الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

علاء خالد: الكتابة فعل فارق فى حياتى.. والأدب إعادة تأصيل للوجود

علاء خالد: الكتابة فعل فارق فى حياتى.. والأدب إعادة تأصيل للوجود
علاء خالد: الكتابة فعل فارق فى حياتى.. والأدب إعادة تأصيل للوجود




حوار - إسلام أنور

 

الشاعر السكندرى علاء خالد واحد من أبرز شعراء قصيدة النثر، يملك علاء روحا شفافة وقلبا شغوفا بالحياة والبشر، لا يدعى علاء الحكمة ولا البطولة ولا اليقين فى كتاباته، بل على العكس ينحاز للشك والأسئلة والتفاصيل الصغيرة التى تسكن الهامش.
تنوعت أعمال علاء خالد المولود عام 1960 ما بين الشعر والرواية والصحافة الثقافية عبر مجلة «أمكنة»، هذه التجربة الفريدة التى أسسها مع زوجته المصورة سلوى رشاد، وصدر له العديد من الأعمال منها «الجسد عالق بمشيئة حبر»، و«تهب طقس الجسد إلى الرمز»،  و»حياة مبيتة»، و«خطوط»، و«المسافر»، و«طرف غائب يمكن أن يبعث الأمل»، و»كرسيان متقابلان»، و«تصبحين على خير»، و«ألم خفيف كريشة طائر تتنقل بهدوء من مكان لآخر»، و«وجوه سكندرية»، و«تحت شمس ذاكرة أخرى»، و«أكتب إليك من بلد بعيد».
خلال الفترة الماضية تعرض علاء خالد لتجربة مؤلمة وقاسية بسبب خطأ طبى كاد أن يودى بحياته، هذه التجربة شديدة الخصوصية والألم التى دونها فى كتابه «مسار الأزرق الحزين» وهو أقرب ما يكون لرحلة بعث جديد يعيد فيها تأمل العالم وخبراته الحياتية وترتيب أولويات حياته المقبلة.
عن الكتابة والذاكرة ومسيرته الإبداعية والبعث الجديد تحاور روزاليوسف الشاعر علاء خالد.
■ قلت فى كتابك «مسار الأزرق الحزين» أنك شعرت فى تجربة مرضك بأنك أحد جرحى المعارك القديمة واستحضرت أيضا صورة صلب المسيح تحديدا.. إلى أى مدى مثلت تجربة المرض مساحة للتطهر ومما تطهرت؟
- فكرة التطهر المقصودة فى الكتاب، هى التطهر والتخلص من الفكر الكلاسيكية أو النموذجية عن الموت، فالموت تجربة غير حميمة، لا توجد فيها علاقة ولا حوار، فأنت من تكمل الصوت الثانى بإرادتك، هذه التجربة غيرت  كل الفكر المسبقة التى صنعها الأدب أو الدين أو الثقافة عن الموت وكيف ستشاهد علامات محددة، وتسألك الملائكة، وتفتح لك جنة إلى آخره من هذه التصورات، لكنك فى الواقع تشعر بوجودك وحيدًا فى غرفة باردة.
ورغم مرارة هذه التجربة لكننى مدين لها، لأنها منحت للحياة معانى مهمة للغاية عن فكرة البعث والوجود وقيمة الحياة ومحبة الناس. الاقتراب من تجربة عميقة كالموت أو الخطر أو السجن، تختبر وجودك فى كونك أهل للعيش والحياة أم لا.
■ كل حدث فى المستشفى كان يستعدى فى ذاكرتك ذكرى من عالم الطفولة وكأن الزمن يعيد نفسه بصورة ما.. كيف تتأمل فكرة الزمن الدائري؟
- الزمن الدائرى كان خارج المستشفى، وحضور زمن الطفولة فى هذه اللحظات كان مربكاً للغاية، فلم أستدع وجودى أو علاقتى بالعائلة أو بيتنا، هذه المساحة من الحنين كانت غائبة، فلحظة الموت كانت أقوى بكثير من شاعرية الطفولة، فالحنين يحتاج طاقة تعيد تركيب وتكوين العالم من جديد ولم أكن أملك هذه المقدرة، والذكريات التى حضرت فى هذه اللحظات كانت متعلقة بالغياب وبصورة الأب والأم فى لحظات موتهم، وفى أطار الأزمنة المرتبطة بالانتهاء والغياب فكانت تأتى صورة مقبرة العائلة، وأشعر كأننى مستلق على الرمال وأحس ملمسها فى ظهرى.
■ تحدثت أيضاً عن الرعاية الفائقة التى حصلت عليها من ممرضتك عندما علمت بأنك أديب وقراءة كتابك «وجوه سكندرية».. إلى أى مدى يمكن للكتابة أن تغيرنا وهل عوضتك نبوة الأدب عن إخفاقات الحياة وضبابيتها؟
