الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القلعة كنز صلاح الدين لا يدر ذهبًا

القلعة كنز صلاح الدين لا يدر ذهبًا
القلعة كنز صلاح الدين لا يدر ذهبًا




لا أحد ينكر أن مصر بعد أحداث ثورة يناير 2011 مرت بظروف صعبة، ما ألقى بتبعيات سلبية على قطاعات حيوية كثيرة ومنها الآثار التى تضررت كثيرا بما حدث من انخفاض حاد فى إيرادات المناطق الأثرية والمتاحف، ما جعل وزارة الآثار ضمن جهود الدولة تعمل على معالجة ذلك، عبر مشاريع لتطوير الكثير من الكنوز الأثرية والتاريخية التى كتب التاريخ لمصر أن تحوزها.
وتعد قلعة صلاح الدين الأيوبى أحد هذه الكنوز، والتى يمكنها بمزيد من الاهتمام وبمشروع قوى وقومى للتطوير أن تحقق طفرة فى دخل وزارة الآثار، حيث إن مساحة القلعة وما بها من مبانى أثرية لو تم التعامل معها واستغلالها سياحيا بشكل جيد ستحقق دخلا ماديا كبيرا، وهو ما يؤكده أهل الاختصاص من علماء الآثار والعاملين فى الحقل الأثرى.
 وتمتلك القلعة عدة ميزات مهمة تؤهلها لذلك، خاصة تنوع المنشآت الأثرية بداخلها والكثير منها غير مستغل مع اختلاف حالته الإنشائية والمعمارية وحاجته الماسة للترميم، كذلك تنوع العصور التاريخية التى تنتمى إليها تلك المبانى والمنشآت، كذلك اتساع مساحة القلعة مما يمكن استغلاله فى أنشطة وفعاليات كثيرة تحقق أرباحا وتحدث رواجا سياحيا كبيرا، وذلك يتحقق بالفعل بصورة ما من خلال مهرجان محكى القلعة السنوى للموسيقى والغناء، والذى أصبح فرصة كبيرة بعد اعتماده دوليا ليكون أداة لتحقيق جذب سياحى كبير لمصر.
د.جمال مصطفى الرئيس الحالى لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية كان يتولى قبل ذلك منصب مدير عام القلعة، وقد أكد لى ما سبق، وذلك عبر بحث قاموا به تضمن إحصائية للمبانى الأثرية والتاريخية المماثلة لقلعة صلاح الدين فى العالم وما تحققه من إيرادات، وقال: إننا وجدناها تحقق أرقاما فلكية، فى حين أننا لدينا فى مصر مبانى تراثية بالقلعة بحالتها وأصلها وتفاصيلها، فى حين أن القلاع الأخرى بالعالم تهدمت وأعيد بناؤها، وهى نقطة تفوق لنا يمكننا عبرها تحقيق مكاسب كبيرة.
بدورنا كعادتنا فى “روز اليوسف” قررنا القيام بجولة فى القلعة، لرصد ما يمكن به التحقق من ذلك خاصة منشآتها التى تحتاج لترميم، ومنها القصر الأحمر وقصر الجوهرة وسراى العدل،  ووجدنا أن الحالة المعمارية للثلاثة صعبة لكنها ليست خطيرة على الأقل بالنسبة للأحمر والجوهرة،  عكس سرايا العدل الذى وجدناه بالفعل حالته تتسم بشىء من الخطورة، وبالبحث أنه كان هناك مشروع ترميم للجوهرة تم طرحه وترسيته على إحدى الشركات، لكن الأزمة المالية التى تعانى منها وزارة الآثار أجلت المشروع، وهو ما ينطبق على سراى العدل الملاصق للقصر.
