الأنبا يؤانس
عبد الله كمال
كنت، قبل تسع سنوات تقريبًا، أكتب وأقدم فيلمًا وثائقيا تنتجه شركة (فيديو كايرو) لإحدي المحطات الأجنبية عن حياة الرهبنة في الكنيسة، قابلت رموزًا قبطية كثيرة من داخل وخارج الكنيسة.. علي رأسهم بالطبع قداسة البابا شنودة.. الذي حاورته أمام باب قلايته في دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون.. وأتيحت لي الفرصة لكي أصور مشاهد مختلفة من قلب الدير.. وبما فيها ما يعبر عن تحوله إلي مؤسسة اقتصادية ضخمة.. خلف الأسوار العالية.
أذكر جيدًا ثلاثة أمور في هذا الفيلم.. الأول أنني صورت رهبانًا بملابس زرقاء باعتبارهم مبتدئين في مرحلة الاختبار.. ورهبانًا بملابس بيضاء قبل أن تتم رسامتهم.. وقابلت أيضًا راهبًا تم إبعاده من ديره في المنيا.. كان طبيبًا ودخل في صراع مع زملائه الرهبان.. انتهي بطرده.. وعاد ليعيش في بيته في العمرانية حيث حول مكانًا في شقته إلي مذبح يصلي عنده.. وظل يطالب بماله من مدخرات لم يعد بها من الدير.. قدرها بمائة ألف جنيه.
وقابلت كذلك طبيبًا آخر، مثيرًا للجدل من وقتها، علي هدوئه وحنكته، وقربه المتواصل من قداسة البابا، إنه الأنبا يؤانس سكرتير البابا حتي اليوم والأسقف العام.
تلك هي المقابلة الوحيدة لي تقريبًا مع هذا الأسقف الذي دخل اسمه في تقولات وأقاويل كثيرة خلال الأيام القليلة الماضية.. وإن ظللت أتابع أخباره طيلة تلك السنوات، خاصة أنه أصبح واحدًا من نجوم الكنيسة الذي يتوقع له البعض مستقبلاً كنسيا أكبر.. وصل حد توقع أن يكون بطريركًا.. لا أعرف كيف إذا كانت طريقة اختيار الأسقف تعتمد بالأساس علي قرعة سرية يعتقد الأقباط أن يد الله تتدخل في الاختيار من بين أوراقها.
انطباعي عنه أنه هادئ ومحنك، وصاحب عقلية رزينة، الصحيح بالطبع أنني لا أعرف له إنتاجًا روحيا يمكن أن أقارنه بإنتاج الأنبا موسي أسقف الشباب وهو طبيب آخر.. وإن كان من جيل أكبر.. لكن معلوماتي عن الأنبا يؤانس أنه قادر علي التواصل وفض الاشتباكات.. وبناء الجسور.. مع الإقرار بأن ولاءه الأول والأخير للكنيسة.. وللبطريرك الذي جاء به إلي مكتبه من دير الأنبا بولا في البحر الأحمر.
ولا أنسي هنا بالطبع أن عظته في كنيسة الزيتون تحظي بجماهيرية كبيرة.. وتنقلها قنوات قبطية متعددة.
سافر الأنبا يؤانس إلي الولايات المتحدة بتكليف من قداسة البابا قبل زيارة الرئيس إلي الولايات المتحدة.. وكان له تأثير ملموس علي إجلاء حقائق الصورة في مصر للمجتمع القبطي.. بعيدًا عن تشويهات عدد من أقباط المهجر.. وفيما يبدو فإنه كان يؤثر أيضًا علي المتظاهرين المعارضين الذين تجمعوا قرب البيت الأبيض.. وكانت تصلهم توجيهات منه أو لنقل نصائح بأن يتوقفوا عن الشتم أو يمتنعوا عنه.
هذه مغامرة بالتأكيد، ضحي فيها الأنبا يؤانس بالكثير.. لأن القاعدة تقول إن من يستطيع أن يهدئ يمكنه أيضًا أن يثير ولو سكوتًا.. فضلاً عن أنه غامر بمكانته بين بعض الأقباط المتشددين الذين يزايد عليهم ــ للمفارقة ــ زملاء له في مكتب قداسة البابا معروفون بنوع من العصبية.. ومنهم الأنبا أرميا.. فضلاً عن الأنبا بيشوي.. وهو ليس في مكتب البابا.. وقد كان يؤانس من بين الحضور في اجتماع الرئيس مع 24 آخرين من أبناء الجالية المصرية في الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي.
ولابد أن حضوره هذا الاجتماع قد أحدث تأثيرًا ما من بين مجايليه ومنافسيه.. ولذا لم أندهش من حجم التعليقات الساخنة معه أو ضده علي موقع روزا أون لاين حين نشرنا أن هناك منشورًا سريا غامضًا في الكنيسة يرشح يؤانس لأن يكون بطريركا قادمًا للكنيسة.. فالكل يعرف الآن أن حول البابا أسماء وأصواتا بينها جدل كبير ولا أريد أن أقول صراع.
البابا بنوع من الحكمة المعروفة عنه اصطحب يؤانس إلي اجازته في الإسكندرية كما قالت روزا في خبر نشرته بالأمس.. ربما لكي يحميه من هجوم طاحن ضده.. ولكي يعلن أنه لم يرفع الغطاء عنه كما حاولت بعض الأطراف أن تدفع إلي ذلك.
في كل الأحوال يمثل يؤانس جسرًا للتفاهم والحوار.. وهذا هو المقوم الأساسي في المصداقية التي يتمتع بها.. إذ لا ينبغي فقط أن تكون لك مكانة قوية في المجتمع المسيحي عمومًا والكنسي خصوصاً.. وإنما أيضًا في المجتمع كله.. ولا أعتقد أن كثيرين غيره يتمتعون بتلك المواصفات.
الموقع الإليكتروني: ten.lamakba.www
البريد الإليكتروني: [email protected]