الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رمضان فرصة للتغيير

رمضان فرصة للتغيير
رمضان فرصة للتغيير




د. محمود صدقى الهواري

حين يهل علينا شهر رمضان بالخيرات والبركات ويباشر الإنسان فيه الطاعات والعبادات وشتى القربات يكتشف الإنسان فى نفسه إنسانا آخر، ويعرف من نفسه قدرة على كثير من الأعمال التى كان يظن نفسه عاجزا عن بعضها فى غير رمضان.
يجيء رمضان بقوة الإرادة، وملكة الصبر، واحتمال الشدائد، والجلد أمام العقبات، ومصاعب الحياة؛ ولذا كان حريا بالمسلم العاقل الذى يأنس من رمضان عطاءه، ويستقبل من رمضان فيوضاته؛ أن يسأل نفسه: هل يمكن أن نغير من أحوالنا حقا؟!
والحقيقة إن رمضان يدفع إلى مزيد من الأمل والعمل، ويشهد علينا هذا الشهر أننا نستطيع أن نغير من أحوالنا إلى الأفضل فى كل المجالات؛ لأن رمضان مدرسة لإعداد الرجال، وجامعة لتخريج الأبطال، ففيه تيسير الطاعات لمن أراد، وتصفيد الشياطين، وفتح أبواب الجنة للراغبين.
وهل من دليل على أننا أمة تقدر بالعبادة أن تعيد النظر فى سيرها من معركة بدر الكبرى التى كانت فى رمضان، وفتح مكة الأعظم الذى كان فى رمضان، والتاريخ خير شاهد.  
فشهر رمضان فرصة للتغيير ليصبح العبد من المتقين: يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. فغاية الصيام هى التقوى، والتقوى: حساسيةٌ فى الضمير، ويقظة فى القلب تمنع العبد من الوقوع فى الحرام، كأنه يحذر الأشواك وهو فى طريق الحياة.
ومن التقوى أن يصلى الفرائض بعد أن كان مقصرا فى فرائضه، ونوافله، وقرآنه.. ومن التقوى أن يقبل على عمله منتجا، ومبدعا، ومفكرا.. ومن التقوى أن يحمل هموم وطنه، وآلامه وآماله على السواء.. ومن التقوى ألا يشبع بطنه التى تشعر بالجوع والعطش وينسى الفقراء والمحتاجين.. كثيرة هى تطبيقات التقوى، غير أننا قد لا نتعلق بديننا تعلق الببغاء بالعلم.
ويوم عُمرت قلوبُ الصالحين بالتقوى، جمعهم الله بعد فرقة، وأعزهم بعد ذلة، ونزلت فيهم البركات، لأن وعد الله لا يتخلف، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْض...}.
ورمضان فرصة للتغيير لمن ابتلى بتعاطى الحرام من خـمور ومخدرات، ومسكرات، فهو يمسك عن ذلك ساعات طويلة، فكيف يدنس ليله بهذه الموبقات بعد أن طهر نهاره بالطاعات؟!
إن صاحب النية السليمة والعزيمة القوية لو اتخذ من شهر رمضان برنامجا تدريبيا لاستطاع أن يهجر كل عادة مضرة من مألوفاته التى اعتاد أكلها، أو شربها مما يرفضه الشرع والعقل معًا.
ورمضان فرصة للتغيير للشاب والشابة الذين يضيعون أعمارهم عاكفين على هواتفهم معطلين لقدراتهم، مضيعين لطاقاتهم، مهملين لمصاحفهم، فلا الرحم وصلوها، ولا الجوارح أعملوها، ولا العلوم حصلوها، ولا الآيات رتلوها، فضلا عن اتخاذ مثل هذه التكنولوجيا وسيلة للمفاهيم المغلوطة من مواقع غير أمينة على العلم والقيم والحضارة، تضرب فى أقدس ما يكوِّن هويتهم، ناهيك عما نسمع من فظائع لا تليق بتاريخنا القيمى ولا الدينى من تجسس وتلصص وإشاعة فحشاء، فلنجعل رمضان شهر صلة رحم، وتغيير عادة.
إن رمضان دعوة لكل إنسان أن يعيد النظر فى واقعه، ومُجريات حياته، ومراجعة نفسه، وتأمل أحواله لنعود كما أرادنا ربنا خير أمة أخرجت للناس.