وهناك أيضا منطقة باب العزب التى تتبع القلعة لكنها فى مستوى منخفض عن بقية المبانى،  وهى مهملة منذ سنوات طويلة، وإن كان مسئولى الآثار منذ سنوات يحاولون إنقاذها من حالتها الرثة وتطويرها، إلا أن ذلك يصطدم بالتكلفة المالية الضخمة التى يحتاجها تطوير باب العزب، والمفارقة أنه أثناء ما كان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق فى منصبه والآثار حينها كانت تابعة للثقافة، كانت لديه رؤية لإقامة فندق كبير عليها, وكان هناك مشروع مقدم بالفعل من إيطاليا لذلك، وأجريت له دراسات كبيرة تكلفت مبالغ مالية ضخمة؛ حيث كان جاهزا للتنفيذ، لكن اعتراضات كثيرة طفت حينها على السطح، لدرجة أن عددا من المثقفين فى ذلك الوقت رفعوا قضية لدى المحاكم ضد المشروع الذى توقف بالفعل.
بعد جولتنا كان لا بد ان نلتقى ناجى محمود مدير عام منطقة آثار القلعة، الذى تحاورنا معه ووجدنا منه رحابة صدر فيما طرحناه عليه، وقال لنا: إن منطقة آثار القلعة تحتاج لنظرة أكبر وتوجه دولة ومشروع تطوير قومي، لأنها قادرة على أن تكون من المصادر الأساسية لزيادة دخل للآثار والدخل القومي، ولا أبالغ حين أقول إن القلعة هى هرم الآثار الإسلامية وتحتاج لاهتمام الدولة كلها.
وكشف لنا خلال حوارنا معه صدور القرار رقم 95 لعام 2018 لتسجيل القطع الأثرية الموجودة فى القلعة ومواقعها المختلفة، وينص القرار على حصر وجرد وتوثيق وتسجيل جميع القطع الأثرية الموجودة بالقاعات فى القلعة والمخازن والمتناثرة فى أماكن متفرقة، وستقوم اللجنة بالحصر فى البداية ثم التوثق، ويلى ذلك إجراء أعمال الترميم، وهناك بالفعل 182 قطعة أثرية تم نقلها إلى معمل الترميم بالقلعة وتم تعقيم القطع تمهيدا لإجراء أعمال الترميم لها، وبعد ذلك سيتم نقلها لقاعة مجهزة لتخزين هذه القطع بأحدث النظم على غرار المخازن المتحفية بشكل علمى أفضل مما كانت عليه.
وقال: إن القلعة بها قطع كثيرة جدا فى المخازن ومتناثرة فى الحدائق والمساحات المفتوحة بها، ومنها معروف مصدره ومنها لا، ومتنوعة ما بين فرعونى ويونانى رومانى وتيجان وبعض الأعمدة ومنها كنوز تحتاج لإلقاء الضور عليها، وكان منها رأس سنوسرت وكانت منقولة منذ فترة طويلة من المطرية للقلعة وعمود مرنبتاح، وقد تم نقلهما إلى المتحف المصرى الكبير.
وأكد أن اللجنة ستقوم بحصر القطع المتناثرة فى القلعة وفى المخازن ليعاد تخزينها وعرضها بشكل أفضل، حيث إن القلعة بها 4 مخازن للآثار بجانب مخزن خاص بالمتحف الإسلامي، واللجنة ستقوم أيضا بتسجيل القطع الأثرية فى سجلات الآثار، خاصة أننا لدينا قطع موثوق فيها بالفعل بالورق والسجلات، وقطع ذات قيمة لكننا نشك فى أثريتها وهناك لجنة تم تشكيلها للبت فى أثريتها، حيث إن القلعة على مدار عشرات السنين الماضية كانت تستقبل قطع أثرية من عدة جهات ومناطق تابعة للآثار وضبطيات، وحاليا عدد منها مشكوك فى اثريته ولهذا تم تشكيل اللجنة للبت فى ذلك.
