السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روزاليوسف» رصدت معاناتهم: مرضى الغسيل الكلوى يتهمون الصحة بالأهمال.. والوزارة: علاجهم مسئوليتنا

«روزاليوسف» رصدت معاناتهم: مرضى الغسيل الكلوى يتهمون الصحة بالأهمال.. والوزارة: علاجهم مسئوليتنا
«روزاليوسف» رصدت معاناتهم: مرضى الغسيل الكلوى يتهمون الصحة بالأهمال.. والوزارة: علاجهم مسئوليتنا




تحقيق وتصوير - محمود ضاحى

قلوب تئن.. أنفاسها معدودة.. أثقال مرض يتحملونه.. وموت ينتظرونه.. إجراءات حكومية تحسب المرض هينًا وما هو بهين فتكاد أن تقضى عليهم.. مرضى يتألمون.. ضاقت بهم الحياة أملا.. ودموع تنهمر وجعا.. ووجوه كادحة انكمشت جباهها تعقيدا.. فدماؤهم تجرى فى خراطيم الموت لتنظف سمومها.. وأخرى عليها ابتسامة الرضا حامدين ربهم شاكرين نعمته عليهم لا سخط ولا غضب.. لكن حياة البشر لا عبث بها.

عدد من وحدات غسيل الكلى فى القاهرة والمحافظات على وشك الانغلاق، منها مركز الرحمة فى سوهاج، ومستشفى المنيا الجامعى، وبعض مستشفيات الفيوم ومركز غسيل الكلى بحلوان، ومستشفى الريان الخاص بالمعادى.. وزارة الصحة بعجزها عن توفير «فلتر» لغسيل الكلى هددت حياة المرضى واشغلت عقولهم فجعلتها موضوعة تحت ضغوط شبح الموت.
ولأننا كثيرا نقلنا معاناة وآلام مرضى الكلى بالمستشفيات الحكومية، قررنا فى تلك المرة نقلها من داخل مستشفى خاص لكنه يعالج المرضى البسطاء على نفقة الدولة أيضا، إلا أنه أخبرهم بأنه سوف يتوقف عن عمليات غسل الكلى بدءا من 1 ديسمبر، وأمهلهم وقتا لتدبير أوضاعهم، وذلك بسبب نقص بل انعدام المستلزمات المطلوبة للغسيل الكلوى، فانتقلنا إلى وحدة غسيل الكلى بمستشفى الريان بالمعادى.. وجدنا أناسا يشكون الحاجة.. بل يتعجلون الموت معتبرين أنه الأفضل لحالهم بدلا من ذل المرض وإثقاله.. ويتبقى السؤال: أتحتاج وزارة الصحة إلى غسل ضميرها حتى تنقذ مرضى غسيل الكلى؟
قابلنا محمد السيد إبراهيم - 67 سنة مريض بالفشل الكلوى - وقال: إنه يخضع لجلسات غسيل بمستشفى الريان بالمعادى منذ 4 سنوات، حيث إن أغلب المستشفيات ممتلئة ولا مكان فيها لأى مريض زيادة، ولنا 3 غسلات فى الأسبوع الواحد، مضيفا أنه فوجئ بقرار أعلنت عنه إدارة المستشفى أن الوحدة ستغلق 1 ديسمبر لعدم توافر مستلزمات الغسيل، مما يعنى أنه لا حل سوى انتظار الموت، وسألت عن أى مكان فى مستشفيات قصر العينى وأحمد ماهر والمقطم، ولم أجد.
ويضيف: المعاملة فى مستشفيات الريان أفضل من غيرها، ومصيرنا حتى الآن غير معروف، ولا أستطيع التحرك سوى على كرسى، وعندما تغلق الوحدة سيكون مصير المترددين عليها هو الموت.
يقول سيد سويفى - 61 عاما - فوجئنا بقرار غلق الوحدة لعدم وجود مستلزمات لارتفاع الأسعار والسبب ارتفاع سعر الدولار، فالوحدة خيرية وعلى الحكومة ووزارة الصحة أن تضع حلا، وتوفر الدعم لأن حياتنا معلقة على جهاز ولا يوجد أهم من صحة الإنسان.
