السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«القصر الملكى».. حكاية تاريخ يتآكل فى البحيرة.. والفاعل «طب بيطرى» الإسكندرية

«القصر الملكى».. حكاية تاريخ يتآكل فى البحيرة.. والفاعل «طب بيطرى» الإسكندرية
«القصر الملكى».. حكاية تاريخ يتآكل فى البحيرة.. والفاعل «طب بيطرى» الإسكندرية




تحقيق -علاء الدين ظاهر

حبى الله مصر بالكثير من مقومات ومفردات التراث مما يميزها عن بقية دول العالم، وبدلا من سعينا للمحافظة على هذا التراث وصيانته، بات البعض يتفنن فى تشويهه وتدميره، ثم نأتى كعادتنا ولا ننتبه لهذا الخطأ الفادح وربما القاتل إلا بعد فوات الأوان، بعد أن يصبح هذا التراث مجرد أطلال لا يجدى معها التدخل بالترميم أو غيره نفعا، والأمثلة على ذلك كثيرة منها القصر الملكى بإدفينا فى البحيرة، حيث أنه منذ عشرات السنين تشغله كلية الطب البيطرى التابعة لجامعة الإسكندرية، نعم كلية طب مفترض أن مهمتها العلاج لكنها باتت مصدرا للمرض والهلاك للقصر التاريخي..السطور القادمه ترصد ما شاهدناه خلال زيارتنا للقصر.

