الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«جهاز جلب الحبيب» قصص ترسم ملامح المجتمع

«جهاز جلب الحبيب» قصص ترسم ملامح المجتمع
«جهاز جلب الحبيب» قصص ترسم ملامح المجتمع




 بأسلوب سردى شيق تأخذنا المتتالية القصصية «جهاز جلب الحبيب» للفنان والكاتب حسن الحلوجي، والتى تتناول السلوك الاجتماعى للمجتمع المصري، وتأتى  فى إطار مشروع «تسجيلات شخصية من مصر» والذى يعد مشروعًا فنيًا متعددً التخصصات. تولى الرؤية فنية والتصميم للكتاب الفنان محمد علام، الذى نُفذها فى إطار مشروع «تسجيلات شخصية من مصر»،  لعام 2018، بمنحة من المورد الثقافي، لإنتاج قصة مستلهمة من المواد الفيلمية المسجلة على شرائط فيديو vhs   قديمة والتى بها تسجيلات شخصية معظمها لأفراد مجهولين قاموا بالاستغناء عن تلك التسجيلات لأسباب مختلفة، من نهاية السبعينيات وحتى بداية الألفية، تتنوع موضوعاتها ما بين حفلات زفاف وأعياد ميلاد ومناسبات أخرى سواء عامة أو خاصة، وتقود هذه الشرائط إلى أعمال فنية تحمل تساؤلات وأجوبة كثيرة عن طبيعة الحياة الاجتماعية وتفاصيلها، بكافة طبقاتها فى مصر فى تلك الفترة.
تضم المجموعة القصصية عدة قصص متوالية منفصلة ومتصلة فى آن واحد تضمها ثلاثة أجزاء رئيسة، أولاها بعنوان «حكاية جهاز الفيديو القديم»، وثانيها بعنوان «حكاية الولد الذى كبر»، والثالثة بعنوان «حكاية الشريط»، وتبدأ المجموعة القصصية بحوار متخيل بطله شخصية السارد الذى يكشف عن شغف أبيه بتسجيل لحظات حياته بحلوها ومرها ومن ثم كان شراؤه لجهاز الفيديو بعد سنوات من العمل فى السعودية، ذلك الشيء «القادر على رواية الماضى باستفاضة لاتقدر على وصفها ذاكرة البشر صوتا وصورة، يدور الشريط فتصحو رغبتنا فى الحكى الممزوج بالحنين وبمتعة استرجاع القصص والأفلام، والمناسبات المصورة المطعمة بالموسيقى وبالشخصيات الحية».
ومن ثم يواصل السارد وصف جهاز الفيديو «لكن صدمة التكنولوجيا أصابته، فنسى على الرف لسنوات، محروما من شرائطه التى على شكل صناديق سوداء تشبه الكتب، لا يجد ونيسا فى وقت فراغه الطويل، حتى اكتشفنى واكتشفته».
وبعد وقت من محاولات الاستكشاف والتواصل المتبادل «نظر لى جهاز الفيديو متوددا بوجهه المألوف، ورأيت فى عيونه رغبة أن يحكى لى مالم تسجله أو تعرضه أشرطته، عن أناس عرفهم أو سمع عنهم، فارتبط بقصصهم»
ومن هنا يستمر التواصل مابين السارد وجهاز الفيديو الذى يكشف له عن دوره فى تعرف أبيه على أمه فى إحدى قاعات الأفراح،  حين ألحت الجدة على والده أن يصطحبها لزيارة ابنة خالته التى تزوجت أثناء سفره ولم يستطع حضور زفافها، وهناك شاهد جزءا من فيديو زفافها الذى لم يحضره، إلى جوار الجدة كانت تجلس صاحبة العروس ودفعتها فى الكلية والتى وصفتها متبرعة «لسه ماتجوزتش»، وبعد أقل من شهر كانت قراءة فاتحة الأب والأم.
من خلال ذاكرة شرائط الفيديو تستمر أحداث المجموعة القصصية والقصص المتبادلة لذكريات تلك الأسرة الصغيرة والتى طوى بعضها النسيان،  وتتبادل الجدة مع ابنها دور البطولة فى استرجاع تلك الذكريات «دعت جدتك جاراتها وصديقاتها لمشاهدة فرح أبيك، وفى كل مرة شاهدَته بعدها كانت تسترجع تفصيلة جديدة أو تعليقا جديدا وكأنها تشاهد من فيه لأول مرة، شعرت جدتك أنها بطلة الحدث من بدايته، فعلى شرفها تعارف العروسان، وعلى شرفها دارت كل الأحداث التالية».
