الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السيسى يصل إلى قلب أوروبا عبر «المجرى»

السيسى يصل إلى قلب أوروبا عبر «المجرى»
السيسى يصل إلى قلب أوروبا عبر «المجرى»




يكتب من بودابست: أحمد باشا

كسراً لقواعد الجغرافيا المستقرة، وتجاوزا لدوائر المحيط الحيوى للأمن القومى المصرى، استقل عبدالفتاح السيسى القطار السياسى «المجرى» ليصل إلى قلب أوروبا فاتحا لأبواب كنا نظن أنها أغلقت منذ عشرات السنين بحثاً عن مساحات أرحب للملعب السياسى المصرى، وتحالفات أقوى مع أصدقاء تاريخيين، وتنسيق أعلى فى ملفات مشتركة، وأسواق أحدث تستوعب النمو الاقتصادى المستهدف.
خلافاً لما كان مستقراً لسنوات طويلة ارتكنت فيها القاهرة إلى دائرتها الأقرب شمالاً حيث دول جنوب المتوسط، جاء السيسى ليقفز بالبلاد ومصالحها إلى مساحة أبعد تتجاوز جنوب أوروبا وصولاً إلى قلبها النابض، ومنه إلى الشرق والشمال فى تحرك سياسى واقتصادى محسوب بدقة.
فى يونيو 2015 كانت الزيارة الأولى لعبدالفتاح السيسى إلى بودابست تلبية لدعوة وجهت له من خلال رئيس الوزراء المجرى «فيكتور أوربان» الذى هنأه فيها بفوزه بالانتخابات الرئاسية وشهدت الارتقاء فى العلاقات بين البلدين إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية، تحقيقاً لانفتاح المجر على الشرق الأوسط ورغبة القاهرة فى طرق أبواب وسط وشرق القارة العجوز.
منذ ذلك التاريخ وكيمياء التفاهم والتنسيق تفاعلت بين الرجلين «السيسى - أوربان» وهو ما استفادت مصر منه بشكل خاص سعيا لخلق صداقات وتحالفات داعمة ومؤيدة للموقف المصرى وسياساته داخل البيت الأوروبى، وضعا فى الاعتبار أن الأصدقاء التقليديين فى أوروبا تباينت مواقفهم مع الدولة المصرية فى أعقاب ثورة 30 يونيو، ولم يعد الاعتماد أو الرهان عليهم بشكل دائم أمراً مضمونا، وهو ما تنبهت له الإدارة المصرية مبكراً وعملت على علاجه والاستفادة من الأخطاء السابقة.
اليوم، انعقدت القمة الثالثة بين الزعيمين فى ثلاث سنوات - كانت الثانية منها فى القاهرة - لتشهد مباحثات اقتصادية مهمة بين البلدين خصوصا فى الرغبة المصرية للاستفادة من التقدم النوعى للصناعات الثقيلة فى المجر وخبرتها الطويلة فى مجال السكك الحديدية والنقل، والتى تستهدف الإعلان عن تعاون مشترك فاعل ومؤثر فى هذا الملف، وكذا رغبة القاهرة فى أن تكون المجر سوقا سياحية واعدة وجديدة عوضا عن أسواق تقليدية تتراجع أمام رغبة المجريين فى زيارة مصر خاصة مع ارتفاع المستوى المعيشى للمواطن المجرى.
السيسى الذى اصطحب معه وفداً وزاريا غلبت عليه الصبغة الاقتصادية بهدف شرح فرص الاستثمار الواعدة فى مصر بعد الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة وبحث تصدير المحاصيل الزراعية إلى المجر ومنها إلى شرق ووسط أوروبا حيث تعد بودابست البوابة الملكية التى يمكن أن تعبر منها المنتجات والمحاصيل المصرية.
■ ■ ■
 مياه كثيرة جرت تحت الجسور منذ ثورة 30 يونيو وصولا لذكراها الرابعة التى تحل هذه الأيام، بين أبواب كانت موصدة فى وجه الموقف المصرى، ولم تكن تقبل حتى سماعه، وبين اللحظة التى يسعى فيها العالم شرقاً وغربا إلى الاستماع والإنصات لموقف ورأى الدولة المصرية والاستفادة من رؤيتها وتفهم مواقفها.. 54 دولة زارها السيسى كانت كفيلة بإعادة طرح وتقديم مصر الجديدة خصوصا أن هذا التمدد الحاصل للسياسة المصرية وعودتها للملعب السياسى إقليميا ودوليا جعل من القاهرة محط أنظار واهتمام العالم كانت شاهدًة عليه أمور كثيرة آخرها الدعوة التى قدمت للدولة المصرية للمشاركة ضمن فعاليات تجمع دول «الفيشجراد» وطرح رؤيتها الاقتصادية والسياسية وسط الأربع دول المكونة له «المجر - التشيك - بولندا - سلوفاكيا» والذى يمثل من الأهمية أن يأتى فى المرتبة التالية لتجمع الـG20 كما أن التموضع الجغرافى ومجموعة القوى الشاملة للأربع دول يعظم من أهمية «الفيشجراد» بالنسبة لأوروبا، ومن ثم لمصر التى وجهت لها الدعوة لتكون أول دولة شرق أوسطية تشارك فيه وثالث دولة من خارجه بعد ألمانيا واليابان.
اليوم فى زمن قياسى تجنى القاهرة ثمار جهد سياسى واقتصادى وعسكرى ضخم بذلته فى سبيل تثبيت الدولة المصرية أولا من الانهيار وكسر دوائر الحصار المفروضة عليها منذ إزاحة نظام الإخوان الإرهابى استعداداً للانطلاق وبناء دولة حديثة وعصرية، والاستفادة من مقومات القوة الشاملة لتستعيد مكانتها وتعود لقيادة المنطقة كدولة عظمى فى الإقليم ومحورية فى العالم.