الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. فى الأربعين

واحة الإبداع.. فى الأربعين
واحة الإبداع.. فى الأربعين




اللوحات للفنانة: أسماء أبوبكر النواوى

يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة أو خواطر «على ألا تتعدى 550 كلمة» مرفقا بها صورة شخصية على الإيميل التالى:

[email protected]


 

فى الأربعين

قصة قصيرة

بقلم - معتز العجمى

اليوم بلغت الأربعين..  كعادتى لا أتلقى رسائل تهنئة منذ عامين، منذ أن قررت مجبرًا الانفصال عن الناس، حيث رأى الكثير منهم أنى مختل عقليًا وغير صالح للتعامل معهم نظرًا لأنى ممن ينتقدون كثيرًا ولا يهدأون على حال . رمانى أقرب أصدقائى بالتشاؤم ورآنى بعيدا عن حيوية الحياة كما يجب أن تكون . حتى زوجتى هى الأخرى قررت أن تأخذ ولدينا وتغادرنى دون سؤال، وأنا أيضا قررت الابتعاد عنهم حيث تمزقت بيننا لغة التفاهم المعهودة فى كل أسرة طبيعية، هم فى واد وأنا فى واد آخر، هكذا كانت تتهمنى زوجتى بين الحين والآخر، حيث كنت دائم الوحدة فى غرفة مكتبى أقرأ وأكتب وأعيش عالمًا من صنع خيالى بعيدًا عن معطيات الواقع الحقيقية التى تعيشها زوجتى مع أطفالنا، كنت أحسب أن الإنسان سيكون سعيدًا لو رسم عالمًا مثاليًا وقدمه لغيره كى يحياه معه ولم أدر أن أنماطًا معيشية أخرى باتت تستهوى الناس دون عالمى أنا الذى أرتأيته، كثيرًا ما كانت تتساءل زوجتى لما غالب أصدقاؤك من كبار السن خاصة ممن تجاوزوا الستين؟! ، فكنت أرد عليها وأقول: لأننى أريد من مصادقتهم الاقتراب من العالم الذى كانوا يعيشونه، فترد ضاحكة بشكل هستيرى وتقول: ولما لا تظن أنهم هم الذين يريدون أن يعيشوا فيك العالم الآن بعد أن فقدوا شبابهم، لما لا تقول إنك نافذتهم المطلة على لغة حياتية جديدة هم بحاجة إليها أكثر من احتياجك أنت إلى ماضيهم الذى انتهى!، عش عالمك ودعك من لغة الماضى التى تأسرك، ومع ذلك يا زوجتى الحبيبة لم أستطع أن أقتنع برأيك وأترك الماضى الذى تملكنى إلى حد تقمصه فى سلوكى وشخصيتى التى نفرت الكثيرين من حولى وبقيت وحيدًا، أنا وحيد فعلا منذ أكثرمن عامين، بالتحديد منذ عشرين عامًا ، منذ أن فارقتِنى يا مريم.. هى فتاة أحببتها بعد لقائى بها لأول مرة فى قاعات الدرس حيث وفدت من بلدها طالبة مستمعة تدرس العربية لتعمل فى السلك الدبلوماسى فى بلدها، عندما رأيتها لأول مرة أدركت أنى رأيت تلك الروح الهائمة التى سعيت وراءها كما تمثلتها فى قصص الحب الكلاسيكية التى درجنا على قراءتها فى فترة الصبا وبداية بلوغ مرحلة جديدة نفارق بها بكارتنا الطفولية، أحببتها بلغة الماضى التى لا تعرفها هى الأخرى وأحبتنى هى بلغة الحاضر الذى تعرفه، فلم نلتقِ إلا فى رؤية الحب الذى بيننا مياها صافية يجب ألا يكدرها تلاصق أجسامنا فى مطاحنات حميمية تفقدنا فرادتنا وتجعلنا أشباهًا لغيرنا من الكائنات، قالت لى مرة: ربما نلتقى فى عالم آخر غير هذا العالم فنعيش فيه بأرواحنا لا بأجسادنا . وصدقتها وودعتها دون دمع لإحساسى أنى حتما سألقاها ثانية، وبقيت وحدى حتى فى ظل الصخب والضجيج اليومى كنت أشعر بالوحدة إلى أن بلغت الأربعين.. اليوم لا رسالة أنتظرها فتؤنسنى ولا أسرة حولى تملؤنى.. لا أدرى لماذا تذكرت هذه المرة يوم ميلادى؟!