الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أكتوبر معجزة البشر

أكتوبر معجزة البشر
أكتوبر معجزة البشر




كتب - عمر علم الدين

رغم مرور 44 عاما على نصر أكتوبر إلا أننا مازلنا مدينين لفضل جيل سبق، وما زلنا نتذوق طعم الانتصار الذى نقلنا من اليأس إلى الأمل وترك فى وجدان الشعب المصرى والأمة العربية بصمة لا تنسى.
وكانت بدايته فى الساعة الواحدة والنصف عندما دخل الرئيس البطل أنور السادات قاعة العمليات وكانت القاعة شحنة من الأعصاب امتزج فيها الأمل فى النصر والقلق على أبطال القوات المسلحة على الأرض والعلم والإيمان بالله فقد أحس كل من فيها من القادة والضباط وعددهم يزيد على المائة أنهم يعيشون لحظة فاصلة فى تاريخ وطنهم، وأن أقدارا كثيرة سوف تكون.
معلقة بما يجرى فى هذه القاعة صادر عنها إلى ميادين القتال أو وارد إليها من هناك.
وفى الساعة 2 بعد الظهر كانت الانظار فى القاعة كلها متجهة إلى الجزء الخاص بالقوات الجوية وكانت الاشارات قد وصلت بأن قوات الضربة الجوية الاولى وقوامها أكثر من مائتى طائرة، قد عبرت على ارتفاع منخفض فوق قناة السويس قاصدة تنفيذ المهمة الاولى فى العملية، ثم بدأت الإشارات تأتى بأن طائرات هذه القوة بلغت أهدافها وبدأت تنفذ مهامها بنجاح فاق ما كان منتظرا، فقد تم ضرب مراكز قيادة ومواقع رادار ومناطق حشد وعقد مواصلات وقواعد جوية.
 وفى الساعة 2:10 كانت الأنظار فى القاعة متجهة إلى الجزء الخاص بالمدفعية وفى نفس اللحظة كانت فوهات ألفى مدفع من مختلف العيارات والطراز تضرب بكل قوتها بعيدا وراء خطوط العدو لقطع عمقه عن جبهته وتدمير ما يمكن من منشآته المتقدمة وتشتيت ما هو متجمع من حشوده وتلا ذلك قصف ستمائة مدفع ركزت على مدى قصير بضرب منشآت وتحصينات خط بارليف.
 وفى الساعة 2:25 بدات قوارب المطاط تنزل فى القناة بجنودها تحت وابل من نيران العدو الذى بدأ يفيق من المفاجأة. ومع ذلك فإنه فى ظروف عدة دقائق كان على صفحة القناة ما يقرب من ستمائة قارب مطاطى فى كل واحد منها ثمانية مقاتلين، وقد راحت تشق طريقها إلى الضفة الأخرى وسط عاصمة النار.
وفى هذه اللحظة تأكد أن مجموعات الصاعقة التى دخلت بالأمس قد نجحت فى تعطيل عمل مواسير اللهب وكان نجاحها فائقا إلى درجة أنه لم يظهر لأى واحدة منها أثر على الاطلاق فوق مياه القناة.
وفى الساعة 2.25 ايضا كان هناك لواء دبابات برمائى يعبر على القطاع الجنوبى من مياه القناة بالدبابات الضخمة من طراز «تى76» ووراءه المدرعات السابحة من طراز الـ«توباز» الشهير.
وفى نفس اللحظة عبرت فوق القناة مجموعة من الطائرات تحمل مجموعات من قوات المظلات الذين قفزوا بقرب منطقة المضايق تمهيدا وانتظارا وإعدادا لمرحلة ثانية من الخطة.
وفى الساعة 3:30 كانت قوات المهندسين تعبر فى وحدات بحرية خاصة جهزت بالخراطيم وكانت المهمة الموكولة إليها فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية من القناة.
 وفى الساعة 4:30 كان حجم القوات المصرية على الضفة الشرقية من القناة قد وصل إلى 1500 ضابط و22 ألف جندى.
«وفى هذه اللحظة قام الرئيس السادات ومعه الفريق أحمد إسماعيل قاصدين مكتب القائد العام وطلب السفير السوفيتى».
 وفى الساعة 5:30 كان هذا الحجم قد وصل إلى 2000 ضابط و30000 ألف جندى.
 وفى 10 مساء كانت قوات المهندسين قد تمكنت من فتح 60 ثغرة فى الساتر الترابى، وأزاحت بالتجريف ما حجمه 90 ألف متر مربع من الرمال ووصل عدد الكبارى الثقيلة التى أمكن تركيبها إلى ثمانية بالإضافة إلى أربعة كبارى خفيفة و31 معدية كانت تتحرك بسرعة وقوة من ضفة إلى ضفة حاملة معها المزيد من القوات والمعدات.
وعندما حل منتصف الليل تماما كانت هناك خمس فرق كاملة من المشاة والمدرعات على الضفة الشرقية لقناة السويس وكانت معظم مواقع خط بارليف الحصينة قد حوصرت ونصفها تمت اقتحامه.
كان الرئيس السادات وقادة القوات المسلحة المتواجدين لإدارة الحرب فى حالة من السعادة والنشوة لا تصدق بعد أن تأكدوا أن أخطر عملية فى الحرب كانوا يتحسبون لخسائرها قد تمت بنجاح فاق خيالهم وكانت أروع لحظة فى حياتهم التى تلقوا فيه أول تقدير مبدئى عن حجم الخسائر المصرية فى العملية حتى الآن.
وكانت الخسائر فى عملية العبور هى استشهاد 64 بطلا إلى جانب 420 جريحا وقد أصيبت 17 دبابة، وتعطلت 26 عربة مدرعة وكان ذلك لا يصدق فقد كانت كل التقديرات العلمية عن الخسائر المحتملة فى العبور تصل بها إلى عشرات ألوف من الشهداء والجرحى حتى إن الرئيس السادات ومن حوله من القادة كانوا يتبادلون النظرات وهم لا يكادون يتصورون واقع ماجرى أمام أعينهم كانت بكل المقاييس ضربا من المعجزات بل كانت بحق هى معجزة البشر.