شائعات شرطة المفطرين!
عبد الله كمال
كتب زميلي محمد حمدي في عموده (يوميات مواطن) منتقدًا ما نشر بشأن اعتقال 155 شخصًا في أسوان.. كما ذكرت بعض الصحف.. لأنهم جاهروا بالإفطار في رمضان.. وقد صنعت تلك الأخبار أجواءً هائلة من الشائعات التي تزعم أن عشرات ومئات غيرهم قد ألقي القبض عليهم.. وأنه في كل مرة كان بين هؤلاء أقباط.
ولست أعتقد أن تلك الأخبار صحيحة علي الاطلاق.. أو قل إنني أتمني ألا تكون كذلك.. حتي لو كانت الداخلية لم تنف الخبر.. فإنني لم أر أيا من هؤلاء المقبوض عليهم ـ كما تدعي بعض الصحف ـ قد خرج ليقول إنه ألقي القبض عليه.. وأنه عوقب.. وعلي الرغم من ذلك فإن عددًا لابأس به من رسائل أقباط المهجر وبعض الحقوقيين قد صنعت حالة من التصديق أحاطت بالخبر.. وبدأ الجميع يقول إن مصر قد تحولت.. وتعوق حرية الناس في أن يفعلوا ما يريدون.
فقهيا وشرعيا.. يقول النص الديني: (كل عمل ابن آدم له.. إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).. والمعني أنه أمر خفي يقع بين العبد وربه.. الصلاة يراها الناس.. والحج يعرفه الجميع.. والزكاة لو قام بها مؤمن يمكن أن تلمس أثرها ووقائعها.. إلا الصوم.. هو وحده الذي يمثل عملاً دينيا له طبيعة خاصة.
وفي القانون لا يوجد نص يعاقب علي المجاهرة بالإفطار.. وكما قال زميلي حمدي من قبل فإنه لا توجد شرطة من هذا النوع في مصر.. ولا توجد أي شرطة تراقب السلوك الشخصي الخاص للأفراد.. إلا إذا أضر بالمجتمع.
لكن الشائعات تضخمت جدًا.. وأصبح لها وقع مؤثر.. خاصة بين عدد كبير من الإخوة الأقباط.. وفيما مضي وحتي الآن يلتزم المصريون اجتماعيا نوعًا من اللياقة في التعامل مع أيام الصيام.. وكما يحترم المسلمون صيام الأقباط فإن الأقباط يحرصون علي عدم المجاهرة في الأماكن العامة بأنهم لا يمتنعون عن الطعام والشراب.. فدينهم لا يلزمهم بهذا.
وقد يكون لمثل تلك المشاعر التي فجرتها الشائعات ما يبررها.. إذ يسأل القبطي نفسه: ماذا أفعل حتي أثبت أنني مسيحي ومن حقي أن أفطر حين تقبض علي الشرطة لأنني جاهرت بالإفطار.. وهي مشاعر بنيت علي وهم.. وليس لها منطق.. فالكل يتناقل قصصًا عن أشخاص ألقي القبض عليهم وعن مواقع علي الإنترنت ذكرت وقائع.. وكل هذا لم يثبت اطلاقا.
المعني واضح.. ولكن ما أريد أن أقوله وأعتقد أنه درس جديد يضاف إلي مجموعة هائلة من الدروس التي تعلمنا إياها متغيرات هذه الأيام.. إن أي قصة تافهة لابد من التعامل معها فورًا.. ومن الواجب إعلاميا أن نتصدي لها.. قبل أن تكبر وتصبح شائعة.. ونفاجأ بأنها تحولت إلي مكون في صورة المجتمع السلبية في الداخل والخارج بينما هي بلا أساس.
لقد أصبح الأمر صعبا.. قدر هائل من الحواديت تتناثر يوميا في فضاء غير منظور.. ويؤثر في اتجاهات الناس.. ويخلق توترًا نفسيا.. ويطلق شائعات لا لزوم لها.. وفي هذه الحالة نحن أمام موضوع له أبعاد طائفية.. والأهم أنه يخلق حالة من الانطباع عن أن مصر قد تحولت إلي دولة دينية تحاسب الناس علي ما يفعلون بينهم وبين أنفسهم وتتدخل في كل خصوصياتهم.
وعلي قدر صعوبة الأمر فإن المعالجات لابد أن تكون دائمة ويقظة ومستمرة ـ أعرف أنه واجب مرهق ـ لكن لابد له أن يكون موجودًا ومتحققًا.. خاصة أن أكبر النار يمكن أن يأتي من مستصغر الشرر.. والكثيرون متربصون بالبلد.. ويريدون لها أي سوء.. ولو كان كلامًا فارغًا حول اعتقال من جهروا بالإفطار في رمضان.. في أسوان.. لاحظ في أسوان: أبعد مكان في مصر.. حتي لا يحاول أحد أن يبحث عن الحقيقة في مكان قريب.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]