السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

د.منى الجرف القائم بأعمال رئيس جهاز المنافسة فى حوار خاص لـ: «الاحتكار» ليس جريمة.. وفتح السوق للقطاع الخاص الأساس لضمان المنافسة

د.منى الجرف القائم بأعمال رئيس جهاز المنافسة فى حوار خاص لـ: «الاحتكار» ليس جريمة.. وفتح السوق للقطاع الخاص الأساس لضمان المنافسة
د.منى الجرف القائم بأعمال رئيس جهاز المنافسة فى حوار خاص لـ: «الاحتكار» ليس جريمة.. وفتح السوق للقطاع الخاص الأساس لضمان المنافسة




حوار: أحمد زغلول

 

نظرًا لأهمية ضمان المنافسة بين الشركات فى الفترة المقبلة ومواجهة الممارسات الاحتكارية ، فقد كان من الضرورى إجراء هذا الحوار مع  د.منى الجرف، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والقائم بأعمال رئيس جهاز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية،  للوقوف على إمكانيات الجهاز وقدرته على  مواجهة التحديات المستقبلية.. وكذا وضع المنافسة فى الوقت الراهن.. وتأثيرات برنامج الإصلاح الاقتصادى على فتح السوق لخلق منافسة حقيقية.. وفيما يلى نص الحوار:

■ فى البداية كيف ترين دور المنافسة وأهميتها للاقتصاد فى الفترة المقبلة؟
- من المهم وضع المنافسة فى إطارها الصحيح.. وتوضيح مفهومها الحقيقى.. فالمجتمع المصرى يربط بين المنافسة واحتكار السلع الأساسية مثلًا ..لكن ذلك ليس هو مفهوم المنافسة.. لأنه ببساطة أن تكون هناك قواعد واحدة تعمل فى إطارها كافة الشركات سواء كانت حكومية أو قطاع خاص.. فذلك هو الذى يمكن أن يطمئن المستثمر الأجنبى والمحلى أيضًا.. ويدفع حركة الاستثمار خطوات كبيرة للأمام .
فالمنافسة هى التى تضمن دخول المستثمر للسوق، وهو غير قلق .. فالكل يعمل وفق نفس الشروط والقواعد، ولو نظرنا إلى الدستور سنجده ينص على أهميتها، فهى الأساس إذا أردنا أن نعزز من حجم الاستثمار ونرفع معدلات النمو الاقتصادى إلى مستويات تتماشى مع طموحاتنا.
وهناك اهتمام كبير من المؤسسات الدولية والشركاء الأجانب بضرورة تعزيز المنافسة فى السوق، وقد أكد صندوق النقد الدولى فى آخر مراجعة له للاقتصاد المصرى بغرض ضخ شريحة من قرض الـ 12 مليار دولار على ضرورة أن يتم فتح السوق بشكل أكبر من خلال ضمان المنافسة العادلة.
■  لكن حينما يتم فتح المجال للقطاع الخاص فى أحد القطاعات ويسيطر عليه.. تكون النتيجة ممارسات احتكارية ورفع الأسعار فما الحل؟
- لا أنفى عن شركات القطاع الخاص القيام بممارسات احتكارية .. لكن هذه الممارسات يواجهها القانون .. وهذا هو دور جهاز حماية المنافسة.. وقد قمنا بتعديل القانون وغلظنا العقوبات حتى تكون رادعًا قويًا.. ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نسىء النية فى القطاع الخاص، فذلك يتعارض مع خطط الدولة للتنمية الاقتصادية، حيث لابد أن تتاح الفرصة للقطاع الخاص مثلما تتاح للشركات الحكومية دون تمييز.. لأن ذلك هو الذى يضمن زيادة كبيرة فى حجم الاستثمار.
أما الممارسات الاحتكارية ومواجهتها فذلك دور جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ..  وإن كانت هناك تحديات يواجهها الجهاز.. لكن فى النهاية لا يمكن التفكير فى تحجيم القطاع الخاص.. فالشركات الحكومية أيضًا تقوم بممارسات احتكارية.. وهناك قضية المصرية للاتصالات مؤخرًا والتى قامت بممارسة احتكارية استدعت أن يفرض الجهاز عليها غرامة.
