الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عصمت داوستاشى: نعيش نهاية عصر اللوحة المعروضة بالقاعات المغلقة




«عندما رأيت أعمالى فى القاعة شعرت أننى رأيت الفنانين داوستاشى وليس شخصاً واحداً»، هكذا يرى الفنان عصمت داوستاشى نفسه فى معرضه الاستيعادى الذى أقامه فى قاعة «آرت كونر» بمناسبة بلوغه السبعين، فهو يرى أن بداخله أكثر من فنان يتمثلون فى اتجاهات فنية وخامات تنقلت من تعبيرية وتجريدية وتأثيرية وبنائية والعديد من الطرق والأساليب والتقنيات والخامات، لذلك يطلق على نفسه «الفنانين داوستاشى».. حول معرضه ورحلته مع الفن كان لنا معه هذا الحوار.
     
■ لماذا أقمت معرضك الاستيعادى فى قاعه خاصة ولم تعرض فى القاعات الرسمية التابعة لوزارة الثقافة؟
- منذ حوالى العام طلبت من وزارة الثقافة قاعة لمعرضى الاستيعادى بمناسبة بلوغى 70 عاما، ولكن لم أتلق ردا حتى الآن، ولكن محبة الأصدقاء والفنانين هى التى أخرجت هذا المعرض، وأخص منهم فنانى «الجمعية المصرية للكاريكاتير» وتحديدا الفنان سمير عبد الغنى، الذى لم يتركنى لحظة واحدة واجتهد بمحبة ومشاعر صادقة، وشجعنى على إقامة المعرض، وسهل لى كل شيء، فأنا لم أعد أحتمل إقامة معرض فى القاهرة بسبب تقدمى فى العمر ، فلولا أن قام الفنان سمير عبد الغنى بالاتفاق مع قاعه العرض «آرت كونر»، والتى لم تحملنى أى أعباء لما تمكنت من إقامة هذا المعرض، الذى يضم مختارات من أعمالى الفنية التى رسمتها بين أعوام 1962 و 2013، فقد اخترت من كل فترة عملا.
 

■  صف لنا إحساسك حين رأيت أعمالك فى المعرض الاستيعادى؟
- عندما رأيت أعمالى فى القاعة شعرت أننى رأيت الفنانين داوستاشى وليس شخصا واحدا، أقصد بداخلى جوانب كثيرة وكأن هناك أكثر من فنان موجود بداخلي، اتجاهات فنية وخامات تنقلت من تعبيرية وتجريدية وتأثيرية وبنائية والعديد من الطرق والأساليب والتقنيات والخامات، لذلك أطلق على نفسى «الفنانين داوستاشى» رغم هذا التنوع والزخم فلا يخلو أى عمل من خصوصيتى التى عرفها عنى المشاهد، حتى وإن لم أوقع على العمل، وهذه تعد ميزة أحمد الله عليها، فأنا أختلف وأتفق مع ذاتى، وفى النهاية أكون نفسى فنياً، رغم أن هناك فنانين ثابتين على اتجاه فنى واحد وأسلوب واحد.
■ كيف ترى الفن التشكيلى بعد رحلة عطاء أكثرمن 50 سنة؟
الفن لا يحب الشريك والعطاء بين الفن وبينى عطاء متبادلا، اعمل كل عام كل شهر كل يوم منذ أن بدأت ولم أتوقف أبدا، ولم يكن يهمنى هل ما أقوم به فن أو لا فن، فقد عشقت الرسم، خاصة رسم الوجوه وعشقت استخدام الخامات المختلفة، خاصة الأشياء القديمة، ولم أكن أبدا أكاديميا ولم أقترب منها أبدا، كنت مغرما بالفن، وهو الذى مارسته طوال حياتى، ولا أعرف لولا وجود الفن ماذا كنت سأفعل بحياتى؟، لم أكن أرسم لأحد فى الحقيقة كنت ألعب بالفن ومازلت، فقد أنقذنى من مهاترات الحياة وكلفنى الكثير، السبعين عاما وتقريبا ثلاثة آلاف عمل فنى أنجزتها طوال ستين عاما، أعتبر نفسى رساما ملونا رسمت أول رسم ملون بالألوان المائية عام 1953 وعمرى عشر سنوات، ومنذ ذلك الوقت لم أتوقف عن الإبداع الفنى فى كل المجالات بمختلف الخامات وفى كل الاتجاهات، أنجرت 120 معرضا خاصا ما بين مصر والخارج.
