الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

السينما تنتصر لـ«القدرات الخاصة»

السينما تنتصر لـ«القدرات الخاصة»
السينما تنتصر لـ«القدرات الخاصة»




أوشك عام 2018على الانتهاء ويذهب معه عام حمل شعار «ذوى الاحتياجات أو القدرات الخاصة».. ورغم أن هناك عددا كبيرا من الفعاليات الثقافية والفنية التى اهتمت بهم وبإبراز مواهبهم بشكل خاص، إلا أن صورتهم التى تناولتها السينما المصرية على مدار العقود الماضية المختلفة لم تخرج عن صورة اجتماعية بشعة للتعامل مع هؤلاء، حيث تم استغلالهم ماديا وجسديا واستخدام اعاقتهم لأغراض سيئة.
بينما ركزت هذه الأعمال أيضا على أن هذا الشخص، وأن كان يتخيله المجتمع غير قادر على إثبات ذاته، فإنه ينتصر فى النهاية حتى ولو عن طريق الصدفة.. ولو أن أغلب هذه الأعمال أكدت على قسوة المجتمع فى التعامل معه وعزة نفسه ومحاربته فى مواصلة الحياة وإثبات ذاته. واهتمت سينما الواقعية تقديم معاناتهم وتهافت النجوم على تقديم تلك الادوار كلا منهم بجدارة.

