الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة الثالثة والعشرون»

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة الثالثة والعشرون»
من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» وثائق «صعود» و«سقوط» الإخوان «الحلقة الثالثة والعشرون»




 

«الإخوان» حلفاء «واشنطن» الجدد.. و«المكتب البيضاوى» سيدعم «تنظيمات الجماعة» لتغيير الأنظمة!

دراسة يكتبها: هاني عبدالله


بالتزامن مع الخطاب الذى وجهته «هيلارى كلينتون» للزعماء العرب (فى يناير 2011م)؛ انطلاقًا من «الدوحة»..  كان أن واصلت «دوائر التنسيق الإخوانية» مع «الولايات المتحدة الأمريكية» تحركاتها النشطة؛ لخلق مزيد من التقارب بين التنظيم، و«واشنطن»؛ تمهيدًا لأن تلعب الجماعة «دورها السياسى الأكبر»، منذ تأسيسها فى عشرينيات القرن الماضى.. إذ دارت «دوائر الاتصال» تلك – إجمالاً – حول روافدٍ خمسة، هى:
(أ)- قنوات الاتصال المباشرة بين «إخوان أمريكا»، و«روافد صُنع القرار» بالبيت الأبيض، بما فى ذلك؛ الروافد: الأمنية، والاستخبارية (إدارة الارتباط العالمى، نموذجًا) (1).
(ب)- قنوات الاتصال المباشرة بين «إخوان مصر»، و«الإدارة الأمريكية».. إذ لعب خلالها مسئولو السفارة الأمريكية بالقاهرة (فضلاً عن مسئولى «السفارات الغربية» الأخرى) دورًا مُهمًّا فى تعميق التقارب بين الطرفين.. كما كانت «الدائرة البرلمانية» (إلى جانب «الاتصالات الفردية» مع بعض قيادات الجماعة)، هى الأكثر نشاطًا، داخل تلك القناة  (2).
(ج)- «الدائرة الأوروبية».. وذلك فى سياق «تبادل المعلومات» بين بعض «الحكومات الغربية» و«واشنطن»؛ اعتمادًا على وجود قنوات اتصال خاصة بين تلك «الحكومات»، وبين «المنظمات» التابعة لـ«اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» (الغطاء الأوروبى للتنظيم الدولى) (3).
(د)- دائرة الاتصالات «التركية».. إذ كانت «تركيا» هى الدولة النموذج، فى سياق برنامج الارتباط الأمريكى مع قوى «الإسلام السياسى» فى الشرق الأوسط، فضلاً عن أنها كانت أكثر الدول «الشرق أوسطية» احتضانًا لاجتماعات تنظيم الجماعة الدولى، وتنسيقًا معه، خلال السنوات السابقة على «الانتفاضات» التى شهدها الشارع العربى (4).
(هـ)- الدائرة «القطرية».. إذ أسهمت «الدوحة» فى تأمين العديد من «الاستضافات» المتبادلة، انطلاقًا من تموضعها بين الطرفين: كـ«دويلة داعمة» لتيار الإسلام السياسى، من جانب.. و«دويلة وظيفية» توجهها الولايات المتحدة الأمريكية (فى سياق الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة) من جانب آخر.. فضلاً عن كونها (أى: قطر) «محطة دعم مالى» لأغلب شرائح «تيار الإسلام السياسى»، بما فى ذلك أكثرها «راديكالية»، وعنفًا.
■ ■ ■
وفيما بدا تأثير التداخل بين «دوائر الاتصال الخمس» أكثر انعكاسًا على تحركات «تنظيم الجماعة» مع بدايات يناير من العام 2011م.. كانت «التجربة التونسية» أحد أهم «النماذج التطبيقية» حول ما يُمكن أن تلعبه الجماعة، و«تنظيمها الدولى» من أدوارٍ (تأثيرية) فى توجيه «الاضطرابات»، التى شهدها الشارع العربى، حينئذ.
ففى حين توسعت «الانتفاضة التونسية»، وازدادت شدتها؛ حتى وصلت إلى المبانى الحكومية (وهو ما أجبر «بن على»، الذى كان يحكم البلاد بقبضةٍ حديدية طيلة 23 سنة، على التنحى عن السلطة والهروب من البلاد خلسةً)؛ كان أن تناقل العديد من «وسائل الإعلام الدولية» أنباء رفض «باريس» (فرنسا) لاستقبال الرئيس التونسى الأسبق (!)
.. وكان سبب الرفض؛ هو الخوف من حدوث مظاهرات من قِبل التونسيين الموجودين هناك.. إذ كان أغلبهم من معارضى «بن على».. كما كان ثمة تأثير  قوى من قبل «تنظيم الإخوان الدولى» فى توجيه عمليات رفض استقبال «بن على» بين صفوف «الجالية الإسلامية» هناك.. إذ تم ذلك التوجيه – من حيث الأصل - عبر «اتحاد المنظمات الإسلامية لفرنسا» (الذراع الأوروبية الثانية لتنظيم الجماعة الدولى).. وهو «اتحاد» يضم أغلب «إخوان تونس».