ويضيف: لن نستطيع أن نهاجم إدارة المستشفى لأنها أيضا تحت ضغط، وكلنا مجبرون، والسوق كله يعانى من الوضع الاقتصادى، فالمستشفى يدفع فروق مصاريف كل فرد، خاصة أن ما تدفعه الوزارة عن كل مريض 140 جنيها فقط عن كل جلسة وهو سعر ثابت منذ 10 سنوات.
وتوضح حميدة أحمد محمود - 63 سنة - المستشفى قريب من مقر سكنى، والغسيل يتم 3 مرات أسبوعيا لذلك غير قادرين على تحمله، فغلاء الأسعار تحملناه لكن المرض لا نستطيع تحمله.
ويضيف ماجد حسين - 60 عاما - أن المستشفى له دور كبير مهم مع المرضى، لكن الحكومة هى من تضعه فى حرج، وعليها زيادة نسبة كل مريض من حيث سعر الجلسة، وتوفير المستلزمات الطبية، ونناشد وسائل الإعلام بالوقوف معنا ومساندتنا لأننا نتحمل جهد 4 ساعات للغسلة الواحدة على الجهاز مما يجعلنا متعبين ولا طاقة للتنفس أو الحركة.
ويقول مصطفى أحمد حسن - 52 عاما-  يجرى غسيل كلى بالمستشفى وأنه يسير على كرسى متحرك حيث إنه أجرى له سابقا عملية جراحية لتركيب دعامتين فى القلب، مضيفا أن الأطباء فى المستشفى قائمون بكل الرعاية، والمعاملة جيدة لكن نخشى إغلاقه، وعلى الدولة توفير خدمة صحية تليق بالمواطن، وأضاف: العبء أصبح ثقيلا على المستشفى ولا ميزانية له ولا دعم من وزارة الصحة، مما أجبره على اتخاذ قرار غلق الوحدة، لكن العلاج من حق كل مواطن وعلى وزير الصحة النظر برحمة للمواطنين.
ويضيف مؤنس أحمد عطية - مريض غسيل كلى ويعمل مهندسا زراعيا - قال إن المستشفى لم يقصر سواء أطباء أو تمريضا، ويوجد فيها 110 أشخاص مرضى يحكم عليهم بالإعدام البطىء بسبب قرارات وزارة الصحة، وقال إن ما تفعله وزارة الصحة جريمة بكل المقاييس، وعليها توفير كل مستلزمات الغسيل من محاليل وفلاتر وغيره، حيث إن تعنتها قتل لنا جميعا، وبسبب سياساتها العشوائية التى نسمعها فإنهم يضعون المواطن البسيط والمريض تحت ضغط أكبر وعبء أشد للمرض.
من ناحية أخرى يقول أحمد حسن - ممرض بمستشفى الريان - إن المرضى يشعرون بضيق دائم وفى مستشفيات كثيرة تعانى من نفس الأزمة، وسألنا فى أكثر من مستشفى عن أماكن فى وحدات الكلى، ولكن لا توجد، ومع بداية العام الجديد سوف تغلق وحدات غسيل الكلى فى أغلب المستشفيات لعدم وجود مستلزمات.
وأكد الممرض أحمد حسن أن مستشفى الريان ليس الوحيد فى أزمته، لكن أغلب مستشفيات مصر تعاني، وهناك 3 مستشفيات فى حلوان أيضا لا يوجد فيها وحدات لغسيل الكلى.
ويضيف الدكتور أيمن عبدالعزيز - مدير وحدة الكلى بالمستشفى - أنه لا يوجد حل أمام الطبيب سوى توفير المستلزمات، وتتركز الأزمة فى وجود فلتر، وبدونه لن تجرى للمريض عملية الغسيل، واستطرد: مشكلتنا أيضا فى عدم توافر محلول الملح، ونعيش أصعب الظروف وعلى الإعلام أن يوصل الرسالة ليظهر الحل.
وتابع: فى حال عدم توافر الفلتر المريض هيموت، ونحن كمستشفى لا نريد غلق وحدة غسيل الكلى، لكن عدم وجود مستلزمات الغسيل الكلوى هى السبب، وعبوة محلول الملح بـ 35 جنيها فى السوق السوداء، ونحاول جمع تبرعات ونشترى بها المستلزمات، وعندما نتصل بالشركات لا يوجد فيها فلاتر.