■ وماذا عن قوة جهاز المنافسة وقدرته على ضبط السوق.. خاصة أن هناك اتهامات لأجهزة الرقابة على السوق بالضعف؟
- جهاز المنافسة يبذل جهدًا كبيرًا من أجل مواجهة الممارسات الاحتكارية بالسوق.. وقد استطاع منذ 2012  تحريك قضايا بخمسة أضعاف ما تم قبل ذلك ومنذ إنشاء الجهاز فى 2005.. ولا يمكن أن نقول أن الجهاز ضعيف.. لكن هناك حاجة لتقويته بالشكل الذى يضمن تعظيم قدرته على مواجهة الممارسات الاحتكارية فى الفترة المقبلة، لأن القادم أصعب.. فمع خطط الدولة لفتح السوق من أجل إحداث النمو الاقتصادى المطلوب.. سيكون المطلوب من الجهاز جهودًا مضاعفة من أجل تقوية قدرة السوق على اجتذاب المستثمرين .
وضمن أهم التحديات التى يواجهها الجهاز..  عدم وجود ما يكفى من المتخصصين.. حيث يبلغ عدد العاملين بالجهاز 45 موظفًا.. منهم 15 فقط هم الذين يضطلعون بمهام بحث ملفات حالات الممارسات الاحتكارية، ويصعب على الجهاز حاليًا التعاقد مع موظفين جدد متخصصين فى قضايا الاحتكار.. حيث تم تخضيعه لقانون الخدمة المدنية، وأصبحت هناك قواعد وحدود مالية للعقود تجعل من الصعوبة التعاقد مع موظفين جدد، كما فقد الجهاز الكثير من المتخصصين الذين يحملون درجات علمية عالية فى مجالات حماية المنافسة حصلوا عليها من جامعات فى الخارج.. بسبب الصعوبات التى يواجهها الجهاز فى التعاقدات.. ومن ثم فإنه من الضرورى أن تكون هناك اللائحة الخاصة بالجهاز فيما يخص تعاقداته لجذب مزيد من الكفاءات إليه.
وهنا لابد أن أشير إلى أن المشكلة ليست مشكلة ميزانية.. لكن المشكلة فى عدم قدرة إدارة الجهاز فى الاستفادة من هذه الميزانية بالشكل الأمثل فى تعزيز قدراته وإدخال كفاءات جديدة للعمل به.
■ وماذا عن «قانون المنافسة».. وهل هناك حاجة لمزيد من التعديلات عليه؟
- قانون المنافسة، قانون جنائى.. أى لا يمكن توقيع أيّة غرامة على حالات الممارسات الاحتكارية إلا بحكم قضائى.. ولذلك فإن فى بعض الأحيان يتأخر صدور الحكم نظرًا لعدم قدرة الجهاز على توقيع الغرامات بشكل مباشر، وهنا فإننا نقترح ضرورة أن تكون هناك لجنة قضائية داخل الجهاز، بحيث تضمن أن يتم توقيع الغرامات على المتلاعبين بشكل سريع.
وفى الدول الأوروبية يتم العمل وفق هذا النظام.. فتكون هناك دائرة قضائية أو لجنة متخصصة داخل أجهزة منع الممارسات الاحتكارية.. أما الوضع لدينا فى الوقت الراهن فيسمح بامتداد فترات التقاضى لفترات طويلة.
وهنا أيضًا لابد من الإشارة أيضًا إلى أن القانون تم تعديله مرتين وهو صادر فى 2005 ، وأول تعديل له كان فى 2008 والثانى فى 2014، وثمة أهمية لتعديل القانون فى الفترة المقبلة ليتماشى مع المستجدات التى تشهدها السوق، ولأن بقاء القانون كما هو لفترة طويلة يجعل هناك ثغرات ومستفيدون من عدم تعديله، لذا فيتوجب أن يتم تعديل القانون بحيث يستطيع أن يواجه المحتكرين والمتلاعبين.
أما الأهم من القانون هو أن تضمن الدولة المنافسة العادلة بين كافة الشركات فى السوق.. أما دور القانون فهو كشف المخالفات والتعامل معها لضمان عدم الإضرار بالمنافسة.
