الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«نصوص الأرض» كتاب مسرحى لـ«أحمد سراج» يستلهم السيرة الهلالية

«نصوص الأرض» كتاب مسرحى لـ«أحمد سراج» يستلهم السيرة الهلالية
«نصوص الأرض» كتاب مسرحى لـ«أحمد سراج» يستلهم السيرة الهلالية




كتب: إسلام أنور

فى كتابه الصادر حديثًا عن «دار الأدهم للنشر» بعنوان «نصوص الأرض» يستلهم الكاتب والشاعر المسرحى أحمد سراج، السيرة الهلالية تراجيدية وحكمة، ويمزج «سراج» فى كتابه الذى يضم مسرحيتين بين الماضى والحاضر، طارحًا العديد من الأسئلة التى تواجه الذات المصرية والعربية عن الهوية والغربة والحرب والحنين للوطن ومشروعية السلطة الحاكمة.
ويأتى هذا الكتاب ضمن مشروع «سراج» المسرحى الذى بدأ بإصداره «زمن الحصار» 2002، ثم «القرار» 2009، ثم «فصول السنة المصرية» 2012، و«القلعة والعصفور»، الذى ترجم وعرض فى مهرجان صوت العالم بأمريكا. وفى تقديمه للكتاب يقول الشاعر والمترجم رفعت سلام: «بلا شعارات، أو خطابة، يخترق أحمد سراج مسرحيًّا قلب المعضلة المصيرية المزدوجة، التى تواجه راهننا المصري/العربي؛ الدفاع عن الأرض/الوطن، ومشروعية السلطة الحاكمة؛ بحنكة إبداعية فريدة، تُذكِّر بالقامات المؤسسة للمسرح العربى الحديث: محمود دياب، سعدالله ونُّوس، ألفريد فرج، عزالدين المدني، وسواهم، فهو لا يبدأ من الصِّفر، بل من حيث انتهوا؛ ليكمل مسيرةً رصينة، مؤرقة، كانت قد انقطعت برحيلهم».
ويضيف: «عنايةٌ واعيةٌ بتأسيس الشخصيات الدرامية، والحدث المسرحي، وصولًا إلى ذروته الأخيرة، المضيئة لتضاريس العالم المتصارع، عالم متفجر بالشهوات الجامحة للغزو، وامتلاك السلطان، والتواطؤات الداخلية، والأحلام المهدرة التى لا تموت».
ويستطرد سلام: «سراج صوتٌ مسرحيٌّ فريد، فى زمنٍ بلا مسرح، بما يعيدُ الاعتبارَ للنص المسرحى كنص أدبى إبداعي، يقف منتصبًا- بلا مُعين- فى مواجهة فسادِ العالم».    
أما الشاعر صلاح الراوى أستاذ الأدب الشعبى فقال: «عمل بالغ التميز فى مجال استلهام سيرة بنى هلال، واختيار ذكى لمنطقة من أشد مناطق أحداث السيرة تراجيدية «مأساوية».. هكذا يصورها مبدع السيرة الشعبية «الشاعر الشعبي».
ويضيف: اختيار أحمد سراج لمقتل كل من الخفاجى عامر وخليفة الزناتى اختيار مرهف فرض تكثيفًا شديدًا جدا فى التناول أو بمعنى آخر أتاح هذا التكثيف «المرهف أيضا والمرهِق أيضا»، على أن هذا الاختيار لمنطقة محددة «وهو اختيار تم بعناية وتوجه واضح لتحقيق الفكرة الأساسية للمسرحية ومضمون رسالتها التى قصد إليها مؤلف النص المستلهِم» لا يعنى أنها منطقة منتزعة من سياق السيرة أو من بدنها الحى الكبير المتشعب بل والمترامى الأطراف «مما يعرفه المتخصصون فى دراسة السير الشعبية عموما ومن بينها السيرة الهلالية»، بل الماثل على نحو ساطع فى هذا العمل المسرحى المتميز هو أن المؤلف قد توفَّر على قراءة دقيقة للسيرة حتى نهاية ديوان «التغريبة» على الأقل واستوعب حركة أحداثها ودوافع وآليات الصراع فيها بعيدا عن السطح الذى ضلل كثيرا ممن أقدموا على استلهام هذه السيرة الشديدة التركيب بل التعقيد.