لكن.. لم يكن تحريك رأى عام مضاد لاستقبال «بن على» فى فرنسا، هو كل ما قام به تنظيم الإخوان الدولى، حينئذ.. فوفقًا للعديد من المعلومات «الموثقة»، كان أن حشد التنظيم هيئاته كافة؛ للاستفادة من الوضع المتصاعد داخل تونس، وتعميمه بأكبر قدر ممكن على باقى بلدان المنطقة، اعتمادًا على «القطاعات الشبابية».. ومن ثمَّ.. وقبل تنحى «بن على» عن السلطة، كان أن دعا «اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا» («الاتحاد «الأم»، الذى يتبعه «اتحاد المنظمات الإسلامية لفرنسا»)، لاجتماع «عاجل» لمجلس شورى الاتحاد.
وعلى هذا.. توجه «شورى الاتحاد» (أى: مجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا) للمرة الثانية، فى أقل من ثلاثة أشهر (5)، نحو مدينة «اسطنبول» (تركيا)؛ حيث كان يتركز النشاط التنظيمى لما يُعرف باسم: الاتحاد الإسلامى العالمى للمنظمات الطلابية «إيفسو» (IIFSO)، وأمينه العام «أحمد عبدالعاطى» (6).
وخلال الفترة من 6 إلى 9 يناير من العام 2011م؛ اجتمع ــ بالفعل ــ مجلس شورى الاتحاد ــ للمرة الثانية فى دورته التاسعة ــ بمشاركة «أحمد عبدالعاطى» فى اسطنبول، وكان مما أسفر عنه هذا الاجتماع: إطلاق «فورى» لمبادرة يتبناها «إيفسو» لضم القطاعات الشبابية والطلابية «المتحركة» بالمنطقة (خاصة فى كل من: «تونس»، و«مصر».. فيما قبل اشتعال الأحداث بالأخيرة)، خلف رايته؛ إذ يعد هذا الأمر «جوهريًّا» فى استعداد التنظيم لمرحلة التمكين (7).
■ ■ ■
تدارس المؤتمرون فى اسطنبول ــ فى البداية ــ استعدادات «إيفسو» فى الاستفادة من المنظمات الأعضاء، والمتعاونة، تحت عنوان: «أهمية التنسيق والتعاون بين المنظمات الطلابية والشبابية الإسلامية»، ووقتها.. تكفل «عبدالعاطى»؛ بشرح هذا الأمر أمام المشاركين فى اجتماع مجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا.
قال «عبدالعاطى»: إن أهمية التنسيق تلك تنبع، فى المقام الأول، من أن القطاع الشبابى، هو القطاع الأوسع انتشارًا، وبالتالى.. يمثل «مخزونًا» استراتيجيًّا للاتحاد، يمكن التأسيس عليه خلال مراحل التغيير، التى تمر بها الدول التى يوجد بها نشاط للاتحاد، بشكل عام.. والدول العربية، بشكل خاص.
أما النقطة الثانية؛ فهى أن هذه القطاعات تعد الأكثر فاعلية وقدرة على التأثير والتغيير؛ إذ تتمتع بقدر أكبر على الحركة، من دون غيرها من باقى شرائح المجتمع.. لذلك؛ هى القوة الدافعة الرئيسية التى يعول عليها الاتحاد، فضلاً عن الدوائر التنظيمية الأعلى، ويضاف إلى ذلك: أن القطاع الشبابى، هو الأكثر احتياجًا للرعاية والدعم والتمكين، ومن ثمَّ.. على الاتحاد أن ينسق جهوده وجهودهم، فى ظل المتغيرات السياسية التى تحدث على أرض الواقع الآن (!)
وبعد انتهاء اللقاء؛ طار «عبدالعاطى» نحو «الدوحة» للمشاركة فى افتتاح مؤتمر «الإعلام الشبابى العربى».. كانت الدعوة موجهة من «خالد يوسف الملا»، وكيل وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية.. وكان الموضوع الرئيسى.. المطروح للمناقشة؛ يدور فى مجمله حول «مستقبل الشباب والإعلام فى العالم العربى».
استمر المؤتمر نحو 4 أيام، تم خلاله دراسة التحديات التى تواجه الشباب فى دنيا الإعلام، فى ظل توافر «التقنيات» الحديثة.. وكيفية استخدام هذه التقنيات فى إحداث تغييرات جذرية فى المجتمع.