■ هناك كثيرون يخلطون بين حماية المستهلك ومنع الاحتكار .. ما الفرق بين آلية عمل الجهازين؟
- بالطبع هناك فرق كبير بين آلية العمل فى الجهازين.. وإن كان سبب الخلط هو أن عمل الجهازين يصب فى النهاية فى صالح المستهلك والسوق، لكن دور جهاز حماية المستهلك يتمثل فى مواجهة البضائع المغشوشة ومنتهية الصلاحية وتلك التى تم فع أسعارها بدون وجه حق.. فيتلقى الجهاز الشكوى.. ولديه ضبطية قضائية.. فيتحرى عن المخالفة ويحيلها إلى لجنة مسئولة.. أما جهاز المنافسة ومنع الاحتكار فإن طريقة عمله مختلفة فإن تلقى شكوى فإنه يقوم بدراسة مستفيضة، ويجمع الأدلة والمعلومات عن السلعة والشركات محل المخالفة.. وبعد دراسة قانونية وسوقية مستفضية يتم إحالة المخالفة إلى القضاء.
لكن الأهم هنا أن هناك أيضًا من يخلطون بين دور جهاز المنافسة وبين دور وزارة التموين فى مواجهة احتكار السلع الأساسية والتموينية .. فمثلًا تخزين السلع الأساسية للإضرار بالسوق هو دور وزارة التموين وهى لديها الآليات لمواجهته، أما دور جهاز المنافسة فهو مواجهة الممارسات الاحتكارية.. والاتفاقات بين المنتجين والتجار التى تضر السوق وتوقع الضرر على المستهلك وتقلص من المنافسة بالسوق.
والاحتكار فى حد ذاته مثلًا ليس مخالفة.. فلا يمكن أن نعاقب شركة لأنها هى الوحيدة التى تستورد سلعة بعينها أو تنتج سلعة ينصرف عن إنتاجها الآخرون.
■ كيف لا نعتبر المحتكر مخالفًا.. وهو بسيطرته يمكن أن يخفض الأسعار بالشكل الذى لا تقدر أن تجاريه فيه الشركات الصغيرة؟
- المحتكر ليس ذنبه أن لا أحد غيره يقوم بتأدية خدمة معينة، أو ليس ذنبه أنه اجتهد وكافح من أجل أن تكبر شركته وتصير شركة عملاقة.. فليس دورنا أن نحد من طموحات المستثمرين والشركات.. لكن فى حالة قيام المحتكر باتخاذ أيّة إجراءات يمكن أن تضر غيره مثل خفض الأسعار إلى أقل من السعر التوازنى للشركات الأخرى العاملة بالسوق، فإن ذلك يعد ممارسة احتكارية وتقتضى معاقبته.
فالاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة أمر مهم للغاية.. لكن أيضًا لابد من الاهتمام بالمشروعات العملاقة، لأن دورها كبير فى الاقتصاد.. وليس من المنطقى التضييق عليها حتى تظل فى حجم معين.. فذلك يتعارض مع جهود الإصلاح الاقتصادى.
الشركة المصرية للاتصالات مثلًا هى المسيطر والمحتكر للبنية التحتية للاتصالات فى مصر.. فهل أعاقبها على ذلك ؟.. بالطبع لا فليس ذنبها أن غيرها من الشركات لم تقدم على عمل البنية التحتية الخاصة بها.. لكن عندما قامت «المصرية للاتصالات» بتغيير الكابلات من النحاس إلى الفايبر.. قامت بقطع الخدمة عن شركات أخرى وتسببت فى فقدان الكثير من العملاء بالنسبة للشركات الأخرى المستأجرة لبنيتها التحتية.. وهنا وقعت المخالفة.. فذلك يعد ممارسة احتكارية اقتضت من الجهاز توقيع غرامة على شركة المصرية للاتصالات.
