الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«باخوميوس» فى ورطة بـ«قنا»

«باخوميوس» فى ورطة بـ«قنا»
«باخوميوس» فى ورطة بـ«قنا»




قنا ـ حسن الكومى

 

داخل قرية «فاو قبلى» بمركز دشنا وتحديدا على بعد 25 كيلو مترًا من مدينة قنا، يمكنك مشاهدة حلقة جديدة من مسلسل الإهمال الذى تشهده المناطق الأثرية بالمحافظة، حيث يقع فى وسط هذه القرية دير الراهب القبطى «باخوميوس» الذى تحول بفعل الإهمال والتراخى من قبل وزارة الآثار إلى سوق كبيرة للماشية والحمير، فضلا عن أن أهالى القرية يتخذون من ذلك المكان سوقا تجارية لهم يتوافدون عليها كل يوم جمعة لبيع الحمير والماشية التى تشاهدها دائما مربوطة فى أعمدة وبقايا أطلال الدير القديم، فى مشهد محزن يكشف عن مدى الإهمال والظلم الذى تتعرض له الآثار القبطية بالصعيد.
بداية يقول عاطف قناوى، باحث ومفتش آثار: «الدير كان  قديما عبارة عن كنيسة لها 3 أبواب وأرضية مبلطة بالحجر الجيرى، وبها سلم من الحجر الجيري، يوصل إلى شرفة الكنيسة، وبها عدد من الأروقة وصالة ومدخل وهيكل، وبها حجرات للراهب قلالى، إلا أنه تم هدمه فى عهد الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله».
ويشير عاطف إلى أن الأنبا باخوميوس، الراهب القبطى، هو  مؤسس هذا الدير فى القرن الرابع الميلادى، ولد بقرية القصر والصياد، عام 292 ميلادية، وكان أحد المجندين بالجيش الروماني، واعتنق المسيحية تاركًا عبادة الأوثان على أيدى الأنبا سرابيون، أسقف دندرة، وتتلمذ على يد الأنبا بلمون السائح، علاوة على أنه أسس جميع الأديرة الباخومية بمصر، ولقب بأبى الشراكة، لأنه أول من أدخل المعيشة المشتركة بالأديرة.
ويضيف الباحث ومفتش الآثار: إنه تم تحرير عشرات المحاضر ضد ما يحدث من تعديات على أرض الدير، ولم يتحرك أحد من المسئولين، مشيراً إلى أن هناك خفرًا يقومون بحراسة أرض الدير لحماية ما تبقى من أطلال موجودة بالمكان وحفاظا على المنطقة من السرقة والنهب وحتى لا تتعرض لأعمال حفر من قبل الأهالى الذين يظنون  أن المنطقة يوجد بها ذهب وآثار قديمة.
ويصف محمد مصطفى، باحث آثارى، ما حدث بالدير بـ«المهزلة»، متسائلا: كيف يتحول دير أثرى عريق تحمل أعمدته رسوما ونقوشا مهمة تحكى تاريخ حقب مهمة فى تاريخ مصر القبطى إلى مأوى للحيوانات والكلاب الضالة وسوق للماشية؟، مطالبا الباحثين والمهتمين بالآثار بضرورة رفع الوعى الأثرى لدى المواطنين ونشر حملات التوعية بالقرى والمدارس ووسائل الإعلام للحفاظ على المناطق الأثرية، مناشدا بضرورة تحرك وزارة الآثار لإنقاذ ذلك الدير ونقل السوق بعيدا عنه.
ويشاركه فى الرأى محمد الصاوى، كبير مفتشى الآثار بقنا، محملاً وزارة الآثار المسئولية عن تدهور وإهمال المواقع الأثرية بالمحافظة، منوها إلى أن قطاع الآثار الإسلامية والقبطية وما يحدث به من تخبط هو المسئول الأول عما يحدث من إهمال، موضحاً أن محافظة قنا تشمل 3 مناطق أثرية، منها: منطقة آثار نجع حمادى، التى تضم «مركز أبوتشت ـ فرشوط ـ نجع حمادى»، ومنطقة آثار قنا وتضم «بندر ومركز قنا، أما مراكز «قفط ـ قوص ـ نقادة» فتتبع منطقة آثار الأقصر، بينما مركز دشنا، الذى يقع به الدير الذى تحول لسوق ماشية ومركز الوقف لايتبعان أى منطقة.
ويستنكر الباحث تبرأ كل منطقة من المسئولية عن الإهمال، الأمر الذى أدى إلى وقوع المناطق الأثرية فريسة وضحية للإهمال والتسيب، وسط غياب تام لوزارة الآثار، حيث إنها لا تعلم شيئاً عما تعانيه تلك المناطق، ولم تكن الوزارة واحدة، بل إن كلية الآثار جامعة جنوب الوادى أيضا تكف مكتوفة الأيدي، ولم يتحرك لها ساكن نحو وقف تلك المهزلة، متسائلا: هل يعقل ما يحدث على أرض محافظة قنا؟، مطالبا بضرورة فتح تحقيق عاجل بشأن الإهمال الذى طال المناطق الأثرية بالمحافظة، وتقديم المتهاونين والمتخاذلين للتحقيق لأنهم  السبب فيما حدث.
ويشدد الصاوى على وزير الآثار بضرورة إعادة النظر فى جميع المناطق الأثرية بالصعيد وعلى رأسه قنا، والاهتمام بالخريطة السياحية بالوجه القبلى، الذى يسخر بالعديد  من المزارات السياحية المهمة التى تستطيع أن تنافس المزارات العالمية، ومنها الأديرة والكنائس والآثار القبطية والإسلامية والمصرية القديمة، بل وتدر دخلا طائلا للدولة.
أما عبدالهادى حسين، مزارع وأحد المواطنين بقرية فاوى قبلى، فيبرر موقف الأهالى بالقرية قائلا: إن تلك المنطقة هى المتنفس الوحيد لأبناء القرية يلتقون فيها يوم الجمعة من كل أسبوع، لعرض المواشى والحمير والماعز وغيرها، ويتبادلون أعمال التجارة فيما  بينهم، ولابد أن توفر الدولة أماكن بديلة اذ ما قررت نقل السوق، بحيث تكون قريبة للأهالى حتى لا تقضى على مصدر رزقهم الوحيد، منوها إلى أن الدير تم هدمه من قديم الأزل ولم يتبق منه إلا بعض الحطام الذى ليس له أدنى أهمية لأبناء القرية، لكن السوق مصدر رزقنا والمنفذ التجارى الوحيد الذى لا نستطيع الاستغناء عنه، ولن نتركه إلا على جثثنا.
من جانبه، طالب عدد من أقباط القرية من بينهم جرجس عازر، منسق اتحاد ماسبيرو، بالاهتمام بالآثار القبطية والحفاظ عليها وحمايتها من الإهمال، وضرورة توفير سوق بديل، لأهالى القرية قبل مطالبتهم بالإخلاء، مؤكدا ضرورة إعادة ترميم الدير وإحاطته بسور وتحويله إلى مزار سياحى يتعلم منه الأجيال.
بينما رفضت مطرانية دشنا التعليق على الموضوع خوفا من الدخول فى مشاكل طائفية، مطالبة الأجهزة التنفيذية بضرورة الحفاظ على المبانى والآثار المصرية.