الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«كيميا».. رواية الثراء المعرفى

«كيميا».. رواية الثراء المعرفى
«كيميا».. رواية الثراء المعرفى




كتب - خالد بيومى


فى روايته الصادرة حديثا عن دار الشروق يواصل الراوائى والشاعر والمسرحى وليد علاء الدين فى روايته «كيميا» استكشاف مناطق نادرة الحضور فى الرواية العربية على الرغم ثرائها الروحى والحضارى، وعلاقتها المتشابكة مع مجتمعاتنا العربية، وفى هذه الرواية يبحث عن الدور الثقافى المطموس للمرأة خلال  شخصية «كيميا» المهمشة، والتى زوجها جلال الدين الرمى لصديقه شمس الدين التبريزى رغم فارق السن الشاسع، حرم ابنه علاء الدين من الاقتران بكيميا، الراوى يتقمص شخصية صحافى يقوم برحلة عمل باحثا قبر كيميا وإجابات لأسئلة ظلت تؤرقه، الرواية رحلة مغامرات، تترصد الشخصيات، لكن البناء أبعد ما يكون عن النمطية، من خلال تفكيك التراث الصوفى، وإعادة تركيبه، تؤدى التلميحات الأسطورية دوراً كبيراً فى تأكيد المصير الإنسانى التكرارى، وهذه فكرة محورية فى الرواية، كما أنها تؤثر بقوة فى بناء الحبكة الروائية، وتجعلها أقرب إلى بناء القصص الشعبى، أما التأثير الأهم لهذه التلميحات فهو أنها تسحب الأساطير من سياقها، فتفقد معناها الأصلى وتصبح عنصراً درامياً فى لعبة ثقافية مع القارئ.
ومن الغرائب أن غالبية المبدعين العرب لم يتصلوا بالتجربة الصوفية العربية الثرَّة فى تراثنا العربى الإسلامى القديم إلا بعد أن كشفها للعالم كله المستشرقون الغربيون، عبر تحقيقات وترجمات وتحليلات ضافية ومن هؤلاء: نيكسون، وبروكلمان، وماسينيون، ونللينو، وانفتح نبع فياض أمام الأدباء والشعراء العرب وصاروا يرون فى معينه الدافق سندا قويا من قلب خصوصيتنا العربية لسعيهم نحو تجديد اللغة والمخيلة والصور والعلاقات الجمالية، حتى لقد صارت قطع من «المواقف» للنفرى، ومن «طواسين» الحلاج، من الفتوحات المكية لابن عربى، ومن  «مثنوى» جلال الدين الرومى «منصات» للعديد من المبدعين العرب،ينطلقون منها عبر القناع أو عبر التناص، أو التماهى، أو التقمص؟ لكن وليد علاء الدين فى روايته «كيميا» قام بعملية «ضبط وإحضار» الشاهد الصوفى – شخصا أو نصاً- للمثول  فى قلب العصر الراهن.
يخبرنا السارد وهو فى طريقه إلى قبر كيميا بتوقفه أمام تربة مولانا نصر الدين خوجة» جحا» داخل «قبرستان» أى مقبرة المدينة العمومية التى ترقد فى حضن جبل» داغ» ومغطى بقبة هرمية فيروزية اللون تشبه القبعة الصينية وتوجد لوحة تعريفية باللغتين التركية والإنجليزية، حين سئل جحا عن مركز الدنيا قال:» حيث يقف حمارى»، ومكان حماره محدد جوار قبره بقرص معدنى كتبت عليه بالتركية جملة تعنى «مركز الدنيا»، واستلهام شخصية جحا ذكاء من الكاتب لأن جحا يجذب القارىء بشخصيته الجميلة،والمشوقة،نظرا لما تحمله شخصية جحا من أبعاد إنسانية وحضارية متميزة.
يخبرنا السارد بالأصول الزرادشتية لـ«كيميا» من خلال هذا المقطع على لسان امرأة عجوز: «أخبرتنى أمى أنها من أسرة زرادشتية، قالت إنها واحدة من عائلات قلائل احتفظت بدين الأجداد رغم تغير الأزمنة. لم تخبرنى مطلقا كيف تحولت هى إلى المسيحية ثم تزوجت بعد ذلك مسلما»
.ويبدو التأثر برسائل «إخوان الصفا» التى جمعت كل المذاهب التى استخدمت المذاهب كلها زاعمة أنها تنتمى إلى طائفتها وحاولت أن تطبق نظريتها الفلسفية فى مشروع علمى تارة ودينى أو سياسى تارة أخرى.