الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هموم عام دراسى جديد

هموم عام دراسى جديد
هموم عام دراسى جديد




كتب - أحمد عبده طرابيك

بدأ هذا الأسبوع عام دراسى جديد، ومع بداية هذا العام الدراسي، أو بالأحرى قبل بداية الدراسة الرسمية، بدأت معاناة الأسر المصرية، بكل ما فى الكلمة من معانى آلام ومكابدة، وذلك مع استقطاع ما يزيد على خمس عشرة مليار جنيه من ميزانية الأسر المصرية للإنفاق على الدروس الخصوصية، التى أصبحت عبئاً كبيراً يثقل كاهل الأسر المصرية بشكل خاص، والاقتصاد الوطنى بشكل عام، حيث لا توجد أسرة مصرية تقريبا ليس لديها أبناء فى أى من المراحل الدراسية المختلفة، ومن ثم تواجه كل الأسر تلك المعاناة، وتعيش عاماً جديداً من المشقة والحرمان والآلام.
أصبحت الأسرة المصرية تدفع ثمن الخدمة التعليمية مرتين، مرة بشكل رسمي، من خلال الرسوم المدرسية ومجموعات التقوية «الرسمية» أيضا، التى لا أهمية ولا لزوم لها سوى أن القائمين عليها وخاصة من القيادات العليا هم المستفيدون بشكل كبير منها، فقد كان من الأجدر أن يتم الاهتمام بشكل ومضمون العملية التعليمية التى سوف تغنى بلا أدنى شك عن كل تلك «المقويات» التى يرتب لها ويديرها من يستفيد منها، وهى فى الأصل دروس خصوصية بشكل مقنن لأن من ورائها عائدا مغريا للقيادات.
أما الثمن الآخر الذى تتكبده الأسرة المصرية مقابل توفير خدمة تعليمية لأبنائها فهو ثمن مكلف، ويفوق طاقة أغلب الأسر إن لم يكن جميعها، فهى «آفة» الدروس الخصوصية، والتى تجبر أغلب الأسر المصرية على استقطاع جزء كبير من دخلها المخصص للإنفاق على سلع وخدمات هى فى الأصل ضرورية، ولكن تنتزع الدروس الخصوصية تلك الصفة منها «الضرورية»، لأنها تخص الأبناء ومستقبلهم، أما السلع والخدمات الأخرى فيحرم الآباء والأمهات أنفسهم منها لوقت معين أو طول العمر مقابل تسديد فواتير تلك الخدمة التعليمية المدفوعة من قبل المواطنين، سواء من خلال الضرائب التى توجه لخزينة الدولة والتى بدورها تخصص ميزانية التعليم منها، أو مدفوعة إلى المدرسة بشكل مباشر.
خسائر تفشى ظاهرة الدروس الخصوصية لا تقتصر على الأسرة وحسب، بل يمتد تأثيرها على المجتمع بحكم تأثيرها الكبير على الاقتصاد بشكل عام، فما تستقطعه الأسر من انفاقها على سلع وخدمات يوثر على حركة دوران رأس المال فى قطاع الصناعة والتجارة الداخلية، حيث تؤدى تلك المبالغ المستقطعة والتى تقدر بنحو خمس عشرة مليار جنيه إلى ركود فى سلع وخدمات هامة فى مقدمتها الأغذية والمنسوجات، ومن ثم تتأثر تلك القطاعات وغيرها من القطاعات المرتبطة بها بشكل غير مباشر بحرمانها من تلك المبالغ الموجهة للدروس الخصوصية، والتى توجه لصالح عدد قليل يستفيد من تلك المبالغ ينفقها فى سلع وخدمات لا يعود نفعها على الاقتصاد الاجتماعى بشكل عام.
فى ظل الحالة الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصري، والذى انعكس بشكل كبير على كافة أبناء الشعب وخاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة فى المجتمع، والمتمثلة فى ارتفاع كبير فى أسعار جميع السلع والخدمات، وحالة التضخم الكبيرة نتيجة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري، فى هذه الظروف الصعبة، يتوجب على الحكومة بشكل عام ووزارة التربية والتعليم بشكل خاص، الإسراع للمساهمة فى تخفيف الأعباء عن الموطن المصرى من خلال إجراءات عملية لن نكون مبالغين إلى حد التفاؤل ونقول للقضاء على «آفة» الدروس الخصوصية، بل للحد منها بشكل يعيد للعملية التعليمية فى شكلها الرسمى «المتمثل فى المدرسة»، الحد الأدنى من المعايير التعليمية المتبعة فى النظم التعليمية فى الدول الأخرى وخاصة الدول الساعية للنهوض والتقدم كسنغافورة وماليزيا واندونيسيا.
تقديم منتج تعليمى جيد، من خلال المنظومة التعليمية الرسمية وفق معايير الجودة العالمية (لن نتحدث عن ترتيب مصر فى مقياس معايير جودة التعليم الدولية) ولكن ذلك المنتج التعليمى الذى نرجوه هو السبيل الوحيد لإعادة الثقة إلى المنتج التعليمى المصري، الذى يجب أن يلبى احتياجات سوق العمل من الكفاءات العلمية والفنية، ومن ثم الحد من البطالة المتفشية بين الشباب، وتحقيق الأهداف الاجتماعية المرجوة من ذلك المنتج التعليمي، وذلك عندما يرى الآباء ثمرة ما أنفقوه على تعليم أبنائهم، من خلال توفير فرصة عمل تتناسب مع مؤهلاتهم الدراسية والعلمية، بدلاً من رؤيتهم لأحلام وطموحات أبنائهم وهى تتبدد على المقاهى وفى الشوارع، وتكسر معها رؤيتهم لمستقبلهم ومستقبل وطنهم الذى يعول عليهم فى التقدم والرقى والازدهار.