الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

احضنى تكنولوجيـًا

احضنى تكنولوجيـًا
احضنى تكنولوجيـًا




صبحى مقار يكتب:

ترجع قوة أى دولة إلى قوة اقتصادها، بمعنى تفوقه على الاقتصادات الأخرى وقدرته على منافستها داخليًا وخارجيًا، وذلك نتيجة لحدوث تحول فى المفاهيم من المزايا النسبية التى تعتمد على ما تتمتع به الدولة من موارد طبيعية وبشرية، مناخ مناسب وموقع جغرافى متميز... إلخ من العوامل التى تسمح بإنتاج سلع رخيصة فى الأسواق العالمية، إلى المزايا التنافسية التى تعتمد على التوصل إلى اكتشاف طرق جديدة لإنتاج سلع وخدمات ذات خصائص فريدة ومتميزة ومبتكرة وجودة عالية وقيمة مضافة مرتفعة.
ووفقاً لنتائج لتقرير التنافسية العالمى (2016-2017)، جاءت مصر فى المركز 115 من بين 138 دولة، حيث يتم حساب المؤشر الإجمالى للتنافسية العالمية عن طريق جمع البيانات المتعلقة بعدة مؤشرات فرعية تمثل الدعائم الأساسية للتنافسية لتكون جميعها صورة شاملة للوضع التنافسى للدولة.
 ومن بين هذه الدعائم «عوامل التطور والابتكار»، وتأتى مصر فى المركز 122 عالمياً فى المؤشر الفرعى الخاص بالابتكار. وهذا لا يتناسب إطلاقًا مع الأهداف التنموية الطموحة لمصر، حيث يعتبر الاستثمار المركز فى المعرفة أهم خصائص الاقتصاد التنافسى القائم على الابتكار وروح المبادرة، فالمعرفة عبارة عن مصدر متجدد دائمًا يتراكم بالاستخدام والتوظيف والابتكار مقارنة بالموارد الطبيعية المحدودة القابلة للنفاذ بالاستخدام المستمر لها، وهذا بدوره يمثل حافزًا قويًا لأنتاج وتوطين المعرفة وإنشاء شركات ناشئة قادرة على المنافسة وخلق فرص عمل مستدامة من خلال مؤسسات ومراكز تكنولوجية حاضنة قادرة على تحويل الأفكار الإبداعية ومخرجات البحوث العلمية إلى ثروة تتمثل فى سلع وخدمات تساهم فى تنويع مصادر الدخل للدولة.
ولذلك تعتبر الحاضنات التكنولوجية بالنسبة للحكومات خير استثمار للطاقات العلمية للخريجين لكونها أداة الربط بين المؤسسات البحثية والقطاعات الصناعية والخدمية، فهى التى تنقل أفكار ونتائج الأبحاث إلى الأسواق المختلفة وليست عملية الانتقال المادى للآلات والمعدات.
ويرتبط وجود الحاضنات التكنولوجية بوجود مؤسسة أو جامعة أو هيئة ذات طابع تكنولوجى ما يزيد من استخدام البحوث الجامعية فى الأغراض التجارية وربط المؤسسات المختصة بالقطاعات الصناعية والتجارية. وقد أوضحت الدراسات أن نحو 87% من الشركات الناشئة التى استفادت من دعم الحاضنات نجحت واستمرت فى الأسواق مقارنة بـ44% نسبة نجاح الشركات الناشئة التى لم تتلق دعمًا من الحاضنات ما يوضح لنا مدى أهمية الحاضنات التكنولوجية فى دعم وتنفيذ الأهداف التنموية للدول المختلفة.
وتعرف «الحاضنات التكنولوجية» بأنها مؤسسات تنموية تساعد الشركات الناشئة وتدعم أصحاب أفكار المشروعات الطموحة فى التغلب على أغلب المعوقات التى قد تؤدى إلى عدم تحقيق أهدافهم الاقتصادية والتجارية مثل نقص مصادر المعلومات والخبرات اللازمة للقيام بالنشاط، ضعف المهارات التجارية والتسويقية، نقص التمويل، عدم وجود المستثمرين، وذلك من خلال توفير المكان المناسب والدعم الفنى والاستشارى والقانونى والمالى لهذه الشركات، حيث توفر بيئة متكاملة من الخدمات والدعم الكفيلة بتطوير هذه الشركات وزيادة معدلات نموها، ورفع كفاءتها الاقتصادية ما يؤدى إلى زيادة فرص نجاحها واستدامتها فى الأسواق المحلية والدولية، وبالتالى، تشجيع وانتشار الفكر الريادى لدى المواطنين بدلاً من فكر الحصول على الوظيفة السائد حالياً ما يسمح بإنشاء المزيد من المؤسسات التكنولوجية الجديدة وخلق المزيد من فرص العمل وتحويل مخرجات المراكز البحثية إلى مشروعات ناجحة بجميع القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.
وتجدر الإشارة إلى أن ضعف المستوى التكنولوجي، وانخفاض معدل نموه يؤدى إلى كل من زيادة معدلات البطالة، عدم تحقيق التنوع الاقتصادى، انخفاض معدلات النمو، زيادة معدلات هجرة الخريجين ورءوس الأموال، زيادة المديونية.
لذلك يجب تشجيع ودعم إنشاء المزيد من الحاضنات التكنولوجية المتخصصة فى مصر لاحتضان المبتكرين والباحثين ورواد الأعمال وخريجى الجامعات، وذلك بتقديم وتوفير البيئة المناسبة والدعم المادى والفنى واللوجستى لأفكارهم الابتكارية حتى تتحول إلى شركات ناشئة ناجحة فى جميع المجالات، خاصة المجالات التى تتمتع فيها مصر بمزايا تنافسية مثل صناعة الأثاث، الغزل والنسيج، الصناعات الغذائية ما يساهم فى تنمية العديد من محافظات الجمهورية.
ويفضل أن تشرف على هذه الحاضنات مراكز البحوث وثيقة الصلة بالمشروعات التنموية وتكنولوجيا المعلومات، مع قيام الحكومة بتوعية الأفراد والشركات والقطاع الخاص بأهمية الابتكار وتأهيلهم ومساعدتهم على الابتكار وإنتاج المعرفة ما ينعكس إيجابياً على تحسين وتنويع القاعدة الإنتاجية وزيادة معدلات النمو الاقتصادى من خلال تحويل الابتكارات إلى منتجات جديدة أو تطوير المنتجات القائمة، وبالتالى، المساعدة فى خلق بيئة عمل جديدة بعيدًا عن الوظيفة الحكومية والتوسع فى بناء الشركات والمؤسسات والكيانات التجارية والاقتصادية والتكنولوجية الصغيرة والمتوسطة، ومنحها الفرص لترويج ابتكاراتها ونقل وتوطين التكنولوجيات الجديدة كإحدى الوسائل المهمة لإعادة هيكلة الصناعة فى مصر وتطوير مخرجاتها كماً وكيفاً لتفى باحتياجات السوق المحلية والتصدير للخارج.
كما يمكنها أيضاً تنظيم أسواق ومعارض للابتكارات والحاضنات لتوثيق روابط الاتصال بين المبتكرين والمستثمرين ما يُحدِث نوعاً من التنمية التكنولوجية المستدامة، وذلك بشرط توافر كل من البنية الأساسية اللازمة لإقامة المشروعات الإنتاجية والصناعية المتطورة، المراكز البحثية المتقدمة، العمالة الإدارية والفنية عالية المهارة.