- بكل تأكيد الكتابة فعل فارق فى حياتي، لكن لا يوجد شىء قادر على تعويض الإنسان عن لحظات من الإحساس بالقلق والخوف والترقب والشعور بأن هناك ضغوطا تأتى من مكان أكبر منك، ففى كل لحظة كلنا مكشوفون بأشياء أخرى مثل الموت والمرض وهذه الأشياء تكسر العالم الخاص الذى تصنعه أيا كانت قوته وتربطك بشيء أكبر، ومع الوقت أدركت أن الحياة ليست غطاء يغطينا كلنا، فكل واحد منا له مكانه الذى يصنع فيه حياته، وهذا ما حدث مع الأدب، لقد منحنى الأدب طريقاً للدخول للحياة والشعور بالتحقق، وهو معنى أكبر من النجاح، فالنجاح كلمة نسبية وملتبسة لا تعلم هل هى مرتبطة بالكم والنجاح المادى والتجارى أم بالنجاح المعنوى أم بقدرتك على أن تكون ممثلاً لطبقة اجتماعية تتكلم عنها، فى حين أن معنى التحقق يظهر واضحاً أمامى وهو مرتبط بما تكتشفه داخل المهنة فكلما كانت لك اكتشافات وتجارب وخصوصية كلما شعرت بتحققى.
■ على الجانب لو تحدثنا عن الفشل ما توصيفك لهذا الكلمة وما أبرز اللحظات التى شعرت فيها بالفشل؟
- الفشل جزء من الرحلة، لحظات ثقيلة ومغلقة لا يوجد فيها حراك ولا أى استجابات من الوعى أو الكتابة أو الحياة، وعلى المستوى الشخصى توجد إخفاقات فى التكوين والتجربة، فالحياة عبارة عن مجموعة أفكار تراهن عليها، وطبعا ليست كل الأفكار صحيحة فهناك أفكار سوف تضعك فى أزمات تجاه نفسك مثلا ولكن على الجانب الآخر، هذه الأفكار صنعت لك حركة مثلا فى لحظة ما ستكون شخصية جذرية ترى المجتمع بشكل تنويري، وفى لحظة أخرى ستواجه صدمات كبرى تصل بك للحظة وقوف وتعطل، ففى لحظة ما ستشعر أن التراث عائق كبير أمام تحرر الإنسان، لكن هذه الفكرة تظل فى القشرة الخارجية للعقل، لأن وجودك مازال محصور فى جغرافيا المكان ومتصل بتراثك، أتذكر قبل دخولى عالم الكتابة وتحديدًا فترة العشرينات كنت أشعر بحالة من الإخفاق والضياع، ازداد هذا الشعور بعد إنهاء دراستى الجامعية ثم إتمام تجنيدى بالجيش، كنت أشعر بأن كيانى كله معطل، مشاعر كثيرة بداخلك، لكنها غير متضاربة، وطرق عديدة أمامك لكنها غير واضحة، كل شيء ضبابى وغائم، فأنا لست كاتباً أو كيمائياً ولا يوجد حتى علاقات اجتماعية، بالتأكيد كان فهناك أشخاص أحبهم ويحبوني، ولكنى أجهل أيضًا سبب تلك المحبة ومصدرها، هذه اللحظات لكى أتجاوزها كان لابد من قطع كل الخيوط العالقة بى والخروج خارج كل هذه الدوائر وإعادة اكتشاف ذاتى من جديد، والبحث عن فكرة جديدة ومعادلة مختلفة للحياة، تمنحه القدرة على الاستمرارية.
■ بعد هذه الرحلة الطويلة ماذا يعنى لك الأدب؟
- الأدب والكتابة إعادة تأصيل للوجود، هناك علاقة تولد مع الكتابة، تتحول فيها الكلمات لرموز تتواصل من خلالها مع الحياة، كأنك أوجدت صديقاً جيداً تخوضا رحلة الحياة معًا، وتدريجياً تصبح الكتابة هى الآخر بمعناها العام الذى يمنح للحياة الجدوى، فكلمة الآخر اعتبرها هدف لأى مسعى إنساني، فالأب صنع لى صداقات، وأصبح جزء من تواصل اجتماعى أكبر مع أشخاص لم أعرفهم، هذه الحالة التى صنعها الأدب.
■ أشرت للدور الكبير الذى لعبته زوجتك الفنانة التشكيلية والمصورة سلوى رشاد فى حياتك ما الذى  أعطاه علاء خالد لزوجته وكيف ترى دور المرأة فى مجتمعاتنا العربية؟
- بجانب فكرة الحب، فأنا أقدر دور الفن فى حياتها، وأشعر دائمًا بالمسؤولية الكبيرة التى تحملها تجاه عالمها وتجاهى وتجاه المجتمع، ربما أعطيتها «الآخر» والذى من خلاله يمكن اكتشاف النفس أو جزء هام منها، كما حدث معى، كان من الصعب التعرف على نقاط القوة فى نفسى بمعزل عنها.
بالنسبة لوضع المرأة فى مجتمعاتنا العربية. بشكل عام، تحمل  المرأة الحمل الأكبر، وكل امرأة أشعر أنها تحمل كيان أكبر من ذاتها، فالمرأة هى التمثل الحقيقى لفكرة الخلق والكون والحياة من وجهة نظرى وليس الرجل، فدور الرجل مجرد رمز للسلطة، أما المرأة فهى رمز الميلاد والبعث.