الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أعمى القلب والبصيرة

أعمى القلب والبصيرة
أعمى القلب والبصيرة




يكتب: محمد عبد الشافى

استمرارًا لنزيف الدم المهدر بسبب الجهل والغباء الناتج عن العصبية القبلية سقط طفل الــ 10 سنوات فى تجدد مشاجرة ثأرية بالأسلحة بين عائلتى الهمامية والزغبى بمركز فرشوط بمحافظة قنا، بالطبع هى جريمة بشعة بكل المقاييس الدينية والاجتماعية والإنسانية أن تزهق روح طفل لا حول له ولا قوة برىء من هذه الحماقات ومن مرتكبيها الذين لا تشملهم أية ملة أو ديانة، حتى لو كانت من عبدة البقر، فلا توجد ملة تقر هذا الفعل إلا ملة الحقد والغل والغباء المتوارث عبر الأجيال وكأننا لسنا مسلمين.
جريمة يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان، تدمع لها العيون بل وتعمى الأبصار، جريمة تشيب منها الرؤوس وتخف أمامها الأوزان، جريمة تطرش بها الأذن ويخرس عن نطقها اللسان، جريمة يتوقف أمامها العقل وسريان الدم فى الأبدان، جريمة تُشل أمامها الأيدى ويقف القلب عن الخفقان، جريمة تنكرها كل المجتمعات حتى مجتمع الحيوان، جريمة لا نراها فى مجتمع الغابة الملىء بالوحوش المفترسة القاتلة.
كلنا نرى فى عالم الحيوان المعارك الضارية بين أسدين أو نمرين يعتدى أحدهما على مملكة أو منطقة الآخر ويقاتل كل منهما الآخر وغالبًا ما تنتهى المعركة بالاحترام المتبادل وانسحاب المعتدى، ولم نر قط أن المعتدى قام بالاعتداء على أشبال الآخر سواء عن قصد أو بغير قصد وبذلك يكون الحيوان المفترس أكثر أخلاقًا وأمانة ورحمة من ذاك الآدمى الذى لم يصل إلى مرتبة حيوان مفترس، آدمى ولم أقل إنسانًا لأنه لا يستحق هذا اللقب لتجرده من كل معانى الإنسانية من دين وأخلاق وأمانة ورحمة وقتل طفل فى صراع الحقد والغل والكراهية الناتجة عن قلبه الأسود الذى يكره ولا يحب.
رسالة إلى قاتل الطفل، هذا الطفل الذى لم يقدر على الوقوف فى وجهك والدفاع عن نفسه وأهدرت دمه إما بقصد نتيجة غلك وحقدك وكراهيتك لأبيه أو غيره من عائلته، أو بغير قصد برصاصة طائشة نتيجة غبائك وجهلك الناتج أيضًا عن قلبك الأسود المفعم بالغل والكراهية للخير والحق، نفسك الغادرة الماكرة الحاقدة الناقمة الأمارة بالسوء التى سّولت لك قتل طفل برىء ستشهد عليك أمام ملك الملوك الذى لا تنفع لديه وساطة ولا تدخل خزائنه رشوة، يداك التى صوبت الرصاصة تجاه الطفل ستقف أمام العادل القهار وتبرئ نفسها من فعلتك الشنعاء أيها الجبان،  قلبك الحسود الحقود سيتنكر منك ويطلب من الله أن يخرجه من بين أحشائك كى يستريح من آدمى حقير خنزير لا يعرف الرحمة ولا الإنسانية، أقول لك شُلت يداك يا أعمى القلب، شُلت يداك يا أعمى البصيرة، ندعوا الله أن ينتقم منك وأن يُرينا عجائب قدرته فيك فى حياتك قبل مماتك على فعلتك النكراء، وهذا ليس على الله ببعيد وإنه إن شاء الله لقريب إنه الجبار القهار وسع عدله كل شىء.
رسالة إلى المجتمع، حقيقة لا أعرف من أين أبدأ كلامى؟ كيف لظاهرة الثأر الخطيرة المدمرة أن تنال من عقول رجالنا فى قرى الصعيد؟ كيف انتشرت وتشعبت وترسخت وتوارثت عبر الأجيال؟ وكيف يحدث تبادل لإطلاق النار بين العائلتين فى وضح النهار وأمام الجميع ليسقط طفل قتيل جراء هذا العمل اللاأخلاقى؟ وهل نحن بذلك أصبحنا فى مجتمع الغاب فلا يأمن الإنسان على روحه أو أهله؟ وهل أصبحت قرانا فى الصعيد بلا أمن ولا أمان تحكمها شلة من الجهلاء الحمقى ذوى التعصب القبلى وغاب العقلاء تاركين لهم الساحة يرتعون فيها ويزهقون الأرواح دون ناصح أو رادع يثنيهم عما يرتكبون من آثام؟ وهل العلم والتطور الذى نحن فيه غير كاف للتصدى لهذه الظاهرة المدمرة؟ الجميع يشهد لقرى وبلدان الصعيد بصفات حميدة كثيرة كالشهامة والكرم والتمسك بالحق إلا أن كل هذه الصفات ستُصبح فى مهب الريح بسبب تلك الظاهرة الحقيرة الخطيرة التى تدمر فى طريقها كل خير وحق.
نحن بهذه الظاهرة يأتى تصنيفنا بين البلدان داخل مصر وخارجها بأننا متخلفون، رجعيون، وقتلة، رغم أن بلادنا أنجبت ولا تزال تنجب العلماء والمفكرين فى شتى المجالات بدءًا من رفاعة رافع الطهطاوى ومرورًا بجمال عبد الناصر والدكتور طه حسين وعباس العقاد وغيرهم. أين العقلاء؟ أين شيوخ وقادة العائلات؟ يا أهل فرشوط أليس منكم رجلٌ رشيد؟ أين رجال الدين وأئمة المساجد والوعاظ؟ أين رجال التعليم؟ وماذا يقولون فى المدارس؟ أين الشباب المتعلم المتطور الذين نرى أصواتهم عالية فى القضايا السياسية؟ كيف لعدد من المتعصبين المسلحين بالجهل والغباء والغل والحقد والكراهية أن يتحكموا فى مصائرنا ويدمروا حياتنا ويزهقوا أرواحنا؟
يا رجال الصعيد فرّوا إلى الله، وتكاتفوا، وتعاونوا على الفتك بهذه الظاهرة، والعودة مرة أخرى إلى الأمن والأمان والتسامح وحل الخلافات بلغة الكلام والنصح، بعيدًا عن لغة السلاح التى تركت لنا آلاف الضحايا من الأبرياء عبر التاريخ.
فى النهاية أقول لكم تاريخكم ملطخ بالدماء، وهذا عار عليكم، سارعوا بمحو هذا العار.