السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«سكة حديد» الفيوم أنشأها «إسماعيل» وأهملها المصريون




8 رحلات يومية تنطلق من محطة قطار الفيوم التى أنشأها الخديو إسماعيل فى عام 1866 ضمن شبكة سكك حديد مصر التى بدأ إنشاؤها عام 1854 من القاهرة انتهت بالفيوم ومد منها الخديو خطين داخليين يربطان مدينة الفيوم بمصنعى السكر الخاصين بالخديو بسنورس وأبوكساه وبعد توقف انتاجه تم تشغليهما لخدمة سكان تلك المناطق.. بعد حادث الناصرية فكرت فى القيام برحلة الى القاهرة بواسطة القطار رغم أنى لست من هواة السفر به غادرت منزلى متوجها الى المحطة العتيقة وبمجرد أن وطأت قدماى مدخلها شهدت مظاهر الإهمال والفوضى فى أبشع صورها حيث يفترش، الركاب الأرض لعدم وجود استراحات وبعضهم يمشى فوق القضبان كأنها كورنيش النيل.
 
أما القمامة والروائح الكريهة فحدث ولا حرج حيث تحاصرك من جميع الاتجاهات وكأنها قدر  مكتوب لا فكاك منه.
 
فى بداية الرحلة دخلت مكتب رئيس المحطة والذى استقبلنى بترحاب شديد وسألنى عن سبب ركوبى قطار الفيوم خاصة أن هذا القطار لا يستقلة سوى عمال ورش أبو راضى وقاطنى قرى العدوة والعامرية وسيلا والناصرية ومدينة الواسطى وغيرها من سكان ضواحى الجيزة أجبته أننى ذاهب إلى واجب عزاء بمدينة الواسطى وأن الذهاب لها عبر محافظة بنى سويف مثل العبور عن طريق رأس الرجاء الصالح . فى الواحدة تماما تركت حجرة ناظر المحطة متوجها الى القطار الذى لم يعد يتبقى على موعد انطلاقه سوى عشر دقائق . وفى طريقى سألنى شابان صغيران يضعان "مسدسات" فى ملابسهما أدركت أنهما من رجال مباحث النقل والمواصلات سألانى هل أنا من هيئة التفتيش على السكك الحديدية. فأجبت لهما بلا أنا مجرد راكب مثل باقى عباد الله الذين يستقلون القطارات وتركتهما مسرعا الى القطار خوفا من انطلاقه مما سيضطرنى للانتظار3 ساعات أخرى.
 
المهم جلست داخل إحدى العربات وسط طلاب جامعة الفيوم الذين تناقشت معهم وعلمت أنهم من أبناء مركز الواسطى ببنى سويف وأن القطار وسيلتهم الوحيدة التى تقلهم الى الجامعة وذهابا وايابا وعندما جاء موعد انطلاق القطار لم ينطلق.
 
 

كراسى القطار فارغة بعد أن هجرها الركاب
 
 
وسمعت حالة من الهرج والمرج داخل عربات القطار .فتركت مقعدى لاستطلع الأمر . فوجدت الطلاب يتجمهرون عندما علموا أن مولد الكهرباء "أو البطارية" قد ضعفت ولم تعد تستطيع العمل. فقام العمال بسحب أسلاك الشحن وجهاز "الطنجر" الى الجرار لشحن بطاريته، استمر هذا الوضع لمدة 80 دقيقة حيث طالب أحد الفنيين الركاب بالنزول من القطار رقم 147 وانتظار القطار رقم 142 الذى تأخر فى القاهرة وأن موعد وصول محطة الفيوم الثانية عشرة و30 دقيقة، حضر القطار فى الثانية و النصف وسط سخط الركاب، استقلبت القطار الجديد وكانت المفاجأة . انه رغم غيابى عنه لمدة 4 سنوات إلا أن الحال كما هو ومعاناة الركاب قد زادت والاهمال تفشى والأمن اختفى والتسيب بلغ مداه حيث انطلق القطار بعد موعده بساعتين، فعدت لاجلس فى احدى العربات بجوار أحد العاملين بهيئة قضايا الدولة والذى يستقل القطار يوميا من محطة الوسطى للفيوم والعودة، لحظات وجاءتنى طالبة تدعى أمل فارس من مدينة الواسطى ومعها ثلاث من زميلاتها يدرسن بكليتى الخدمة والزراعة يصببن اللعنات على القائمين على الأمن حيث إنها تعرضت للتحرش عندما حاول شاب الاحتكاك بها أثناء استقلالها عربة القطار وحكت زميلتها أسماء يسرى عن المعاكسات التى يتعرضن لها من شباب قرى العدوى وسيلا والعامرية وعن اختفاء رجال الشرطة السريين عن القطار و أشارت الى امراض البرد والصداع التى تصيبهن بسبب عدم وجود شبابيك مما يعرضهن لتيارات الهواء الى جانب المرتفعات والمنخفضات التى يسير فيها القطار .
 
انتقلت من مقعدى الى مقعد آخر وعلى أحد المقاعد كان يجلس محمد عبد الغنى موظف بالهيئة العامة للتنمية السياحية والذى علم بهويتى الصحفية.
 