لقد عرفت مصـر منذ تولـى محمد على باشا حكمها عام 1805 م / 1220هـ طرازا معماريا جديدا، ويعتبر هذا الطراز الجديد الوافد إليها بسبب ما شهدته مصر من جميع المناحى العلمية والحربية والأدبية والاقتصادية نهضة، أدت إلى انفتاح مصر على الغرب بصورة كبيرة خاصة إيطاليا وفرنسا وإنجلترا مما أدى إلى تأثرها بالطــرز المعمارية المنتشرة فى أوروبا فى ذلك الوقت، وهى طرز قد جمعت خليطا من العناصرالمعمارية من العمارة القديمة فى مختلف العصور.
وقد أدى هذا بطبيعة الحال تدريجيا إلى اندثــار المخططات المعمارية التقليدية فى عمارة القصور الإسلامية ليحل محلها مخططات جديدة بحيث شكلت طرازا معماريا وافدا، كما حدث من قبل فى عمارة المساجد الإسلامية التى تأثرت بالطراز المعمارى الوافد منذ الفتح العثماني. وقد ظهر هذا الأسلوب الوافد فــى قصور الأسرة المالكة فى القرنين التاسع عشر والعشرين بطفرة معمارية هائلة حيث تغير نظام العمارة فيها من مبان مشيدة على الطراز الإسلامى والعثمانى إلى منشآت تجمـع بين طرز وافدة، ومنها القصر الملكى بإدفينا.
 المفاجأة أن القصر حتى عام 2001 لم يكن مسجلا كأثر، حتى صدر قرار تسجيله رقم 233 لنفس العام، ونصت مادته الأولى على أنه يعتبر أثرا ويسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية القصر الملكى بإدفينا مركز رشيد بمحافظة البحيرة، ويقع القصر على الساحل الغربى لنهر النيل «فرع رشيد» شمال إدفينا مركز رشيد بمحافظة البحيرة، وقد بنى على ثلاثة مراحل وكانت الأولى فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى «8 جمادى الآخر 1309هـ - 3 صفر 1333هـ، 8 يناير 1892م - 19 ديسمبر 1914م»، والمرحلة الثانية فى عهد الملك أحمد فؤاد الأول «22 ذى الحجة 1335هـ - 7 صفر 1355هـ، 9 أكتوبر 1917م - 28 إبريل 1936م»، والثالثة فى عهد الملك فاروق «1355هـ - ذى القعدة 1371هـ، 29 يوليو 1937م - 26 يوليو 1952م».
ويتكون القصر الملكى بإدفينا من مبنى يتكون من ثلاثة أجنحة تأخذ حرف «L» اللاتينى محاطة بمجموعة من الأشجار النادرة والمتنزهات، ويشمل كل جناح ثلاثة طوابق، الأرضى «البدروم» يحتوى على العديد من الحجرات مختلفة المساحات وكانت مخصصة للمطابخ ومخازن المواد الغذائية الخاصة بالمطبخ وكمكان لسكن الخدم والمشرفين على القصر، والطابق الأول ويحتوى على العديد من الحجرات ويطلق عليه السلاملك وكان مخصصا للاستقبال والمكاتب الخاصة بالملك، أما الطابق الثانى فكان يطلق عليه الحرملك ويشمل العديد من الحجرات وكان مخصصا لإقامة الملك وأسرته.
وللقصر مدخل رئيس يقع بالجهة الغربية ويطل على طريق رشيد - دمنهور يؤدى إلى ممر طولى ينتهى فى الناحية الشرقية بمبانى القصر ومتنزهاتها، ومرسى نهرى يطل على شاطئ النيل «فرع رشيد» ويمتد بطول الواجهة الشرقية للقصر وله ثلاثة مداخل، والنافورة تقع إلى الشمال من جناح الملك فؤاد الأول وسط حدائق القصر، وتصميمها عبارة عن حوض مثمن الشكل يمثل سياجا يحيط بنافورة المياه التى تقوم على قاعدة مثمنة يقوم عليها بدن من عمود مثمن يعلوه رقبة مثمنة الشكل، يعلو ذلك بدن النافورة وهو من ثلاث حطات، أما المرسى النهرى فأنشئ مع بداية إنشاء القصر فى عصر الخديويا عباس حلمى الثانى، ويطل على شاطئ نهر النيل «فرع رشيد»، ويمتد بطول الواجهة الشرقية لجناح عباس حلمى الثانى.
 يجمع المؤرخون أن بناء القصر وما حوله استمر خمسة وأربعين عاما، وقد أقيمت بتفتيش القصر عدة مشاريع لتربية الأغنام والمواشى والألبان والنحل، وقد اشتراه الملك فؤاد الأول من الورثة بتسعة آلاف جنيه، وفى عام 1935 قام ببناء جناح من دورين، وفى عصر الملك فاروق قام بالتنازل عن القصر إلى وزارة الأوقاف الملكية بحكم وزارته بمليونى جنيه، وبعد ثورة يوليو 1952 تم تسليم القصر إلى وزارة الصحة.
وحاليا تشغله كلية الطب البيطرى بجامعة الإسكندرية، ويشغل بدروم جناح عباس حلمى مكاتب إدارية ومعامل، أما الدوران الأول والثانى فيشغلهما مكاتب لأمين الكلية والأساتذة، وبدروم جناح أحمد فؤاد الأول تشغله حجرات للغاز والكهرباء والمعامل، أما الدوران الأول والثانى فتستغل قاعات للمحاضرات ومكاتب للأساتذة، وبدروم جناح الملك فؤاد تشغله مكاتب ادارية والدور الأول يحوى مكتب عميد الكلية وسكرتارية وقاعة للاجتماعات، فى حين أن الحدائق المحيطة بالقصر تشغلها كافيتريات، وواجهات القصر بأجنحته الثلاثة يشغل بعضها أجهزة تكييف، أما الأرض الفضاء المحيطة بالقصر من الناحية الشمالية تشغلها مبان من الخرسانة المسلحة بنيت قبل تسجيل القصر.
توجهنا بالسؤال إلى محمد تهامى مدير عام آثار رشيد وسألناه عن الحالة التى عليها القصر حاليا والأضرار التى ألمت به، وقال لنا إنه كان هناك مشروع ترميم كان معدا للقصر، ساهم فيه مركز هندسة الآثار والبيئة بكلية هندسة جامعة القاهرة، وذلك بعمل الدراسات المعمارية والإنشائية والتربة والكهرباء والصرف، وتم توثيق هذا كله وكنا على وشك ترميم القصر لولا ما حدث فى 25 يناير2011 مما أدى لتوقف المشروع.
وتابع تهامى قائلا: لنا أن نتخيل أن قصرا بهذه الفخامة حجراته مستغلة كمعامل ومدرجات وإقامة للطلبة والإداريين، كما أن الشجر المعمر المستورد من الخارج يكاد يندثر، والفسيفساء التى تحيط بجناحى عباس حلمى وفاروق يتم تدميرها لأنها عرضة للمشى من جانب طلبة الكلية والعاملين، كذلك مرسى اليخوت الخاص بالقصر يكاد يكون الوحيد من نوعه على النيل، يتعرض للتدمير بشكل منظم نتيجة جلوس الطلبة عليه وجهلهم بقيمته التاريخية والأثرية.
الأضرار التى يتعرض لها القصر الأثرى لم تتوقف عند هذا الحد، حيث كشف لنا تهامى أن البدرومات فى الدور الأرضى تستخدم فى تخزين معدات ومواد قابلة للاشتعال فى أى وقت، كثيرا ما أخطرت عميد الكلية بضرورة عدم اساءة الاستخدام لكن دون جدوى، خاصة أنه يضعون فى البدروم أيضا محطة كهرباء وأرسلت لهم بأننى أحملهم المسئولية كاملة فى حالة حدوث حريق بالقصر لا قدر الله، كما تم تدمير الأرضيات من الباركيه بأجنحة القصر الثلاثة لعدم الصيانة الدورية، كذلك يتم استخدام دورات المياه القديمة ويتم صرف المخلفات عن طريق مواسير إنجليزية الصنع بطريقة همجية.
وتابع: كل هذه المشاكل أرصدها فى تقارير شهرية وأرسلها للسلطة المختصة ولا حياة لمن تنادى بحجة عدم وجود ميزانيات بالوزارة، وقد طلبنا توفير مكان للأثريين والمرممين بالقصر لإمكانية ترميم ما يمكن من عناصر فنية قبل اندثارها، إلا أن مسئولى الكلية رفضوا بحجة الدراسة والامتحانات والكنترول، كما طلبنا مرات عديدة بضرورة إخلاء القصر لإمكانية تحويله لمزار أو متحف قومى للبحيرة، خاصة أنه تم إنشاء فرع لكلية الطب البيطرى فى أبيس بالإسكندرية.
وأضاف: الكلية بدأت فى الإخلاء منذ فترة، وفى غضون 3 سنوات سيتم الإخلاء تماما، لكن هذا بعد ما يكون تم تدمير ما يمكن تدميره من مبانى القصر الذى لو تم استغلاله بحدائقه ومبانيه ووقوعه على النيل ومساحته الشاسعة وحدائقه كمتحف قومى لمحافظة البحيرة، وعرض ما هو مكدس بالمخازن من قطع أثرية خاصة بالمحافظة على مر العصور المختلفة سيدر دخلا رهيبا للدولة.