الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وعادت الأشجار

وعادت الأشجار
وعادت الأشجار




كتب - على الشامى

يحكى أحد الجنرالات الصهاينة بعد هزيمة 67 أنه سأل أحد الأسرى - أثناء عملية استجوابه - عن أساليب تدريب الجيش فشرح الضابط الأسير - ولمدة ساعتين! - كيفية تدريب المجندين الجدد، وكيفية تعليم الضباط والجمع بين العمليات والمناورات، وعلى أن يبدو الأمر منطقيا وكاملا ولا تشوبه شائبة، وفجأة توقف العربى عن الحديث وهز كتفيه وقال: إن ذلك لم يكن سوى مجرد طلاء فى أغلب الأحيان. فتعجب الجنرال الصهيونى وسأل عما تعنى كلمة «الطلاء» هنا؟ فأخبره الاسير أنه يعنى بكلمته ذلك الطلاء المستعمل فى دهان البواخر القديمة التى أكلها الصدأ، حتى يعتقد الناس أنها جديدة وشرح له التأثير الكبير لذلك قائلا: بدلا من أن تقوم بالتدريب كنا نمطر قيادة الأركان العامة بوابل من التقارير عن سير العمليات وتطور التدريب ولكننا فى الواقع كنا لا نقوم بالعمل، فالأمر لم يكن سوى مجرد طلاء. فرد الصهيونى متعجبا: ولكنكم تعلمون أن الحرب قد تنشب بين يوم وآخر؟ فرد الأسير قائلا: نعم ولكن الحرب أمر مختلف!
إلى هنا ينتهى الحوار بين العربى المهزوم والصهيونى المغتصب، لكن صداه يظل يرن فى الآذان التى تسمع، آذان البشر وليست آذان النعام بالطبع، فنحن نمتلك قدرة غريبة على طلاء الواقع المهترىء وتحويله إلى شكل يبدو مناسبا أو جيدا، او لنقل مريحا، أما الحقيقة فإن السوس مازال ينخر حتى السقوط، نحترف الزيف لأقصى درجة.
أذكر أن سيئ الذكر غير المأسوف على خلعه حسنى مبارك قد قام بزيارة لتوشكى، وعلى طائرته سافرت أشجار وشتلات تم وضعها فى الارض ونزعها عند انتهاء التصوير، وعلى نفس الطائرة عادت الأشجار إلى القاهرة! ابتسم، فقد طلينا الحائط بدهان فخم مناسب مبتكر، فلنصطف جميعا جوار الجدار لأخذ صورة تذكارية، لا يهم أن بعض الاحجار قد بدأت فى السقوط فوق دماغنا، وأننا سنردم بعد دقائق تحت الجدار، لا يهم أبدا، المهم اللوحة التذكارية التى تحمل اسم السيد المحافظ الذى يرتدى نظارة الشمس والبدلة الفخمة، ويقف أمام الكاميرات ويقسم بالتلاتة «تحيا مصر» لا يهم الكيفية التى تحيا بها مصر، ولكنها ستحيا قطعا، هل أنت خائن لتكذب السيد المحافظ؟ إنت إخوان؟، اذا كانت الاجابة بنعم فليلتك سوداء، واذا كانت لا فهل صبّحت على مصر بخمسة جنيهات أو حتى بجنيه؟ جنيه لمصر وجنيه للمترو المتهالك، أو للاتوبيس المكتظ أم أنك إخوان؟ 
لا بأس من سندوتش فول بجنيه آخر، القمح من روسيا والزيت من إيطاليا والفول من الهند أو المريخ لا يهم، المهم أنك شبعت أو هكذا ظننت، أو هكذا ظننا جميعا، أو لنقل أن هذا ما نريد أن نظنه، وأن سقوط الطائرة الروسية لن يثنى روسيا عن إرسال القمح وصعق ريجينى - بطريقة أقسى من صعق مدام نادية الجندى فى مجموع أفلامها - لن يفت فى عضد الزيت الايطالى وأن الفراعنة طلعوا الفضاء وسكنوا المريخ فلابد للفضاء أن يرسل الفول... كل ذلك لا يهم، المهم أنك ساهمت ولو بجنيه فى ثمن الطلاء.