الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تطور العلاقات بين مصر وكمبوديا

تطور العلاقات بين مصر وكمبوديا
تطور العلاقات بين مصر وكمبوديا




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

تتميز العلاقات بين مصر ودول الآسيان بصفة عامة بأنها علاقات تاريخية متطورة، لم يقتنع أو يكتفى الطرفان خلال ذلك التاريخ بالوقوف عندى مستوى معين من التعاون، وما يميز تلك العلاقات أيضا هو التنوع فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، خاصة مع تنوع البيئات الجغرافية حيث البيئة المدارية فى مصر والبيئة الاستوائية فى دول آسيان، الأمر الذى أدى إلى التنوع فى مجالات التعاون، سواء على مستوى الرابطة أو على المستوى الثنائى لكل دولة من الدول العشر الأعضاء فى آسيان، وهذا ما توج بتوقيع مصر اتفاقية الصداقة والتعاون مع رابطة آسيان خلال قمتها الأخيرة العام الماضي، والتى عقدت فى فينتيان عاصمة لاوس.
استمرارا للتقارب ومد جسور التعاون مع دول «آسيان»، افتتحت كمبوديا فى إبريل 2016 سفارة لها فى القاهرة، والتى من المقرر أن تتولى مهمة تمثيل كمبوديا فى عدد من دول الجوار أيضا، وبذلك يرتفع عدد دول الرابطة التى لها تمثيل دبلوماسى مباشر فى مصر إلى تسع دول، ولم يبق إلا دولة واحدة من دول «آسيان» العشر هى لاوس، التى لا يوجد لها سفارة فى القاهرة، وإن كانت على وشك تحقيق ذلك الهدف، حيث دارت مناقشات بهذا الشأن خلال زيارة وفد وزارة الخارجية المصرية الذى وقع على اتفاقية الصداقة والتعاون مع الرابطة فى فينتيان العام الماضي، وذلك نظرا للاهتمام الكبير من قبل مصر ودول «آسيان» بصفة عامة على تطوير العلاقات فيما بينهما، لعلم كل طرف بأهمية الآخر فى محيطه الجغرافى و الإقليمي، ووزنه السياسى والاقتصادي.
 رغم مرور عام واحد فقط على افتتاح كمبوديا سفارة لها فى القاهرة، إلا أن التمثيل الدبلوماسى قائم بين البلدين منذ زمن طويل، ولكن بشكل غير مباشر، حيث يرجع تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى عام 1953، ويتم تمثيل مصر حاليا من خلال السفارة المصرية فى تايلاند، ولكن نظرا لعدم وجود سفارات مقيمة فإن حجم العلاقات والتعاون لا يتناسب مع تاريخ العلاقات بين البلدين، ولا مع الحجم الاقتصادى والثقل السياسى لكلا البلدين، حيث يعوق عدم وجود سفارة مقيمة منح التأشيرات بسهولة للسياح ورجال الأعمال، والتنسيق السياسي، والتشاور بشأن الاتفاقيات التجارية والاستثمارات، وهذا ما أدركته كمبوديا مؤخرا وجعلها تقدم على افتتاح سفارة لها فى القاهرة، رغم ضياع العديد من فرص التعاون بين البلدين خلال العقود الماضية، ولكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل.
