الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شائعات شرطة المفطرين!




كتب زميلي محمد حمدي في عموده‮ (‬يوميات مواطن‮) ‬منتقدًا ما نشر بشأن اعتقال‮ ‬155‮ ‬شخصًا في أسوان‮.. ‬كما ذكرت بعض الصحف‮.. ‬لأنهم جاهروا بالإفطار في رمضان‮.. ‬وقد صنعت تلك الأخبار أجواءً‮ ‬هائلة من الشائعات التي تزعم أن عشرات ومئات‮ ‬غيرهم قد ألقي القبض عليهم‮.. ‬وأنه في كل مرة كان بين هؤلاء أقباط‮.‬

ولست أعتقد أن تلك الأخبار صحيحة علي الاطلاق‮.. ‬أو قل إنني أتمني ألا تكون كذلك‮.. ‬حتي لو كانت الداخلية لم تنف الخبر‮.. ‬فإنني لم أر أيا من هؤلاء المقبوض عليهم ـ كما تدعي بعض الصحف ـ قد خرج ليقول إنه ألقي القبض عليه‮.. ‬وأنه عوقب‮.. ‬وعلي الرغم من ذلك فإن عددًا لابأس به من رسائل أقباط المهجر وبعض الحقوقيين قد صنعت حالة من التصديق أحاطت بالخبر‮.. ‬وبدأ الجميع يقول إن مصر قد تحولت‮.. ‬وتعوق حرية الناس في أن يفعلوا ما يريدون‮.‬

فقهيا وشرعيا‮.. ‬يقول النص الديني‮: (‬كل عمل ابن آدم له‮.. ‬إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به‮).. ‬والمعني أنه أمر خفي يقع بين العبد وربه‮.. ‬الصلاة يراها الناس‮.. ‬والحج يعرفه الجميع‮.. ‬والزكاة لو قام بها مؤمن يمكن أن تلمس أثرها ووقائعها‮.. ‬إلا الصوم‮.. ‬هو وحده الذي يمثل عملاً‮ ‬دينيا له طبيعة خاصة‮.‬

وفي القانون لا يوجد نص يعاقب علي المجاهرة بالإفطار‮.. ‬وكما قال زميلي حمدي من قبل فإنه لا توجد شرطة من هذا النوع في مصر‮.. ‬ولا توجد أي شرطة تراقب السلوك الشخصي الخاص للأفراد‮.. ‬إلا إذا أضر بالمجتمع‮.‬

‮ ‬لكن الشائعات تضخمت جدًا‮.. ‬وأصبح لها وقع مؤثر‮.. ‬خاصة بين عدد كبير من الإخوة الأقباط‮.. ‬وفيما مضي وحتي الآن يلتزم المصريون اجتماعيا نوعًا من اللياقة في التعامل مع أيام الصيام‮.. ‬وكما يحترم المسلمون صيام الأقباط فإن الأقباط يحرصون علي عدم المجاهرة في الأماكن العامة بأنهم لا يمتنعون عن الطعام والشراب‮.. ‬فدينهم لا يلزمهم بهذا‮.‬

وقد يكون لمثل تلك المشاعر التي فجرتها الشائعات ما يبررها‮.. ‬إذ يسأل القبطي نفسه‮: ‬ماذا أفعل حتي أثبت أنني مسيحي ومن حقي أن أفطر حين تقبض علي الشرطة لأنني جاهرت بالإفطار‮.. ‬وهي مشاعر بنيت علي وهم‮.. ‬وليس لها منطق‮.. ‬فالكل يتناقل قصصًا عن أشخاص ألقي القبض عليهم وعن مواقع علي الإنترنت ذكرت وقائع‮.. ‬وكل هذا لم يثبت اطلاقا‮.‬

المعني واضح‮.. ‬ولكن ما أريد أن أقوله وأعتقد أنه درس جديد يضاف إلي مجموعة هائلة من الدروس التي تعلمنا إياها متغيرات هذه الأيام‮.. ‬إن أي قصة تافهة لابد من التعامل معها فورًا‮.. ‬ومن الواجب إعلاميا أن نتصدي لها‮.. ‬قبل أن تكبر وتصبح شائعة‮.. ‬ونفاجأ بأنها تحولت إلي مكون في صورة المجتمع السلبية في الداخل والخارج بينما هي بلا أساس‮.‬

لقد أصبح الأمر صعبا‮.. ‬قدر هائل من الحواديت تتناثر يوميا في فضاء‮ ‬غير منظور‮.. ‬ويؤثر في اتجاهات الناس‮.. ‬ويخلق توترًا نفسيا‮.. ‬ويطلق شائعات لا لزوم لها‮.. ‬وفي هذه الحالة نحن أمام موضوع له أبعاد طائفية‮.. ‬والأهم أنه يخلق حالة من الانطباع عن أن مصر قد تحولت إلي دولة دينية تحاسب الناس علي ما يفعلون بينهم وبين أنفسهم وتتدخل في كل خصوصياتهم‮.‬

وعلي قدر صعوبة الأمر فإن المعالجات لابد أن تكون دائمة ويقظة ومستمرة ـ أعرف أنه واجب مرهق ـ لكن لابد له أن يكون موجودًا ومتحققًا‮.. ‬خاصة أن أكبر النار يمكن أن‮ ‬يأتي من مستصغر الشرر‮.. ‬والكثيرون متربصون بالبلد‮.. ‬ويريدون لها أي سوء‮.. ‬ولو كان كلامًا فارغًا حول اعتقال من جهروا بالإفطار في رمضان‮.. ‬في أسوان‮.. ‬لاحظ في أسوان‮: ‬أبعد مكان في مصر‮.. ‬حتي لا يحاول أحد أن يبحث عن الحقيقة في مكان قريب‮.‬

الموقع الإليكتروني‮:‬   www.abkamal.net

البريد الإليكتروني‮:‬    [email protected]