عاد «عبد العاطى» من مؤتمر الدوحة، ليُوقّع مبادرته، التى قرر خلالها استخدام التقنيات الحديثة بصورة أوسع، فى تشبيك جهود المنظمات الشبابية، والتواصل مع الشباب المصرى والتونسى؛ للدفع بإحداث تغييرات «قافزة» على الساحتين، بما يدعم وجود التنظيم مستقبلاً فى هاتين الدولتين من الناحية السياسية، فقد كان العديد من المعلومات التى وصلته ــ إذ ذاك ــ عبر «الدوحة» ــ فضلاً عن أنقرة، وواشنطن ــ تؤكد أن ما يحدث فى تونس؛ سيكون له تأثير كبير على دعوات التظاهر فى مصر.
وكان من اللافت؛ أن أردفت «قطر» هذا المؤتمر، بمؤتمر آخر ــ شارك به، أيضًا، ممثلون عن «إيفسو» ــ فى 19 يناير من العام نفسه، تحت عنوان: «منتدى الجزيرة لصحافة الإنترنت»، أعلن خلاله المدير العام «السابق» لشبكة الجزيرة «وضاح خنفر» (8)، إطلاق ما سمّاه «وحدة الاتصال والشفافية وتعزيز المدونات»، من أجل ما وصفه بتكريس الشفافية والمعرفة لدى المواطن العربى، مطالبًا الأنظمة العربية بإعادة النظر فى سياساتها الإعلامية، حتى لا يفاجأوا بوصول الرسالة، بعد فوات الأوان، كما حدث فى تونس (!)
■ ■ ■
وعبر العديد من الشواهد التالية؛ كان قد تداخلت «دوائر الاتصال والتنسيق الخمس» بين أمريكا والإخوان، فى دعم وتنفيذ استراتيجيات تفكيك أنظمة «الشرق الأوسط».. وهى استراتيجيات لم تكن «وليدة اللحظة»، إذ طُرحت فى بادئ الأمر على إدارة «الجمهوريين» داخل «البيت الأبيض».
ومن ثمَّ.. كان أن تمخض هذا الأمر – بدوره - عن طرح فكرة تقسيم الشرق الأوسط، بشكل أكبر؛ اعتمادًا على الشركاء «الإسلاميين».. واستخدام «الحركات الاحتجاجية»، والمنظمات الحقوقية - الممولة أمريكيًّا – فى تمهيد الشارع أمام تلك القوى، عبر مفاهيم «الفوضى الخلاقة»، وصناعة «الثورات الملونة» بالشرق الأوسط، أو (Color Revolutions Agenda in the Middle East)؛ بما يصب – فى النهاية – نحو تعزيز المصالح، والأهداف الأمريكية على حساب مصالح، واستقلال، ووحدة أراضى دول المنطقة (!)
فوفقًا للدائرة البحثية الخاصة بالشرق الأوسط فى «جلوبال ريسرش» (Global Research)؛ كان من المتاح – فقط -  لمتصفحى الموقع الخاص بـ«البيت الأبيض»، الوصول إلى التوجيه الرئاسى رقم 10، أو (PSD-10).. وهو توجيه خاص بحظر «الإبادة الجماعية».. لكن.. لم يكن من المتاح، بأى حال من الأحوال، الوصول إلى التوجيه الرئاسى رقم 11، أو (PSD-11).. وهو التوجيه الخاص بالارتباط مع قوى «الإسلام السياسى» – خاصة جماعة الإخوان- و«الحركات المتعاونة» مع تنظيم الجماعة، أو تلك الداعمة للأجندة الأمريكية؛ من أجل تغيير أنظمة المنطقة (9).. إذ تعاملت إدارة أوباما مع هذا التوجيه باعتباره «توجيهًا فائق السرية».
وبحسب «جلوبال ريسرش»؛ فإن «إدارة أوباما» خططت لدعم جماعة الإخوان – منذ اليوم الأول لدخولها المكتب البيضاوى - إذ اعتقدت «الإدارة الأمريكية» أن جماعة الإخوان – فضلاً عن «الحركات الاحتجاجية» المتحالفة معها – سوف تكون متوافقة، تمامًا، مع الأهداف الخارجية للسياسة الأمريكية.
ومن أجل ذلك؛ تم اعتماد توجيه استراتيجيات مبادرة الشراكة «الشرق- أوسطية» (MEPI)، من قبل كلٍ من: «بول ساتفين» (Paul Sutphin)، القنصل الأمريكى العام «السابق» فى إربيل (العراق)، الذى تولى – فى وقت تالٍ - «مكتب تل أبيب» بإدارة شئون الشرق الأدنى فى «وزارة الخارجية الأمريكية»، ومعه نائبته «كاترين بورجوا» (Catherin Bourgeois).. إذ ضمت وزارة الخارجية الأمريكية – قبل ما يُعرف بثورات الربيع العربى – العديد من المهام الأخرى لـ«كاترين»، منها: تطوير «تقنيات المعلومات» بما يسمح بتعزيز أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.. وكانت تلك «الصلاحيات» الإضافية، مقدمة مهمة؛ لإلحاق اثنين آخرين من كبار مسئولى «وزارة الخارجية» فى تطوير، وتوسيع «برنامج الشراكة» بما يسمح بتحويله إلى قوةٍ «فاعلة»؛ لتغيير الأنظمة الحاكمة (!) .. وهو ما سنقف على تفاصيله لاحقًا.

