها، أى توزيعها على حقب زمنية فإن بوسعى تبرير ذلك جيدا وإقناع الناشر والقارئ أيضا به.
ويتوقف الكاتب عند أهم الظواهر اللافتة فى إبداع هذا الجيل من أحفاد نجيب محفوظ، ويسجلها فى ثلاثة نقاط: أولا مضى هذا الجيل بالرواية العربية إلى آفاق رحبة من التطور والخصوبة والثراء، حافظوا فى الأغلب الأعم على الإطار السردى المستوعب للأشكال المستقرة والتقنيات الناضجة، وأطلق عليه هنا «الإطار الكلي» بدلا من التسميات المجحفة مثل التقليدى والكلاسيكى، لأنه لا يقف فى صلاحيته عند زمن معين أو مدرسة محدودة مثل الواقعية أو غيرها، وهو متجدد متنوع يتسع لأنواع محدودة من التجريب المحسوب، وهو ما يشيع ما يطلق عليه «جماليات التوافق» التى تمتع الذوق العام للقراء، وتستجيب لتوقعاتهم من ناحية، ثم تمضى برفق لتنمية حساسيتهم تجاه الفتوح الجديدة الماكرة المستساغة من ناحية أخرى دون أن تصدمهم بعنف.
ثانيا: تفرد من أبناء هذا الجيل عدد من الكتاب الذين يتقنون فى الأغلب لغة أجنبية عالمية ويترجمون بها ويطلعون عبرها على التيارات الحداثية والتجريبية والطليعية فى الرواية، فاستهواهم النوع الثانى من الإبداع الذى يشبع ما يسمى بـ«جماليات التخالف» أى تلك التى تسعى إلى توظيف تقنيات غير معهودة صادمة لعامة القراء، لكنها مثيرة للتأمل لدى المثقفين المتخصصين والمستعدين بفطرتهم للتجريب، وفى مقدمة هؤلاء يقف الثلاثى الجميل طارق إمام وأحمد عبدالله وياسر عبدالحافظ، بجرأتهم المدهشة وإنجازاتهم اللافتة التى أخذت حظها من التقدير والنقد العنيف أحيانا على صفحات هذا الكتاب. ثالثا: أما الظاهرة اللافتة الثالثة فهى بروز عدد من شباب الكاتبات ـ وكلهن شباب بطبيعة الأمر ـ اللاتى تجاوزن القضايا النسوية التقليدية فى كتابتهن وتقدمن ليحكين قصة العالم من منظورهن وبلغتهن، طامحات إلى أن يشكلن هذه الرؤية بغض النظر عن اختلافهن النوعى بطريقة مساوية ومنافسة ومتكافئة تماما مع منظور الرجال الملتبسين بحلات البطريركية المزمنة، ولعل كتابات منصورة عز الدين ومى خالد وهالة البدرى وأمل عفيفى أن تكون نموذجا لهذا التيار.
من الأعمال التى يتناولها فضل للكاتب الروائى محمد المنسى قنديل «يوم غائم فى البر الغربي»، و«أنا عشقت»، و«كتيبة سوداء»، وللكاتب د. عمار على حسن «شجرة العابد» و«وردة التحرير»، وللكاتب وجدى الكومى «الموت يشربها سادة» و«خنادق العذراوات»، ورواية «هدوء القتلة» لطارق إمام، و«خمارة المعبد» لبهاء عبدالمجيد، و«كتاب الأمان» لياسر عبدالحافظ وغيرهم.