الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«نظام» يسقط نفسه.. وبعدين يتبلّى على المعارضة!




 
 
أى بلد فى العالم بتعتمد على التغيير فى نظام الحكم وومواجهة استبداد الحاكم بشكل سلمى، لا مفر من استخدامها استراتيجية «حرب اللاعنف» فى مواجهة السلطة، أو بمصطلح آخر بتستخدم استراتيجية الكفاح السلمى.
 
الاستراتيجية دى فى الأساس عدد من القواعد والتحركات التكتيكية اللى بتساهم فى هدم الصورة الذهنية للنظام عند الشعب عن طريق ابراز اخطائه والقاء الضوء عليها،
دا فى حال اذا كان النظام ده حلو وابن حلال نوعا ما، لكن فى تكتيك تانى فى استراتيجية الكفاح السلمى بيسعى لكسر حاجز الخوف عند المواطنين، ودا بيتم عن طريق ترسيخ مفهوم لدى المواطنين بأن الشعب هو الحاكم والسيد، وأن المواطن - أى مواطن - ممكن يكون فى لحظة من اللحظات أقوى من الدولة بكل أجهزتها وقادر أنه يسقط أى نظام بسلمية بمجرد أنه يعلن العصيان.
 
المفاهيم دى كلها طبقتها الحركات الشبابية فى مصر فى الخمس سنين قبل الثورة واللى أخدت على عاتقها الكفاح السلمى لنظام مبارك، وكانت لها فاعلية كبيرة، واسست وهيأت الشعب فعلا للثورة، وكان بيساعدها فى ده نظام حكم كان بينجر بسهولة للأخطاء لتراخى الدولة والنظام.
 
أحد التكتيكات المهمة المتبعة فى استراتيجية حرب اللاعنف واللى أثبتت جدواها فى كل الدول اللى قامت بثورات، بداية من كفاح غاندى ضد الاحتلال البريطانى لبلاده، لحد شباب ثورة يناير اللى اسقطوا نظام مبارك باتباعهم المنهج ده، التكتيك ده بيتلخص فى سعى الحركات اللى بتهدف الى التغيير السلمى لخلق «معضلة» للنظام الحاكم علشان تورطه فى أزمة يكون نتاجها أن جميع قرارات النظام فى مواجهة المعضلة دى تؤدى الى خسارته قدام طرف النزاع السلمى اللى بيكون كسبان فى جميع الأحوال.
 
هجبلكم مثل بسيط على الاستراتيجية دى من التجربة الهندية، الاحتلال البريطانى قرر انه يفرض ضرايب على المواطنين الهنود وقت ما كان مستعمرها علشان يجمع أموال زيادة، فقرر أنه يحط ضرايب على الملح بما أنها كانت سلعة أساسية فى الهند، فقرر غاندى أنه يرفض القرار، وعمل حملات تسيير للمواطنين إلى البحر علشان يجمعوا بنفسهم الملح من هناك وبكده مش هيلجأوا لشراء الملح من الإنجليز.
 
التصرف ده عمل «معضلة» كبيرة وورطة للبريطانيين ووقفوا متكتفين قدام إجراء غاندى السلمى، لأنهم معندهمش المقدرة على منع الموطنين من جمع الملح، ولا قادرين يقبضوا على غاندى اللى حرضهم على العصيان لأن ده هيعمل احتجاجات، ولا قادرين يسكتوا لأن ده ضد القانون اللى هما فرضوه، ولا عارفين يلغوا قرار ضرايب الملح لأن فى الحالة دى هيبان قد أيه الناس قوية وأنهم انصاعوا وخضعوا لتحركاتهم، وبكده جميع القرارات اللى قدام الانجليز هى فى غير صالحهم ومعادلتهم دائما «خاسر - خاسر».
 
دا مثل بسيط على أحد التكتيكات المهمة لاستراتيجية «حرب اللاعنف» لمكافحة الأنظمة القمعية المستبدة، وبنظرة سريعة على الوضع حاليًا فى مصر هنلاقى أن نظام الحكم بيكافح لإسقاط نفسه، وأن محدش بيكافح لإسقاطه.
 
يعنى مثلا جميع قرارات الرئيس من ساعة ما تولى الرياسة لحد دلوقتى بيكون ناتجها «خاسر-خاسر» بتقييم كفاح اللاعنف.
 
مثلا قرار عودة مجلس الشعب، اللى تراجع عنه الرئيس، كان فى منتهى السذاجة، لأنه من البداية غير دستورى ومينفعش أصلًا أنه يتاخد، إلا أن الرئاسة أخدت القرار بإرادتها ومحدش زقها عليه، زى ما حصل فى حالة ملح غاندى تمام، قيس على كده كل قرارات الرئيس، كلها كان بيخرج منها بمعادلة «خاسر – خاسر» أى خاسر فى جميع الأحوال، آخرها قرار حظر التجوال اللىمعرفوش يطبقوه على مدن القنال.
 
كل القرارات اللى كانت بتخدها الرئاسة والنظام عموما كانت بتهدم فيه، لأنها كانت بتضعف هيبته قدام المجتمع وبتضعف مصدقيته قدام الشعب، وبترسخ صورة ذهنية عند الناس ان الراجل ده مش عارف يحكم البلد.
 
من أحد أبرز الخطوات المهمة لاسقاط أى نظام حكم باستراتيجية الكفاح السلمى واللى ذكرها الكاتب جين شارب رائد كفاح اللاعنف فى كتابه (من الديكتاتورية إلى الحرية) قال جين شارب: «التحدى السياسى هو أن تزيد من تأزم نقاط ضعف أنظمة الحكم الديكتاتورية وأن تفصل عنها عن مصادر قوتها»، انتهى الاقتباس.
 
لو بصينا للتكتيك ده ثم راجعنا تصرفات الرئيس، هنلاقى أن أغلب قراراته بتكون ضد الدستور والقانون، واللى مع الوقت بتسقط عن قراراته الشرعية، اللى هى أقوى شىء ممكن يستند ليها الرئيس فى رحلة تمسكه بالحكم، واظن أن الرئيس لو سقطت منه الشرعية يبقى خلاص بح مفيش نظام وهيكون مصيره الزوال أو المحاكمة.
 
الأمور دى كلها ملهاش علاقة بأى معارضة، ولا ليها علاقة بأى تيار، كفاح اللاعنف بيحاول يرسخ للناس إن الحاكم الفلانى - مثلا - مينفعش نسكت عليه لأنه بيغلط فى كذا وكذا، لكن فى حالة نظام الإخوان الحالى هنلاقيه بيغلط لوحده، بيغلط على نفسه بعيد عنكم، ورغم كده بيحمل جبهة الإنقاذ والمعارضة غضب الشارع رغم أن المعارضة بتركب على غضب الشارع مش بيوجهه.
 
ودا بيدفعنا إننا نقول لكل حبايبنا فى السلطة، ياريت محدش يقول إننا عايزين نسقط الرئيس، لأن الرئيس قايم بالواجب وبيسقط نفسه بنفسه.