وكشف أنه حاليا جار مشروع تطوير وترميم المتحف الحربى، وسيكون من عوامل الرواج والجذب السياحى القوية بعد افتتاحه، وهناك أيضًا منطقة بئر يوسف التى تم تشكيل لجنة لعملية تأهيلها وترميمها، وسيكون المشروع شاملا، بما يخدم توجه وزارة الآثار فى فتح الأماكن الأثرية المغلقة، حيث إننا ندرس فتحه للزيارة بعد ترميمه، حيث كان طوال فترة طويلة مغلقا وغير موضوع على جدول زيارة القلعة.
وأشار إلى أنه جار حاليا أيضًا ترميم مسجد محمد على، خاصة الترميم الدقيق لتنظيف الواجهات وما عليها من زخارف وكتابات، كذلك صحن الجامع وترميم النجف والستائر والسجاد الموجود فى المسجد، لافتا إلى أنه هناك أماكن كثيرة تحتاج ترميم، منها قصر الجوهرة الذى كان من المزارات، كذلك سرايا العدل وبالفعل جار إعداد مشروع لترميمه، حيث يحتاج لمشروع كبير لأن حالته صعبة وهو حاليا له مصلوب بالشدات والصلبات الحديدية، كذلك قصر الجوهرة الذى يحتاج مشروع ترميم معمارى وإنشائى وترميم دقيق.
أما القاعات السبع سألت مدير عام القلعة عنها، وقال: إنه كان هناك مشروع تطوير كبير وترميم شامل معدا لها، لكنه متوقف حاليا بسبب التمويل وخاطبنا قطاع التمويل لاسئتناف هذا المشروع، والذى سيتم عبر 200ألف دينار كويتى منحة للترميم، ومشكلة القاعات السبع أن محمد على باشا بنى عليها المسجد وقام بردم جزء منها، ومشروع الترميم يتضمن إزالة الرديم الذى وضعه محمد على لكن هناك تخوفات من أن يسبب ذلك خلخلة للمسجد.
وحاليا هناك دراسات نقوم بها بالتعاون مع شركة المقاولين العرب لهذه الجزئية، والقاعات حاليا مصلوبة ومدعمة من أسفل المسجد، والمشاورات والدراسات جارية لبحث استئناف المشروع، حيث تحتاج القاعات السبع بعد ترميمها لتسويقها وفتحها للزيارة وإعادة توظيفها مرة أخري، حيث تنتمى للعصر المملوكى وأنشأها الناصر محمد بن قلاوون وطرازها المعمارى عامل جذب جيد لها.
القلعة لها أيضا كما أخبرنا ناجى محمود مبنى المهندسخانة، وقد تم ترميمها وتحتاج لإعادة توظيف، وهو ما ينطبق أيضا على دار ضرب المسكوكات والنقود، أما مسجد سارية الجبل فجار حاليا له مشروع ترميم كبير، كما أن برج الساعة الشهير بالقلعة أصبح منظره سيئا، وفى حال انتهاء ترميمه يمكن فتحه للزيارة بتذكرة، ونبحث مع الإدارة المركزية للصيانة والترميم استئناف ترميمه المتوقف منذ نحو 15 سنة.
أما منطقة باب العزب التى تثير الأشجان بما عليه من إهمال يرجع لسنوات طويلة، فقد أكد مدير عام القلعة أنه حاليا توجد دراسة شاملة كاملة لوضعها الحالى وتوثيق للمبانى والآثار الموجودة فيها، وذلك كمقدمة لعملية تطوير شاملة للمكان وإزالة جميع الإشغالات والورش بها، وكل هذا سيتم عرضه على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية لعمل مشروع ترميم شامل لها.
وكشف عن مقترح جيد، يمكن من خلاله عمل مسار زيارة، يبدأ من مسجدى السلطان حسن والرفاعى المقابلين لباب العزب ومنه لزيارة القلعة، كما أن باب العزب هو المكان الذى حدثت بها مذبحة القلعة، ويمكن استغلال ذلك الحدث التاريخى فى جذب سياحى للقلعة كلها.