فيما كتبت الناقدة البحرينية أنيسة السعدون عن بطل الغروب: استغلَّت مسرحية بطل الغروب أفقًا تاريخيّـًا ينهض على إشكالية الأنا والآخر، أو المستعمِر والمستعمَر، وهذا الأفق التاريخيّ، بكلِّ تجاذباته وما ولّده من صراع فى المسرحيّة منذ مشهدها الأوّل القلِق، إلى نهايتها المستقطِبة لصراعات أخرى، يمكن إسقاطه على الحاضر؛ ليتحوَّل التاريخيّ إلى جدليّ بغاية مساءلة الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ، فالكاتب لم ينشغل بالمادّة التاريخيّة على حساب الإشكالية الحضاريّة التى أراد توظيفها، والتى هدف من ورائها التوعية بضرورة إعادة صياغة الواقع وتغييره إلى الأفضل.
الفعل الدراميّ متماسك جدًّا، وينهض على البناء الأرسطيّ المعروف؛ إذ كان الإهداء بمثابة مقدِّمة تهيئ لنا الجوّ العامّ، وتشى بأبرز المرتكزات التى تنهض عليها المسرحيّة، وما يمكن أن تفرزه من علاقات وتحوّلات، ويمكن التقاط هذه المرتكزات من الكلمات الأولى من كلّ سطر من سطور الإهداء كونها تمثّل أبرز أسئلة المتن المسرحيّ: “الفارس والطميّ والحقّ”. ثمّ تنطلق الأحداث من نقطة تحوّل فى حكم الزناتيّ حيث يقتحم مجلسه الهلاليّون ويطالبونه بالتخلّى عن الحكم والأرض لهم، وهو استهلال مشحون بالتوتّر ومسكون بالصراع منذ البداية؛ ممّا يضع المتلقّى وجهًا لوجه مع الفعل الدراميّ، وهى مهارة بارعة تثير المتلقّي، وتهيّئه للأحداث الحاسمة لاحقًا، وتجعله مشدودًا إليها. ويبقى لهذا المشهد الاستهلاليّ صراعه الخاصّ الذى يتشابك مع الصراع العامّ فى جميع المشاهد، والمتجسّد فى الصراع بين الزناتى حامى حمى تونس، والهلاليّين الغزاة. وبهذا تتأزّم الأحداث حتّى تصل إلى ذروتها عندما فقأ دياب عين الزناتى برمح، وأسقطه على الأرض وجرّه إمعانًا فى إذلاله. لتختتم المسرحيّة بصوت بطل الغروب «الزناتيّ» الذى يثير فينا الخوف والشفقة.-أمّا بالنسبة إلى الشخصيّات فقد أتت ضمن نمط تصويريّ يزوّدنا به الكاتب منذ مفتتح المسرحيّة، فالزناتيّ الذى تجاوز المئة لا يبدو للسنِّ أثر عليه، وسعدى جميلة ترتدى زيّ القتال غالبًا، وأبو زيد الهلاليّ يبدو فى حركته ضعف لتأثّره بلدغة حيّة، والجازية جميلة تتحرّك بوقار وتتحدّث ببطء... إلخ، وهذا التقديم الموجز يعفى الكاتب من الوصف الدقيق والعميق للشّخوص، ويصرف أنظارنا إلى الطابع المميّز لكلِّ شخصيّة. ولئن تباينت تلك الشخصيّات من حيث الأدوار، إذ أدّى كلٌّ منها مواقف دالّة تؤثّر فى البنية الحدثيّة، وتكشف جوانبَ مختلفة من الصراع؛ فإنّها جاءت نمطيّـة من حيث صيغها ودلالاتها وبعض وظائفها؛ ما يجعلها تواجه قيمًا ومواقف يألفها المتلقّي، ويدرك كيف سيكون تعامل الشخصيّات معها.