■  حدثنا عن كتابك الجديد «كتالوج» الذى أصدرته بمناسبة بلوغك السبعين؟
- لسنوات كنت أقوم باعداد السيرة الفنية لكثير من الفنانين من جيل الرواد مثل محمود سعيد وعفت ناجى وسيف وأدهم وانلى ومحمود موسى وغيرهم، ولكن لم أفعل هذا لنفسى، فقررت أن أصدر كتاب «كتالوج»، هو كتاب شامل بمناسبة بلوغى السبعين من عمرى، وهو دراسة لأعمالى الكاملة بقلم الناقد الفنان السفير يسرى القويضى، لن أطبعه لأنه سيكلفنى الكثير، وسأكتفى بوضعه على أسطوانه (C.D) ككتاب الكترونى وأوزعه على نطاق واسع حتى إذا ضعت أنا لا تضيع أعمالى، ويضم هذا الكتاب (الكتالوج) 75% من أعمالى فقط، و25% فقدت ولم أعثر لها على أصول أو صور فتوغرافية، كما أن الموجود عندى فعلا من هذه الأعمال 50% منها فقط، والباقى ذهب بين الإهداء والاقتناء .. كتابى (الكتالوج) ليس عملا استعراضيا أتباهى به، بل فى الحقيقة أنا أخجل منه إذا قارنت ما أنجزته بما أنجزه غيرى من الفنانين، وإن لم أجهز كتابى هذا بنفسى فلن يجهزه أحد.
■ تميزت أعمالك فى مراحل كثيرة برسم «الكف» فماذا يرمز لك هذا العنصر؟
- أول مرة رسمت «الكف» كان عام 1970 على ورقة بالقلم الجاف، شعرا أنها سوف تشكل شخصيتى الفنية وروح أعمالى، بدأت أعرض مع لوحاتى فى المعارض لوحات كف مستقلة، لذلك مجموعة رسوم (الكف) كانت بمثابة الأبجدية التشكيلية لى، أعتبرها منحتنى هويتى الفنية التى عرفت بها بتفرد، كانت نتيجة ثقافة بصرية تعلمتها من فنون الحضارات الإنسانية مع قراءة فى كل نواحى المعارف والآداب الإنسانية، جاءت رسوم الكف وحدها لم استدعها أو أبتكرها أو أنقلها من هنا أو هناك، وجاء معها اسمى الذى اشتهرت به بعد ذلك داوستاشى.

■ مع من تقابلت من الرواد من الفنانين وكنت تتمنى أن يكون يحضر معرضك؟
- أتمنى حضورهم جميعا، ولكن بالتأكيد أراهم حاضرين، هكذا الفنان دائما الحضور مهما غاب عنا، تقابلت فى حياتى مع العديد منهم وأعتبر نفسى محظوظا جدا منهم محمد ناجى وعفت ناجى وسعد الخادم ومرجريت نخلة وسيف وأدهم وانلى ومحمود موسى الذى كان له تأثير على توجهاتى وحياتى الفنية، الفنان محمود سعيد حضرت جنازته وصورتها، عفت ناجى كنت على علاقة وثيقة به استفدت سلوكهم الإخلاقى ومن روحهم قبل أعمالهم الفنية الفنانة عفت ناجى كنا نقدم أعمالا فنية مشتركة، وكان الفنان حسن سليمان أول فنان عرفته فى مصر.