وأشار إلى أن الوحدة بها 110 مرضى يقوم بخدمتهم 18 ممرضا، ونناشد وزارة الصحة بدعم الوحدة فى أسرع وقت، خاصة أن أغلب المترددين عليها يعانون أمراضا أخرى مثل القلب والروماتيزم وغيره.
ويقول الدكتور عزت الإتربى - مدير عام مستشفى الريان أستاذ أمراض الباطنة بكلية طب الأزهر - إن المستشفى خيرى، مطالبا بتكاتف جميع المستشفيات لحل المشكلة، خاصة أن المستشفيات الجامعية تعانى أيضا من نفس المشكلة، وأضاف: أن قرار فتح وحدات غسيل الكلى بدأ عام 1984 وسعرت الدولة جلسة الغسيل بـ 60 جنيها، وكانت الفلتر وقتها سعره 14 جنيها لكن بدأ الغلاء يزداد فترة تلو الأخرى، إلى أن وصل سعر الفلتر 140 جنيها، والتكلفة الفعلية الآن أكبر من ذلك، بل تكلفة صيانة الأجهزة والمحاليل فى السنة 27 مليون جنيه.
وأشار إلى أن المستشفى لا يوجد بها أى مكان لاستقبال حالات أخرى، والمبالغ التى تدفعها تتجاوز أضعاف التبرعات التى تأتى للمستشفى، والسؤال هل ميزانية الدولة تتحمل كل هذه المبالغ مع العلم أن عدد مرضى الغسيل الكلوى تضاعف خلال السنوات الماضية، والسبب هو تردد حالات مريضة بالفشل الكلوى ومصابة بأمراض السكر والقلب، ويتعامل المرضى مع الأدوية بطريقة عفوية مثل «كاتافلام» و«كاتافاست»، التى يصاحبها فشل كلوى على المدى القريب، والعديد من المواطنين يتعاملون مع الأدوية بطريقة عشوائية.
الدكتور أميرة رفعت - مسئول التموين الطبى بالمستشفى - قالت إن المستشفى يقوم بإعدام كل الفلاتر القديمة وغير الصالحة حتى لا يعاد تدويرها واستخدامها مرة أخرى، مشيرة إلى أن المستشفى يحتاج إلى 2600 زجاجة محلول ملح وجلوكوز شهريا، بينما توفر لهم وزارة الصحة 4 كراتين فقط فى كل منها 20 زجاجة محلول.
وأضافت: أتحمل مسئولية 110 أشخاص يتعرضون للموت بقرار من وزارة الصحة، ولا يوجد إمكانية تسمح بعدد إضافى من المستشفيات الخيرية لديها بل العمل مستمر على مدار 24 ساعة يوميا ودون إجازات، مشيرة إلى أن المستشفيات الخاصة قيمة غسل الكلى بها تصل إلى 1200 جنيه للمرة الواحدة ولا يستطيع محدودو الدخل تحمل هذا المبلغ.
وتابعت: المريض أمانة فى رقبتنا، وحال أغلبهم يبكي، احنا مش بنام، ولا نستطيع قبول أى حالة أخرى، ونريد محاليل وفلاتر، وأقسم أننا لن نترك أى مريض لأن هذه أمانة، والـ110 الموجودين فى مستشفى الريان لو ذهبوا لوزارة الصحة لن يجدوا لهم مكانا.
ويقول اللواء محمود حلمى - رئيس مجلس إدارة مستشفى الريان - إن المريض يغسل 13 مرة فى الشهر، مدة الغسلة الواحدة 4 ساعات، ولابد من الجلوس 4 ساعات على الماكينة وسحب الدم وفلترته ثم إعادته إلى الجسم مرة أخرى بعد غسله، وقررت الجمعيات الأهلية المساهمة فى حل هذه المشكلة وشراء ماكينات غسيل كلوى على نفقتها، وبدأ المستشفى بماكينتين ووصلت إلى 20 ماكينة، ووزارة الصحة تقدم تكلفة الغسلة للمواطن 140 جنيها وهذه لا تغطى التكلفة نهائيا وتتحملها المستشفى.