 

 

 

 

هوامش

(1)- راجع الحلقة «20» من الدراسة، تحت عنوان: (برعاية «المخابرات الأمريكية»: أسرار تحالف «تركيا - قطر - الإخوان» فى «بروكنجز الدوحة»!)، متاحة على الرابط التالي:  http://www.rosaeveryday.com/News/185904/-
(2)- راجع الحلقتين: «17، و18» من الدراسة، تحت العناوين الآتية:
(بالوثائق: اللقاءات «السرية» بين «الإخوان» ومسئولى «السفارات الغربية»!)، متاح على الرابط التالي: http://www.masress.com/rosadaily/1184233.. و(بالتفاصيل: أسرار لقاء «الكتاتنى» وقيادى «ديمقراطى» بارز بمنزل السفير الأمريكى بالقاهرة!)، متاح على الرابط التالي: http://www.rosaeveryday.com/News/184734/-
(3)- راجع الحلقة «12» من الدراسة، تحت عنوان: (بالتفاصيل: الهياكل التنظيمية «الكاملة» لإخوان أوروبا)، متاح على الرابط التالى: http://www.masress.com/rosadaily/1180249
(4)- هانى عبدالله، «كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولى»، (القاهرة: مركز الأهرام للنشر – مؤسسة الأهرام الصحفية)، 2015م.
(5)- تم اللقاء الأول لمجلس شورى اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا، بدورته التاسعة، خلال الفترة من (23 ــ 26) سبتمبر بالعام 2010م.
(6)- الاتحاد هو الواجهة «المعلنة» التى يعمل من خلالها (الجهاز الطلابي) التابع لمكتب الإرشاد الدولى؛ إذ كان يشرف على هذا الجهاز ــ يقينًا ــ داخل المكتب العالمى «د.محمد سعد الكتاتنى»، رئيس حزب «الحرية والعدالة» السابق.
(7)- لم تكن الأحداث فى مصر، وقتها، قد اشتعلت بعد (!).. كما أصدر «إيفسو» – بالفعل – فى 14 يناير من العام نفسه مبادرة يدعو خلالها «شباب مصر»؛ للتوحد خلف رايته.. ولمزيد من التفاصيل؛ يمكن مراجعة: ( «كعبة الجواسيس» – مصدر سابق).
(8)- لسنا هنا فى حاجة لإعادة تأكيد ما أشرنا إليه مرارًا؛ عن توجيه سياسة «قناة الجزيرة» – فيما قبل الانتفاضات العربية -  عبر عناصر الاستخبارات العسكرية الأمريكية ( D.I.A)، وفقًا لما كشف عنه، فى حينه، موقع «ويكيليكس».
(9)- Middle East Briefing, (“Color Revolutions”: US State Department Document Confirms Regime Change Agenda in the Middle East), Global Research, June 28, 2014. Available at: http://www.globalresearch.ca/us-state-department-document-confirms-regime-change-agenda-in-middle-east/5388948.