الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الأخوان» و«الحماة» رحلة فى عوالم الأدب الرومانى

«الأخوان» و«الحماة» رحلة فى عوالم الأدب الرومانى
«الأخوان» و«الحماة» رحلة فى عوالم الأدب الرومانى




كتب - خالد بيومى

عن سلسلة «من المسرح العالمي» ضمن إصدارات المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب بالكويت صدرت بداية العام الجارى الترجمة العربية لمسرحيتى «الأخوان» و«الحماة» اللتان تمثلان واسطة العقد فى مجمل الإنتاج المسرحى لترنتيوس ونقلهما للعربية الدكتور عبد المعطى شعرواى أستاذ الدراسات اليونانية واللاتينية المتفرغ بجامعة القاهرة، وقدمها الدكتور حاتم ربيع حسن أستاذ المسرح بجامعة عين شمس الذى يرى ترنتيوس شاعراً لا يُشق له غبار وعلامة فارقة فى تاريخ المسرح الرومانى ، حيث اختط لنفسه نهجاً فى الكتابة بوصفه آلية مسرحية يختف عن نهج الرواد أمثال: يوربيدوس ومناندروس وبلاوتوس.ولم يكن البرولوج عنده سوى الدفاع عن نفسه ،وليس تقديم فكرة موجزة عن العمل جرياً على العادة.
وعن نشأة ترنتيوس كتب الدكتور عبد المعطى شعراوى فى مقدمته أنه ولد فى قرطاجة ( 185- 184 ق.م) وساقه القدر إلى روما عبداً؛ إذ آلت ملكيته إلى عضو مجلس الشيوخ ترنتيوس لوكانوس، الذى أبدى إعجابه بما يتوفر فى هذا الفتى من ذكاء وحسن طلعة، فهيأ له قسطًا من التعليم ومنحه حريته.
وقد عرضت مسرحية «الأخوان» فى عام 160ق.م . وتقارن المسرحية بين نمطين متناقضين فى تنشئة الصغار، وترصد النموذجين المتمثلين فى الشقيقين «ديميا» و«ميكيو»، فنرى ديميا من ناحية رجلاً تزوج وعاش فى الريف وأنجب ولدين، وقد اكتسب صفات أهل الريف من حيث الميل إلى الدعة والهدوء والاستقرار والتحفظ وضيق ذات اليد لكنه نموذج للأب القاسي، فقد كانت قسوته لا يتصورها عقل فى تربية كتيسيفو، وظل لا يعلم شيئاً عن موضوع حب كتيسيفو لكنه فى النهاية يصبح مثيرًا للشفقة والعطف، فى المقابل نرى ميكو،ذلك الأعزب الذى يعيش فى المدينة بكل ما فيها من صخب ورغد عيش، لاسيما إذا كانت هذه المدينة هى أثينا بما عُرف عنها من لهو ومجون.
ويرسل ديميا، الذى يعيش فى الريف، ابنه الأكبر «أيسخينوس» ليعيش فى المدينة مع عمه ميكيو، ويبقى الولد الأصغر كتيسيفو مع أبيه فى الريف.وينزلق الشابان فى قصتى حب؛ يقع أيسخينوس فى حب فتاة  أثينية يتيمة «بامفيلا»، حملت منه سفاحاً، ونعرف من بداية المسرحية أنها ستضع حملها بين لحظة وأخرى، وعلى الرغم من تعرضها للاعتداء فإنها تتسم بالطيبة والفضيلة. أما كتيسيفو فيقع فى حب محظية يملكها النخاس سانيو، ولكنه يعانى الحرمان والعوز مع والده المتقشف، بما لا يمكنه من دفع مال للقواد نظير الحصول على الفتاة، فيضطر إلى اختطافها ويقوم شقيقه أيسخينوس بتنفيذ هذه المهمة.
وتتصاعد الأحداث عندما تعلم والدة الفتاة «سوستراتا» خبر اختطاف الفتاة على يد أيسخينوس فى الوقت الذى بدأت آلام المخاض تداهم ابنتها، وتعبث الظنون برأسها لتقول لنفسها إن أيسخينوس حنث فى الوعد الذى قطعه على نفسه، ثم نصل إلى ذروة ما يعرف بتبدل الأدوار الذى يتجلى فيما يبديه ديميا من عطف وشهامة ويشرع فى إتمام مراسم الزواج بحضور بامفيلا إلى منزل ميكيو ويقترح على شقيقه ميكيو الزواج من سوستراتا الأرملة العجوز.
أما مسرحية « الحماة» فقد عرضت لأول مرة عام 165ق.م وتدور أحداثها حول الشاب بامفيلوس «ابن لاخيس» الذى كان قبل زواجه من فيلومينا،على علاقة بمحظية تدعى باخيس التى أكد لها مرارًا أنه لن يتزوج مطلقاً ما دامت على قيد الحياة . وقد تزوج من فيلومينا نزولاً على رغبة والده، ونراه يتحين الفرص لهجر زوجته لبعض الوقت،فيذهب ذات رحلة للنظر فى أمر إرث العائلة. وعلى غير المعتاد تبدأ المسرحية بقصة زواج تم بالفعل ولا يوجد صراع وتصاعد للأحداث التى تتوج بإتمام هذا الزواج بين عاشقين ،ولذلك تعد المسرحية خروجاً عن المألوف لدى ترنتيوس وفى مجمل الأعمال الكوميدية هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى هناك تجاوز للنمط المألوف عن شخصية الحماة فى الكوميديا، التى تبدو فى الغالب مصدر إزعاج ،حيث نرى سوستراتا «أم بامفيلوس» تلك الشخصية المسالمة الوديعة التى تؤثر راحة ابنها وراحة باله على راحتها الشخصية ، وتقرر الابتعاد عن البيت لتعيش فى الريف.
وتتفاقم الأحداث بعودة بامفيلوس،وتلد له فيلومينا ولداً،فيزداد ابتعاداً عن زوجته،لأنه يعلم يقيناً أن هذا الابن ليس من صلبه دونما أن يصرح لأحد بذلك. وعندما تذهب باخيس لمقابلة أم فيلومينا، ترى مصادفة فى يدها خاتم ابنتها فيلومينا،وتتكشف الأمور شيئاً فشيئاً، وتخبرها بأن بامفيلوس قدمه هدية لها،وأخبرها أنه انتزعه من يد فتاة كان قد اعتدى على شرفها من قبل، ومن ثم يتأكد بامفيلوس أنه والد الطفل ويعود الوئام لأسرته.وباخيس تعد تجسيداً للفاسقة الفاضلة . والمعروف أن الفاسقة عموماً اشتهرت بالجشع وسوء الخلق التى عادة ما تكون السبب الرئيس فى الخلاف بين شاب وأبيه أو بين زوج وزوجته، لنكتشف أنها أداة لحل العقدة الدرامية وليست سببًا فيها على الإطلاق،وتعلن للجميع أنه ليس له يد فى تلك المشكلة وتذهب على الفور لمقابلة أم فيلومينا.
وقد ترك ترنتيوس أثراً واضحاً فى الكوميديا الأوروبية سيما فى عصر النهضة وما بعده وقد استلهم كتاب الكوميديا الإنجليزية،خاصة شيكسبير، مسرحياتهم الكلاسيكية إما بصورة مباشرة من المسرحيات الرومانية،أو بصورة غير مباشرة من خلال الكوميديا الإيطالية والألمانية والفرنسية.