ومن خلال تنوع وتعدد الحوارات بين شخوص المجموعة القصصية وجهاز الفيديو تستمر الأحداث فى الحصول والوقوع بشكل متتابع وشيق يشد القارئ خاصة أنها تتناول أفكار ومعتقدات مرحلة اجتماعية هامة من عمر المجتمع المصرى خلال فترات الانفتاح والتطور التكنولوجي، وتضم المجموعة القصصية لقطات ملونة من بعض المشاهد التى جاءت فى أشرطة الفيديو vhs  القديمة تم توظيفها إخراجيا لتأخذ القارئ فى رحلة خارج إطار المألوف والسائد.
حول فكرة المشروع الفنى يقول الفنان محمد علام: «قمت بدعوة صديقى الكاتب حسن الحلوجى كى يشاركنى مشروع تسجيلات شخصية من مصر، لإنتاج قصة مستلهمة من مشاهدة العديد من المواد الفيلمية المسجلة على شرائط فيديو vhs، والتى بها تسجيلات شخصية معظمها لأفراد مجهولين قاموا بالاستغناء عن تلك التسجيلات لأسباب مختلفة، ووصلت تلك الشرائط إلى أكشاك وفرشات الخردة ليعاد تصنيعها ربما. ومن خلال مشروع سابق كنت أقوم بجمع شرائط فيديو vhs من أسواق الخردة وبعض الأصدقاء، ونجحتُ فى جمع أكثر من ٤٠٠٠ شريط فيديو، لكنى قمت فقط باستخدام ما يقرب من ٢٥٠ شريطا. ما تبقى من تلك الآلاف بها فقط بعض المئات من الشرائط التى تحتوى على مواد وتسجيلات شخصية لمصريين على مدى عقود مختلفة (من نهاية السبعينيات وحتى بداية الألفية) ما بين حفلات زفاف وأعياد ميلاد ومناسبات عامة وخاصة أخرى. تقود هذه الشرائط إلى أعمال فنية تحمل تساؤلات وأجوبة كثيرة عن طبيعة الحياة الاجتماعية بكافة طبقاتها فى مصر فى تلك الفترة (من أواخر السبعينيات حتى منتصف الألفية) بكل تفاصيلها: أماكن، علاقات اجتماعية، مناسبات عامة وخاصة، ملابس، أغانٍ، رقص، أشخاص، أهل، أصدقاء، أقارب، وغيرهم».
يكمل: «كانت تقنية الـ vhsبمثابة انفراجة كبيرة فى عالم التكنولوجيا آنذاك، حيث إنها أول تقنية سمحت، بطريقة سهلة وبأسعار رخيصة، بتسجيل وحفظ الأحداث الشخصية بالصوت والصورة، لذلك انكبّ الناس على استهلاكها والتشبع منها ومحاولة حفظ ذكرياتهم بواسطتها، بل أيضا حفظ المواد الترفيهية من التليفزيون لمشاهدتها فى أوقات اخرى. لقد كانت الوسيلة الشعبية الوحيدة قبل ظهور عالم الإنترنت. شاهدنا سويًا (أنا وحسن) العديد من هذه المواد وتناقشنا كثيرًا حولها ثم قمت بتحويل البعض منها إلى ملفات رقمية حتى يتسنى له الاحتفاظ بها وإعادة مشاهدتها قدر الإمكان، كذلك يضم المشروع إنتاج فيديو تجريبى يحتوى على فصول مكوّنة من مجموعة من المواد الأرشيفية، بالإضافة إلى إنتاج مواد جديدة حيث تتلاشى الحواجز والفواصل بين ما هو مسجل وموثق وما قمت بإعادة إنتاجه».
جدير بالذكر أن الكاتب حسن الحلوجي، كاتب وفنان تشكيلي، حصل على بكالوريوس الدراما من أكاديمية الفنون عام ٢٠٠٠، بدأ الكتابة فى جريدة القاهرة عام ٢٠٠٤، تزامنًا مع نشاطه التشكيلى فى معارض قومية مثل: صالون الشباب، وصالون الأعمال الصغيرة، وصُدر له عدة مؤلفات أدبية، منها: «صور قديمة» ٢٠٠٧، و«تسعيناتي» 2012، و«كتاب الممنوعات» 2017.
أمًا محمد علام، مصمم المشروع، هو فنان بصري، ولد فى أسيوط وتخرج فى كلية التربية الفنية ويدير حاليا مؤسسة مدرار، تتناول أعماله مفاهيم اجتماعية وسياسية، فى إطار تجريبى ساخر، مستخدمًا وسائط مختلفة مثل الفيديو والأداء والصوت، كما شارك منذ عام ٢٠٠٣، فى عدة أحداث ومعارض فى بلدان متعددة بجانب القاهرة مثل: شتوتغارت، وبرلين، وروما، وجوهانسبرج، وكاليفورنيا، وطوكيو والمغرب، وتونس، ومدن أخرى.