واستطرد: وصلنا لمرحلة غلاء فاحش، وهناك فروق أسعار تتجاوز الـ12 مليون جنيه فى السنة تتحملها المستشفى، وعلى الوزارة أن توفر المستلزمات أو ترفع ثمن الغسلة الواحدة، ويتوفر الأطباء والتمريض ولا أريد سوى توفر المستلزمات، فصيانة الماكينة الواحدة تكلف 9 آلاف جنيه سنويا، مما يعنى أن على كل غسلة 27 جنيها صيانة، وواصل: لا نستطيع العيش على التبرعات، وأغلب الأوقات نجد وزارة الصحة تستخدم أسلوب الطناش فى حل المشاكل على الرغم من أننا نساعدها.
وأكدت الدكتورة ماجدة الطنطاوى - رئيس الإدارة المركزية للطب العلاجى بوزارة الصحة والسكان - عدم وجود نقص فى فلاتر الغسيل الكلوى بجميع مديريات الشئون الصحية، ويتم صرف احتياجات المديريات والقطاعات الصحية الأخرى من التموين الطبى بالوزارة، والصرف لجميع المديريات والقطاعات طبقا للاحتياج، سواء المستشفيات التابعة للقطاع العلاجى أو التأمين الصحى أو المؤسسة العلاجية أو أمانة المراكز الطبية المتخصصة أو المستشفيات التعليمية، مؤكدة وجود مخزون استراتيجى احتياطى يتم الصرف منه عند الضرورة.
من جانبه قال الدكتور خالد مجاهد - المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان- إن الأرصدة الموجودة حاليا بمخازن بعض المديريات والمستشفيات تكفى لفترة طويلة، وأكد أنه لم ترد شكاوى حتى الآن من وجود نقص، كما أنه لا يوجد أى مريض لم يحصل على جلسة الغسيل الكلوى بسبب نقص الفلاتر أو مستلزمات الغسيل الكلوي، وتقدم خدمة الغسيل الكلوى على أكمل وجه فى جميع المستشفيات.
وقال إن الوزارة استوردت أكثر من 600 ألف فلتر فعليا، ووصلت الكمية بالفعل إلى إدارة التموين الطبى مؤخرا، لتوزيعها على مراكز ووحدات الغسيل الكلوى التى تقدم الخدمة للمرضى، مشيرا إلى أن الوزارة تعاقدت مع شركة ببرلين بألمانيا على استيراد ٦ ملايين فلتر غسيل كلى، وذلك لسد العجز وتلافى السلبيات فى الخدمة.
كما أن الوزارة رفعت سعر جلسة الغسيل الكلوى من ١٤٠ إلى ٢٠٠ جنيه للمراكز والوحدات، وسوف ترسل السعر الجديد للمستشفيات الخاصة المتعاقدة معها لتقديم خدمة للعلاج على نفقة الدولة، من أجل مواصلة الخدمة، وفى حالة رفض أى مستشفى منها، سوف يتم فسخ البروتوكول الموقع بينها وبين الوزارة، على أن تضاعف الوزارة من أعداد الشفتات بوحدات الغسيل الكلوى التابعة لمستشفياتها لاستيعاب أعداد المرضى.
وأكد الدكتور أحمد عمادالدين راضى - وزير الصحة والسكان - أن الدولة ستتحمل فارق الزيادة التى تمت إضافتها على سعر إجراء جلسات الغسيل الكلوى من 140 إلى 200 جنيه، سواء بالمستشفيات الحكومية أو الخاصة، نتيجة ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية، مشيرا الى أنه يتم حاليا دعم الميزانية بقيمة 600 مليون جنيه إضافة إلى تكلفة علاجهم على نفقة الدولة سنويا بحوالى 750 مليون جنيه وذلك لتغطية فرق التكلفة فى أسعار الجلسات، وأوضح أن إجمالى عدد مرضى الفشل الكلوى فى مصر وفقا لإحصائيات قطاع الطب العلاجى تبلغ 36116 مريضا.
وحول ما تم تداوله عبر وسائل الإعلام عن إعلان عدد من مراكز الغسيل الكلوى الخاصة عدم قبول حالات بداية من أول ديسمبر المقبل بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية، فإن الوزارة أصدرت تعليمات صارمة لمديريات الشئون الصحية بالمحافظات بتشغيل وحدات الغسيل الكلوى بالمستشفيات 4 «نوبات عمل» بدلا من «نوبتين»، وذلك لاستيعاب أى عدد من المرضى حال توقف المراكز الخاصة عن العمل، مؤكدا أن الدولة تتحمل 1.2 مليار جنيه لدعم مرضى الغسيل الكلوي.