الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الربيع.. عبق التاريخ والبلاد

الربيع.. عبق التاريخ والبلاد
الربيع.. عبق التاريخ والبلاد




كمال عبد النبى يكتب:

تطلق كلمة الربيع على فصل من فصول السنة، يتميز بأحوال مناخية معتدلة، كما ينظر إليه بأنه وقت النمو والتجديد، إضافة إلى أنه الوقت الذى يشهد ميلاد حياة جديدة لكل من النبات والحيوان، وقد يتعدى الربيع التعبير المادي، فيستخدم بشكل عام كتعبير مجازى عن بداية فترات أفضل، إذ يطلق على مرحلة الشباب، ربيع العمر، وبسبب معانيه التى كثيراً ما ترتبط بمواصفاته المادية الجميلة، يسمى بعض الناس أولادهم باسم ربيع، أو ربيعة. كل هذه الميزات وغيرها جعلت من الربيع فصلاً مختلفاً، عن كل فصول السنة الأربعة.
أشجار تتوج بالأخضر بعد أن رحل اليابس عنها. زهور تلون العالم وتعطره، ثم شمس تسطع بدفء معتدل، وظواهر كثيرة أخرى تعلن أن الربيع عاد من جديد، وأن الحياة عادت للتجدد مرة أخرى، كما جاء فى الأساطير القديمة، إذ جسد أدونيس معشوق عشتار، الربيع والإخصاب عند الكنعانيين والإغريق.
ويبدأ الربيع فلكياً، فى الـ21 من شهر مارس، فى نصف الكرة الأرضية الشمالي. وكذلك فى الـ 22 من شهر سبتمبر، فى نصف الكرة الأرضية الجنوبى، وهو يستمر حتى وقت الانقلاب الصيفى.
والذى يكون عادة فى الـ 22 من شهر يونيو فى نصف الكرة الشمالي، وفى الـ22 من شهر ديسمبر فى نصف الكرة الجنوبي. ويرتبط تعريف فصل الربيع، فى علم المناخ (الفينولوجيا)، بمجموعة مؤشرات، مثل ازدهار مجموعة من الفصائل النباتية أو الأنشطة الحيوانية كالهجرة والتزاوج.
أو من خلال الرائحة الخاصة التى تكتسبها التربة بعد وصولها الى درجة حرارة معينة، تساعد فى بدء ظهور النباتات الصغيرة، ويمكن الاستدلال على قدوم فصل الربيع مع وصول أول طائر من طيور السنونو وتفتح زهور الليلك. وعليه فإن تحديد بداية فصل الربيع تختلف باختلاف المناخ والطقس لسنة معينة عن غيرها. ولوحظ فى العقود الأخيرة ظاهرة الزحف الربيعي، التى تعنى ظهور الكثير من المؤشرات المناخية المرتبطة بفصل الربيع فى الكثير من المناطق بشكل يكون معه سابقا ومبكرا بمدة يومين لكل عشر سنوات.
وفى الربيع يكون محور الأرض مائلاً نحو الشمس، وتزداد مدة فترة النهار بسرعة فى نصف الكرة الأرضية، والذى يميل فيه محور الأرض نحو الشمس، إذ يميل هذا النصف من الكرة الأرضية نحو الدفء بشكل ملحوظ، ما يؤدى إلى بدء نمو النباتات الجديدة، وهى العملية التى تميز فصل الربيع وتعلن عن قدومه.
وفى المناطق التى تشهد سقوطاً للثلوج، يبدأ الثلج بالذوبان وتفيض الأنهار بفعل ماء الثلج المذاب. وكذلك الحال فى المناطق التى تشهد موجات صقيع فى فصل الشتاء، حيث تأخذ شدة هذه الموجات فى الاعتدال. ومع ذلك فالكثير من المناطق معتدلة المناخ لا تشهد ثلوجاً أو موجات صقيع، وإنما ترتفع فيها درجة حرارة الهواء والتربة. وتتفتح زهور العديد من النباتات فى هذه الفترة من العام، ويحدث هذا خلال فترة طويلة، تبدأ أحياناً بوجود الثلج على الأرض، وتستمر إلى أوائل فصل الصيف.
وفى المناطق التى لا تشهد سقوط الثلوج بطبيعتها، قد يبدأ الربيع مبكرا فى شهر فبراير (فى نصف الكرة الشمالي)، ومن ثم تبدأ نباتات المغنوليا والكرز والسفرجل، بينما تتميز الكثير من المناطق المعتدلة مناخياً بربيع جاف وخريف ممطر، وهو الأمر الذى يفسر حدوث عملية الإزهار فى هذا الفصل، والذى يتناسب بشكل أكبر، مع حاجة النباتات إلى الماء والدفء. وبالنسبة للمناطق الواقعة جنوب المنطقة القطبية الشمالية، فقد لا تشهد «الربيع» على الإطلاق، إلى حين بلوغ شهر مايو أو حتى يونيو، أو إلى حين بلوغ شهر ديسمبر فى المناطق الواقعة خارج نطاق القطب الجنوبي.
ولقدوم الربيع طقوس احتفالية مارستها الشعوب منذ القديم، ومنها أكيتو، وهو اسم أطلق على عيد الربيع فى بلاد ما بين النهرين، وتعنى الكلمة فى اللغة السومرية، حصاد الشعير، بينما تعنى باللغة البابلية رأس السنة. أما فى الحضارة البابلية فقد اتخذ يوم قدوم الربيع، عيداً للاحتفال بالنصر الذى حققه الإله مردوك على الإله تيامات. بينما يعتبر أول يوم فى فصل الربيع بمثابة بداية العام الجديد: النوروز، كما أطلق عليه فى التقويم الإيرانى. ويمثل عيد النوروز «المعروف أيضاً باسم النيروز أو النفروج.
والعديد من المسميات الأخرى»، أحد أهم الأعياد التقليدية التى يُحتفل بها فى إيران، وفى العديد من البلدان الأخرى التى تعيش فيها جاليات إيرانية، مثل أذربيجان وأفغانستان وطاجيكستان. كما يحتفل به أيضاً الشعب الكردى فى تركيا والعراق وسوريا وغيرها من بقاع أخرى. وبعد ظهور المسيحية اعتبر عيد الفصح، أهم الأعياد الدينية فى السنة الطقسية المسيحية. وفى أعياد الشعوب الأخرى يعتبر عيد الربيع الصيني، أهم الأعياد الصينية التقليدية.
وغالبا ما يطلق عليه عيد رأس السنة القمرية الجديدة، لا سيما من قبل سكان المدن الرئيسية فى الصين وتايوان وسنغافورة وماليزيا. ويبدأ الاحتفال بهذا العيد فى أول يوم من الشهر الأول فى التقويم الصيني، وينتهى فى اليوم الخامس عشر من الشهر ذاته، ويطلق على هذا اليوم اسم»مهرجان الفوانيس»، وتسمى عشية رأس السنة الصينية الجديدة «تشوشي»، وهى تعنى حرفياً، عشية الانتقال للسنة الجديدة. وفى الهند يعد مهرجان الألوان الذى يحتفل به الهندوس، أكثر مهرجانات الألوان بهجة وحيوية، وفيه يتبادل الناس رش المياه، ويضعون المساحيق الملونة على بعضهم البعض.