السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. ليتك معى

واحة الإبداع.. ليتك معى
واحة الإبداع.. ليتك معى




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات للفنانة نهى ناجى


ليتك معى


بقلم - هـــدى حافظ


كل قصص ما قبل النوم كانت بين الحقيقة والخيال، كل الحكايات التراثية التى يتردد صداها فى الميادين والشوارع، هى جزء من الحقائق المتباينة، ونوع من الصدق المخلوط بالكذب، وفى النجوع والقرى تاريخ قصصى قديم، وبين مزيج من الواقع الأشد قتامة والخيال الأكثر سحرا  تبدأ قصتى.... خباز القرية كان يجمع اشولة الدقيق، المخبوزات الطازجة  الموزعة على الصاج، ورائحة  الخبز التى تداعب انوف المارة.
كانت تزيد من تهافت الناس على الشراء، يتمدد الرغيف على المطرقة الخشبية، يحدث انزلاق العجلات الحاد والاهتزاز العنيف، يلتفت الخباز نحو الصوت القادم من بعيد، انها الكارتة التى تحمل الطفل ذاته،
يود لو ان يلقى بأفكارة فى فوهة الفرن المتاجج، لتاكلها النيران، الصبى يهبط السلم ممسكا بلوح وقلم أبنوس.
خطواته البائسة وظله الهارب المتوارى خلف الضوء ينبئان بشئ خفى، يفتح عينيه على اتساعهما مرتعبا، الحروف البارزة من فوق اللوح تبدو غامضة للبعض، كأنها الطلاسم وأعاجيب السحر، ينفض الناس من حوله فى بضع ثوان وحده الخباز يمد يده بلطف للسلام، كانما تنفك أصابع الصغير المعقودة ويتبدل الصقيع دفئا، يعطية الخباز فطائر العسل باللوز الشهية، وكأس من الشاى المختمر، يستعيد الصغير قدرته على الضحك العفوى يشكره ممتنا، ويهديه اللوح الخشبى الغامض، ويمضى كانه غيمة لا يمكنها ان تمطر، الخباز الذى عاش فى مجتمع يسوده الجهل والخرافة لا تعنيه ان كانت الحروف من نور أو نار، الجاهل لا يمكنه رؤية العالم، هو والاعمى سواء كلاهما يعيش فى بقعة من ظلام دامس، اشتعلت فى رأسة الفكرة القديمة، التى طالما راودته وتغلغلت فى أعماقة، وحمل طفلته على كتفيه، وأقسم لأن يطوى المسافات  باحثا عن مدن يزدهر فيها العلم.. مات الخباز وعادت ابنته إلى القرية وحيدة  تحمل فى يدها اللوح الغامض، وقلم من خشب الأبنوس، هذا كل ما ورثته عن أبيها، أفكارها التطوعية لمحو الجهل كانت تثير مخافة شيخ القرية، وعلماء الدين... لكن الأطفال كانو كالفراشات الحائمة حول منزلها الطينى يستقون من علومها  وأفكارها، حتى جاء ذلك اليوم الذى سمعت فيه صوت المنادى، يعلن عن الحفل المقام  فى بيت شيخ القرية لاستقبال ابنه العائد من بلاد الحضر، شعرت أن القرية قد فرغت من ساكنيها، هدأت الأصوات وسكنت، وعلقت عيونها بذلك اللوح الغامض، وراسها تضج بالأفكار الهاجسية، الأحرف الباهتة فوق سطح اللوح حتى استحال قراءتها، الأخبار التى ستتناقل  فور رفضها دعوة حضور الحفل، بينما هى غارقة فى افكارها تسمع دقات الباب فتركض مسرعة.. لاح وجه المشرق، ذلك الشاب الذى بدا وكانه قادم من الحضر، يبرق أول شرر من عينيها، لم يثير دهشته غير وجود نجمة خارج مجرة عشقه، كل الفتيات اللواتى التقطن اشارات الجاذبية خضعن له.
«ليتك معى» هى الكلمة التى قالها  وهو شاخص بصره ناحية اللوح.. وقبل أن تبادر بالهجوم، أقدم على الأعتراف - أنا ياسيدتى الطفل الذى اختزل اوجاعة فى أحرف قبطية مزخرفة فوق اللوح، لازال حلوى الخباز عالقة بفمى، قطعت الطريق هربا من عجرفة الأب وسطوته، تاركا ورائى كل احتفال يضم  نساء الأرض أجمعها، ولست سوى صغير يتهجى حروفه الأولى، أمام عينيك ليطلعك على سر الأحرف.. «ليتـــك معى».