فقال: يا أستاذ اكتب على مسئوليتى أنا "مبخفش" من أحد أن هذا القطار عايز تغيير شامل من الآلة حتى الأفراد فالجميع انتهى عمره الافتراضى فلم يعد القطار صالحا والأفراد لا يستطيعون العمل بكفاءة وأن عقلياتهم متحجرة غير قابلة لاستيعاب المرحلة الحالية.
 
ترجلت من العربة الى أخرى فوجدت رجلا يرتدى جلبابا و يضع يده على خده وكأنه فقد عزيزا لديه جلست بجواره . وسألته مالك يا عم الحج.. صمت الرجل قليلا ثم انفجر فى الكلام قائلا: أنا اسمى عبد المقصود محمد عبد المعبود ومن قرية العجميين مركز أبشواى بالفيوم وأعمل بخدمات السكك الحديدة منذ 34 عاما. وزهقت ومليت ولم أعد أطيق الوضع الحالى. الظلم والمحسوبية كما هما فبعد كل هذه الفترة التى خدمتها فى السكة الحديد أتقاضى 920 جنيها ومازلت عاملا على الدرجة الرابعة ولم أعد أنتظر ترقيتى للدرجة الاولى فربما أنالها فى قبرى بعد وفاتى فهل تنتظر منى أن أكون قادرا على العمل فى ظل هذا الظلم الفاحش.
 
ويروى عويس قرنى مفتش تذاكر أنه كان يعمل محصلا منذ عام 1973 وخرج للتقاعد وللأسف الشديد أن الجرارات والعربات التى تعمل على خط الفيوم حالتها سيئة وأعطالها كثيرة خاصة انها مستعملة على الخطوط الفاخرة وبعد انتهاء صلاحيتها يتم جلبها لتعمل على خط الفيوم والذى يتعامل مسئول الهيئة مع ركابها على أنهم مواطنون "سبنسة" لا يستحقون سوى هذه القطارات . و يتذكر أن القطار فى الماضى كان أفضل من الان فالكل كان يلتزم بالمواعيد ولكن الآن يرى رئيسا مهتما ولامرؤوس وقال: ليت الرئيس مرسى يمن على أهل الفيوم و يركب قطارهم ليرى معاناة من انتخبوه و كانوا سببا فى تنصيبه رئيسا لمصر التى لم تعد محروسة.
 
يلتقط أطراف الحديث فرحات محمود خفير مزلقان الحوامدية قائلا: نتعرض للسباب والاهانات من جانب المواطنين وسائقى الدراجات البخارية والذين يطالبوننا دائما بعدم إغلاق المزلقانات للعبور منها دون انتظار مرور القطار مؤكدا أن عمال المزلقانات يعملون وسط ظروف صعبة فلا دورات مياه ولا ملابس ولا أجهزة اتصال فمازال نظام الأسطوانة المتعارف عليه من قرون مضت يعملون به رغم اختفائه من جميع محطات القطار على مستوى الجمهورية.
 
واشتكى عم فرحات من طول فترة العمل المقررة بـ12 ساعة وبجانب فترة السفر للعمل مما يصيب العامل بالتعب ويدفعه للنوم جالسا و يجب ان يكون هناك عاملون كثر فى المزلقانات حتى نتلاشى الحوادث بالاضافة إلى تعميم نظام الاشارات الضوئية التى تغلق المزلقانات من تلقاء نفسها.
 
واتفق الطالبان عمر محمد جمال وعلى محمد على واللذان يدرسان بكلية الخدمة الاجتماعية بالفيوم ويقيمان بمدينة الواسطى أن القطار الفيوم يعد الأسوأ على مستوى الجمهورية حيث مقاعده مهلهلة ولا توجد به دورات مياه ويتوقف 13 مرة خلال رحلته للقاهرة وبدون إضاءة الى جانب الروائح الكريهة التى تسيطر على جميع عربات القطار . الى جانب تزاحم عربات القطار بالسيدات اللاتى يحملن الطيور ومنتجات الألبان و فى بعض الأحيان نجد الفلاحين وهم يحملون الماعز ويقومون بربطها بالكراسى وكأنها عربات لنقل الحيوانات مستغلين عدم وجود رقابة داخل القطار.
 
وفى رحلة العودة شاهدت الرجال والشباب ينامون بعرض المقاعد من شدة التعب الذى تستغرقه الرحلة و تصل الى ثلاث ساعات ونصف لمسافة 110 كيلو مترات .
 
فى حين اعترف مسئول بالسكك الحديدية رفض ذكر اسمه أن متحصلات قطار الفيوم لا تزيد على 20 الف جنيه شهريا وجملة خسائرة تزيد على 5 ملايين جنيه وأن المحصلين يستولون على متحصلات الهيئة مستغلين عدم وجود رقابة على التذاكر والسماح لنصف الركاب بعدم قطع تذاكر.
 
مشيرا الى استهلاك القطار خلال رحلة القاهرة ذهابا وإيابا نحو 800 لتر سولار حيث يستهلك القطار 4 لترات خلال الكيلو متر الواحد ومن غير المعقول ان تكون متحصلات الرحلة 190 جنيها ذهابا وعودة كما ان بعض الأطفال يقومون بقذف زجاج القطار بالطوب فى بعض المحطات مما يؤدى الى تحطيم نوافذه بسبب الفراغ الأمنى الذى تعانى منه القطارات حتى الآن.