السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مائدة واحدة للمحبة» هوامش فى دفتر الوحدة

«مائدة واحدة للمحبة» هوامش فى دفتر الوحدة
«مائدة واحدة للمحبة» هوامش فى دفتر الوحدة




تب - إسلام أنور


الوحدة تدفع الإنسان لعوالم موازية وطرقات بعيدة تحاصره فيها الأحلام والأشباح والهواجس، وتتحول الحياة من متن إلى مجرد ظلال وهوامش.
الخذلان يجعل الإنسان زاهداً كلماته مبهمة ورؤيته للأشياء أكثر عمقاً لكنها مراوغة تخبرك كل شىء دون أن تقول أى شىء، وتصبح اللغة سلسلة من الرموز التى تحمل تأويلات متعددة وعليك أن تبحث فيها عن المعنى الأقرب للحقيقة.
الخوف من الفقد يجعل الإنسان يهرب لروحه ويحتمى داخله ويحن لوضعه الجنينى حيث كل شىء آمن ومطمأن.
الوحدة، والخذلان، والرمزية، واللغة الشاعرية، أربعة أعمدة رئيسية شيدت الكاتبة المصرية الشابة «أريج جمال» عليهم مجموعتها القصصية الأولى «مائدة واحدة للمحبة»، مستعينة بالعديد من الدعامات الحاضرة بقوة فى معظم قصص المجموعة كالوجه والعصافير والذاكرة والفقد.
تحتوى المجموعة على إحدى عشرة قصة هي: «حكايات اللوح الزجاجى الذى يطلع للبنت من المنام، الذين سلموا من كل شىء، المشد، مائدة واحدة للمحبة، يسوعنا، كما الفيلم، الأزرق إلى يجتبينا، فجائع النسيان، الضلع الناقص، لا تحب امرأة أسمها أريج، حكايتنا عن يوسف» تمارس الكاتبة حالة من الخداع والمراوغة مع القارئ فالعنوانين التى تبدو للوهلة الأولى بسيطة وحالمة، تحتوى قصصها على قدر كبير من الوحدة والألم والمشاعر المتباينة والتساؤلات الشائكة فمائدة المحبة لم تجمع أحدًا، ويسوعنا لم ينقذنا والذين ظنوا أنهم سلموا من كل شيء فى حقيقة الأمر خدعوا أنفسهم، مع هذه المشاعر المتباينة والمضطربة تتحول الكتابة لملاذ لصاحبها، وتصبح الكلمات رفاقنا فى الرحلة.
عبر قصص المجموعة تطرح الكاتبة أسئلة كثيرة منها علاقة الأنا بالآخر، الآخر الذى قد يكون نفسك التى لا تعرفها أو جسدك أو الشخص الذى ستتزوجه دون أن تعرفه وتحبه، وتتساءل عن علاقة الجسد بالرب، وتتساءل أيضاً عن الزمن وما تفعله بنا الأيام.
تتضمن قصص المجموعة العديد من الإحالات لكتاب وفنانين منهم المطربة الفرنسية إيديث بياف والفنانة داليلدا والكاتبة فرجينيا وولف وأنطوان دو سانت إكزوربى وآرثر رامبو وأنسى الحاج ومعظم هؤلاء تشاركوا فى الوحدة والألم، رغم إبداعهم وشهرتهم.
هذه الإحالات لم تكن عفوية فقصص المجموعة تسير فى خطوط متوازية مع هذه المصائر، إنها الحياة بضبابيتها ووجعها وأسئلتها الوجودية وتقلباتها الغرائبية، انه الحنين للبراءة الأولى البراءة التى نفقدها يوماً بعد الآخر حتى نصير أشخاصاً غيرنا.
ومن الأشياء المميزة فى المجموعة هذا البناء المغاير الذى اعتمدت عليه الكاتبة فهناك مزج بين أجناس مختلفة من الإبداع داخل النص الواحد ويبدوا هذا وضحاً بقوة فى واحدة من أجمل نصوص المجموعة وهو «فجائع النسيان» حيث تتداخل القصة القصيرة مع القصيدة النثرية مع المونولوج فى تناغم وبناء محكم.