كانت بداية سينما الستينيات والخمسينيات لم تكن تركز على معاناتهم إلا بإظهار نماذج فقدت بصرها أو أحد أطرافها بعد التعرض لحادث ما، وغالبا ما يتم تناوله ضمن القصة الرئيسية ومنها أفلام «ليلى فى الظلام» و«الشموع السوداء» و«قنديل أم هاشم» وغيرها. بينما تعرض فيلم «وحيدة» الذى أنتج عام 1961لمعاناة فتاة تعانى من ضعف السمع وترتدى سماعاتها الخاصة، ما يجعلها تخجل وتخفيها وراء شعرها وفستانها حتى لا تظهر امام الناس بها، وتضطرها الظروف لخلعها أحيانا أمام حبيبها حتى لا يراها، وتلك المشكلة التى تعانى منها وحيدة «مريم ذوالفقار» دفعت والدة حبيبها لرفض زواجه منها لأنها تعانى من الصمم.
ومع انطلاقة فترة التسعينيات من القرن الماضي، تبنى جنود سينما الواقع من المخرجين مثال داود عبدالسيد وحسين كمال وكرم النجار وغيرهم. فقدموا أعمالا تناول أغلبها ذوى الاحتياجات الخاصة بقصد أو بدون، ودونت من أقيم الأعمال السينمائية وهى فيلم «الكيت كات» عام 1991 للساحر محمود عبدالعزيز والذى ادى من خلاله دور الشيخ حسنى الكفيف الشهير، وفيلم «ديك البرابر» عام 1992، حيث قدم من خلاله النجم فاروق الفيشاوى دور شاب معاق ذهنيا وهو الوريث الوحيد لأبيه المعلم الظالم الذى يحاول أن يجعله يتزوج وينجب له وريثاً جديداً يترك له املاكه.. وكان الفيشاوى قد تحدث عن هذا العمل قائلا إن المخرج اختاره كممثل محترف لكى تظهر شخصية «خلف» فى أبهى صورها فلم يكن كمال يريد أن يتم إهمال الدور كشاب معاق بل يجب أن يظهر بطبيعته الإنسانية ونقاء قلبه وإحساسه وتفكيره الطفولى.
ولم يكن هذا العمل الوحيد الذى قدم الفيشاوى من خلاله دور ذوى الاحتياجات الخاصة، بل قدمه ببراعة فى فيلم «الجراج» عام 1995 حيث قدم دور الأخ الابكم لحارسة الجراج والتى قامت بدورها «نجلاء فتحى»، واستطاع أن يبرع فى اظهار قلة حيلته حيال الحياة ومشاكلها ومرض اخته حتى انه لا يستطيع التعبير سوى بالصراخ.
ويعد النجم الراحل نور الشريف من أعظم من قدموا دور الأبكم والأصم فى السينما المصرية، حيث قدم فيلم «الصرخة» عام 1991 بتوقيع المخرج كرم النجار والذى قدم من خلاله صورة رفض المجتمع للشخص الأبكم والأصم رغم مهارته فى تصليح الأشياء والعمل بحرفية فى عدد من الورش، بينما تم استغلاله وتلفيق قضية اعتداء جنسى له وعندما انكر بالمحكمة قامت المسئولة عن ترجمة إشاراته بتحريف شهادته.. مما جعله يغضب هو وزملاؤه من متحدثى لغة الاشارة وقرروا خطف من فعلوا به هذا وظلموه وحبسهم فى غرفة بها أجهزة صوت ليفقدوا السمع مثلهم.
أما فيلم «توت  توت» والذى حقق ضجة كبيرة فور عرضه عام 1993، فاستعرض كيفية الاستغلال الجنسى لفتاة معاقة ذهنية تسكن بإحدى الحارات، فقامت النجمة نبيلة عبيد بتقديم دور «كريمة» والتى استغلها أحد الأثرياء واستدرجها لاغتصابها وتركها بعدما حملت منه سفاحا للتلطم بالشوارع.. ومع مساعدة أهل الخير تستطيع كريمة العودة لحارتها وتفتن لاهلها عن الرجل الثرى الفاضل وانه السبب فيما هى عليه مما يجعله ينكر ويحاول الفرار فتقرر هى ان تقتله بنفسها وتنتقم منه.
ومن جانب آخر استطاع النجم يحيى الفخرانى أن يقدم دور الرجل الذى يعانى من إعاقة ذهنية وهو الوريث الوحيد لأهله حيث إن كل اخوته من البنات ويحاول ازواجهن التخلص منه والحصول على الارض. فبين محاولة سرقة اهله له وبين استغلال حبيبته «فتاة الليل» بزواجها منه قدم ملحمة كوميدية بعنوان «مبروك وبلبل» الذى انتج عام 1998.. ولم تكن الالفينات بها العديد من الافلام التى اهتمت بقصص لذوى القدرات الخاصة، وإن كانوا ركزوا على اهتمام ذويهم وعلاقتهم بهم، ومنها فيلم «خالى من الكوليسترول» الذى ركز على علاقة الام المعاقة بابنها والذى تم تقديمه عام 2005 من بطولة أشرف عبدالباقى والهام شاهين. بالاضافة إلى علاقة الاخوة فيما بينهم حيث قدم الفنان أحمد رزق دور الشاب الذى يعانى من التوحد ويحاول اخاه شريف منير استغلاله بالذهاب به لصالاة القمار حيث إنه يتمتع بشفافية التوقع وقراءة الأفكار.
ويقدم الفنان أحمد آدم تيمة كوميدية ساخرة بفيلم «صباحو كدب» عام 2006 والذى قدم من خلاله الكفيف الموهوب الذى يعمل كمدرس موسيقى ويعانى من استغلال كل من حوله له لسرقة امواله التى ورثها والشقة التى يسكن بها.
وتحدثت الفنانة الهام شاهين عن تجربتها بفيلم «وحياة قلبى وأفراحه» قائلة: «قدمت السينما عددا من الأفلام التى تهتم بهم وبمشاكلهم، فبجانب فيلم «خالى من الكوليسترول» هناك فيلم قدمته منذ سنوات بعنوان «وحياة قلبى وافراحه» وقضينا وقتا مهما جدا بإحدى المؤسسات الخاصة بذوى القدرات الخاصة وكلهم لديهم مواهب عظيمة ويتمتعون بها، مما جعلنا نستعين بهم فى الفيلم بشكل واقعى، وقدم أخى الفنان أمير شاهين دور شاب منهم وحصل عنه على عدة جوائز، فالسينما اهتمت بقضاياهم فى وقت كبير وقدمنا عددا من الأدوار المهمة ومنها ديك البرابر وتوت توت وغيرهما، ولكن للأسف فكرة تناول قضاياهم فى الوقت الحالى لم تعد متداولة لأن أغلب المنتجين يهتمون بتقديم أعمال تجنى ايرادات جيدة، فالسينما اغلبها يتجه إلى الاكشن مع اهمال موضوعات وقضايا مهمة بالمجتمع.»
وأضافت قائلة: «يجب أن نهتم بدعم مواهبهم فهناك أصوات ومواهب مختلفة من بينهم، فاذكر عندما كنت أصور فيلم «وحياة قلبى وأفراحه» أن احدهم كان منعزلا عنا ويعمل فى صمت على ورقة بيضاء، ففوجئت بأنه رسم صورة لى روعة بالجمال لم اكن اتخيلها».
ومن جانبه أكد الناقد محمود قاسم أن السينما المصرية كانت تهتم بمشاكل ذوى القدرات الخاصة وجعلت من قصصهم أبطالا، بل وحرصت على وصفهم بالاشخاص ذوى الشفافية والذين يعلمون شيئا من الغيب منذ الاستعانة بشخصية «اهل القرية» والتى كانت متواجدة بالأحياء الفقيرة قديما، وهو الشخص الذى يعتبر بركة المنطقة وإذا أكرمه أحدهم يرزق واذا أهانه يخسر وتكون نهايته ظالمة.
وأضاف قاسم قائلا:«كانت السينما المصرية من أوائل السينمات التى استعانت بذوى القدرات الخاصة للتمثيل أمام الكاميرا ومنهم الممثل القديم محمد صفا محمد والذى ظهر بأفلام فى فترة الاربعينيات والخمسينيات، بينما حاليا لا تهتم للاسف باعمال تتناول حالاتهم خاصة وان هذه القضايا لا تجنى إيرادات جيدة من وجهة نظرهم».