■ لماذا تركت عملك فى البرامج الثقافية بالتليفزيون المصرى بعد 6 أشهر؟
- كنت سعيدا بعملى فى البداية وقدمت العديد من البرامج، فى بداية حياتى عام 1968، كنت أحضر القاهرة ثلاثة أيام فى الأسبوع، كان وقتها وزارة الثقافة والإعلام كياناً واحداً، لكنى سرعان ما عدت للإسكندرية بعد 6 أشهر فقط، ولم أستطع العيش بالقاهرة رغم أنى أعشقها، وأصدقاء العمر فيها، لكن ينافسها بداخلى عشق آخر هو «البحر» كنت دائما أقول لنفسى وأنا أسير فى شوارع القاهرة «عايز البحر» البحر مدينتى تسكنى وأسكنها، البحر حكاية بداخلى صعب وصفها بكلمات.
■ حدثنا لنا قصة عملك فى ليبيا؟
- سافرت ليبيا للعمل فى التليفزيون الليبى قبل حرب أكتوبر، ورسمت هناك لوحات الكف، وحين قامت الثورة، احترقت المكتبات فقدمت استقالتى وعدت للعمل بمتحف محمود سعيد فى الإسكندرية مديرا للمعارض والأنشطة الثقافية، ولكن ربما يضحك من يقرأ هذه الجملة أننى عملت فى وزارة الثقافة 30 عاما وأخذت منها 20 سنة إجازة بدون راتب! لأن العمل الوظيفى خارج تكوينى الشخصى، أحب أن أعمل بدون قيود روتين فى عام 1993 انتدبت فى متحف الفنون الجميلة، كان وقتها خرابة جددته وعملت الدورة 18 لبينالى الإسكندرية وبعدها استقلت وأخذت منحة تفرغ لوقتنا هذا.
■ ما رأيك فى الحركة الفنية الآن بعد هذه الرحلة من الستينيات إلى الآن؟
- بالتأكيد جيل الستينيات رواد وأساتذة ولهم بصمة، ولكن كانت مفاجأة لنا حين دخلنا إلى السبعينيات ولم نجد أجيالا جديدة، حيث سافر بعض الفنانين للدول العربية والبعض الآخر سافر إلى دول أوروبية بسبب تغييرات سياسية واقتصادية، وتشتت الفنانون وانقطع التواصل بين الأجيال، وأعتبر هذه الفترة سقطت من التاريخ، وتسجيلها أصبح ينحصر فى ماذا قدم المغتربون المصريون للفن فى الخارج وليس لمصر، إلى أن جاء فاروق حسنى فى نهاية الثمانينيات وأقام صالون الشباب الأول الذى أعاد تواصل الأجيال بعد انقطاع 15 سنة.
■ فى السنوات الأخيرة أصدرت مجموعة من الكتب الأدبية حدثنا عنها؟
- أنا عاشق للكتابة وبين الحين والآخر أكتب لنفسى كلمات وحكايات  بطريقتى، ولكن أيضا أكتب فى توثيق الفن والحركة والفنانين، الكتابة الأدبية موجودة فى النصوص سواء نص فنى أو نص توثيق، كتبت قصة قصيرة وسيناريو ومسرحيات وكتب فى السيرة الذاتية «الرملة البيضاء» عن الإسكندرية زمان، أفضل الأسلوب البسيط، لأننى مهما كتبت أفضل التوثيق فى الكتابة مثل كتابة الذكريات.
■ كيف ترى الفن التشكيلى بعد ثورة 25 يناير؟
- الفن بعد 25 يناير ليست له ملامح إلى الآن، لكن الفنانين الجدد أو الشباب خرجوا من خندق قاعة العرض ولم يعجبهم العرض فى الجاليرهات، أصبحوا يفضلون الشارع والحالة التفاعلية بينهم وبين الحدث، أو يعرضون أفكارهم على النت، فن الجرافيتى من أهم الفنون التى صاحبت الثورة، بل تعد هى ثورة فى حد ذاتها، وسوف يستمر كثيرا، ولا تعجبنى المعارض التى تحمل مسمى «معرض الثورة»، أرفض المتاجرة بالثورة، الثورة الحقيقية فى الشارع مع الجرافيتى، كلاهما يمثل التمرد، وربما أشعر أننا فى أواخر عهد اللوحة المعلقة فى القاعة المغلقة، فلقد خرج الفن إلى الشارع ولم يعد بعد.