■ هناك دائمًا انتقادات مفادها أن العقاب الذى يقع على المخالفين فى السوق لا يتناسب مع حجم المخالفات.. كيف ترين ذلك ؟
- أولًا أنا ضد أن تمتد العقوبات فى مخالفات الممارسات الاحتكارية إلى السجن.. فالسجن لن يحل المشكلة.. بل يعقدها.. لكن المهم أن تكون الغرامات رادعة .. وفى الفترة الأخيرة تم فرض غرامة 5 مليارات جنيه على عدد من شركات تجارة الأدوية بسبب ممارسات احتكارية.. وهذه طفرة فى قيمة الغرامات الموقعة على هذه المخالفات.
وفى سنوات ماضية كانت قيمة الغرامات أقل .. لكن تعديل القانون غلظ من العقوبات وجعلها نسبة من الإيرادات.. وإذا لم تتوفر بيانات بشأن ذلك فتفرض قيمة، وفى قضية شركات تجارة الأدوية تم فرض الحد الأقصى من العقوبة .
وأرى أن تغليظ العقوبات بزيادة الغرامات أمر مهم لردع الشركات المخالفة.. لكن زيادة الغرامات لابد أن تكون تدريجية.. فهناك شركات فى السوق فى الوقت الراهن ليس لديها ما يكفى من الوعى بشأن الممارسات الاحتكارية.. فنحن حديثو العهد فى تطبيق قانون المنافسة ومنع الاحتكار.. فى حين أن هناك دولًا مثل الدول الأوروبية تطبق القواعد الحاكمة للمنافسة  منذ ما يزيد على 120 عامًا.
■ كيف ترين تأثير برنامج الإصلاح الاقتصادى والإصلاحات التشريعية وما يتم انتهاجه من سياسات على المنافسة بالسوق؟
- بالطبع كل الإجراءات لا يختلف عليها اثنان.. وإن كانت لى رؤية معينة بشأن طريقة تنفيذ تحرير سعر الصرف.. لكن بصفة عامة فإن برنامج الإصلاح الاقتصادى وما يشمله من إجراءات وإصلاحات تشريعية كإصدار قانون التراخيص الصناعية وقانون الاستثمار يساهم بشكل كبير فى فتح السوق أمام المستثمرين.. ومن ثم فإنه يعزز من المنافسة.
ولو نظرنا بشكل أكثر تحديدًا، فإنه على المستوى النظرى هناك اهتمام بالمنافسة.. فقد أقر الدستور فى إحدى مواده أهمية المنافسة فى السوق.. كما تؤكد استراتيجية الدولة 2030  ضرورة تقوية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية من أجل إحداث النمو الاقتصادى المطلوب.
وعلى المستوى العملى فإن فتح الباب أمام القطاع الخاص فى قطاعى الغاز والكهرباء يعد من الأمور المبشرة. وكذا تغليظ العقوبات وسرعة فحص القضايا.. ومن ثم فهناك تحركات عملية جيدة.. لكن الأمر الذى لابد من الإشارة إليه أن التحديات المقبلة كبيرة، فمع زيادة مساحة المنافسة، تزيد المسئولية على جهاز المنافسة ومنع الاحتكار.. لذا فلابد من تقوية الجهاز بالشكل الذى يضمن قدرته على حفظ الاتزان بالسوق ومواجهة أيّة ممارسات احتكارية.
■ تحدثتى عن عدم وجود وعى كاف بشأن المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.. ما الذى يقدمه الجهاز فى هذ الإطار؟ وما المحفزات للإبلاغ عن المخالفات؟
- هناك اهتمام من جانب الجهاز بنشر الوعى سواء من خلال المؤتمرات أو اللقاءات أو الإعلام.. لكن الحديث عن المنافسة ومنع الاحتكار ليس سهلًا على كل المواطنين.. ولذا فنحن نحاول الوصول إلى الشريحة المهمة فى هذا الشأن وفى مقدمتها المستثمرون.. أما فيما يخص المحفزات للإبلاغ عن المخالفات.. فهناك حافز كبير يقدمه القانون للمبلغ عن اتفاق يضر بالمنافسة بين الشركات.. حيث يمنح القانون إعفاءً وجوبيًا من العقوبة للمبلغ.. وذلك بعد أن تم تعديل القانون حيث كان سابقًا يمنح إعفاءً جزئيًا.