فى عام 2012، تم التوقيع على اتفاقية التعاون الاقتصادى والفنى بين مصر وكمبوديا، والتى من شأنها أن تعمل على دعم وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، حيث تبعث الطمأنينة لدى المستثمرين فى كل من البلدين لإنشاء مشروعات متنوعة والتزام كل من البلدين باتفاق تعاقدى بينهما، كما تمثل مدخلا مناسبا لتنشيط التعاون على المستوى السياسى، والمساهمة فى تفعيل حقوق الإنسان وحماية الأقلية المسلمة فى كمبوديا، وقد تناولت الاتفاقية العديد من مجالات التعاون بين البلدين خاصة فى مجالات التعاون الاقتصادى والفني، والتعاون بين قطاع الأعمال العام والخاص، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وتبادل الوفود والخبراء والمتدربين، والأبحاث الاقتصادية والفنية والبحثية، ونقل التقنيات والخبرات، وفى عام 2015، وعلى هامش القمة الأفروآسيوية التى عقدت فى إندونيسيا، التقى المهندس إبراهيم محلب مع رئيس وزراء كمبوديا، وتم خلال اللقاء مناقشة سبل دعم وتطوير العلاقات بين مصر وكمبوديا، بما يحقق طموحات الشعبين.
يعتمد اقتصاد كمبوديا بشكل أساسى على قطاع الزراعة، الذى يتميز بإنتاج الأرز حيث يشرف «المعهد الدولى لبحوث الأرز» فى كمبوديا على إنتاج أكثر من 750 صنفا من الأرز، كما تنتج الأسماك والأخشاب والمطاط والنسيج، وتحظى صناعة المنسوجات بسمعة كبيرة خارج البلاد، الأمر الذى جعل من تلك الصناعة المصدر الأول للعملات الأجنبية. بعد انتهاء الصراعات الداخلية التى استمرت نحو 30 عاما، بدأت كمبوديا منذ عام 2009 برنامجا شاملا للإصلاح الاقتصادي، الأمر الذى جعلها تحقق نموا اقتصاديا بلغ 5% فى ذلك العام، ثم تزايد ذلك المعدل باضطراد حتى وصل إلى نحو 6.4% فى السنوات الأخيرة.
يعد قطاع السياحة أسرع القطاعات نموا فى كمبوديا نظرا لتطوير البنية التحتية وتطوير القطاع بشكل عام، حيث تمتلك البلاد مقاصد سياحية أهمها العاصمة بنوم بنه، سيهانوكفيل والتى تعتبر من أهم الشواطئ فى المنطقة، إلى جانب بوكور هيل، كمبوت، وقد ساهم قطاع السياحة فى إنعاش العديد من الصناعات حوله، كما عمل على جذب الكثير من الاستثمارات إلى كمبوديا فى السنوات الأخيرة. تم اكتشاف مكامن للنفط والغاز تحت المياه الإقليمية، ومن ثم أصبحت كمبوديا من الدول المنتجة للنفط والغاز بكميات تجارية منذ عام 2011، ويتوقع الخبراء أن ينعكس ذلك على شكل وأداء البلاد الاقتصادي.
يمكن لكمبوديا كعضو فى رابطة «آسيان» أن يشكل زيادة حجم ونوعية التعاون معها أهمية كبيرة لكل من مصر وكمبوديا على حد سواء، خاصة مع تنوع المنتجات فى كلا البلدين، حيث التنوع فى البيئة الجغرافية والمناخية، فالعلاقات الناجحة بين الدول تعتمد فى المقام الأول على المصالح المتبادلة، وليس حرص كل طرف على مصالحه الخاصة فقط.
جوانب كثيرة يمكن لكل من مصر وكمبوديا التعاون من خلالها، سواء على المستوى الثنائي، أو على مستوى المنظمات الإقليمية التى ينتمى إليها كلا البلدين، فمصر تمثل البوابة الأفريقية ليس لكمبوديا وحسب، بل لدول «آسيان» وكافة الدول الآسيوية، كما ترتبط مصر باتفاقيات مع منظمات اقتصادية إقليمية أهمها «الكوميسا» التى تسمح بتنقل الأفراد والمنتجات ورءوس الأموال بدون عوائق لكل الدول الأعضاء فى المنظمة، وهذه المزايا النسبية لمصر من شأنها أن تسهم بشكل كبير فى أن تجعل من مصر محور ارتكاز اقتصادى مهما بين القارتين الأفريقية والآسيوية، إلى جانب جعل مصر مركزا عالميا للسياح الأفارقة والآسيويين، وتغيير النمط السياحى الذى يعتمد بشكل أساسى على السياحة الأوروبية التى تخضع فى كثير من الأحيان للتجاذبات السياسية.