أهلاً.. غانا
عبد الله كمال
سوف تكون الليلة سعيدة بإذن الله.. أنا متفائل بمباراة غانا.. كما لاشك أنكم متفائلون.. وقد نكون اليوم علي موعد مع إنجاز غير مسبوق في تاريخ كرة القدم الأفريقية والعالمية.. الجهد الذي سوف يبذله لاعبو مصر والإخلاص الذي يميزهم سوف يقرر ذلك.. وهم يستحقون وجديرون بهذا الانفراد بمرمي السبق.
وإذا كنا نطالب اللاعبين بأن يواصلوا عملية التركيز المجهدة في الميدان.. فإننا لانستطيع أن نكلف أنفسنا بذلك.. لأن مذاق النصر في مباراة يوم الخميس المبدعة مازال يلاحقنا.. وسوف يبقي كذلك سنوات.. حتي لو جاء فريق الجزائر في وقت تال وتغلب علينا.. وبالتأكيد فإن المعزوفة الموسيقية المذهلة التي أبدعها أوركسترا المعلم حسن في ملعب بانجيلا سوف تسجل باسم هذا الجيل.. وسنظل نجترها لحقب وعقود.
من ناحيتي لي طريقتي في إعادة تذوق طعم الانتصار.. لاسيما حين يتعلق الأمر بالمساحة المتقاطعة بين السياسة والرياضة والإعلام.
ومن ثم أبدأ بمعاني ردود الأفعال الدولية في مختلف وسائل الإعلام حول مباراة الخميس.. وسوف تجد علي موقع (أخبار جوجل) مالا يقل عن مائتي مقال وتقرير دونتها الصحافة العالمية حول الحدث الفريد.. بخلاف تناولات التليفزيونات التي لم يشملها رصد الموقع.
الكثير من تلك المقالات استخدم في تحليل المباراة أفعالاً من نوع (سحق)، و(أذل)، و(أهان).. تعبيراً عن فعل الانتصار الذي حققه الفريق المصري علي منتخب جزائري منفلت.. قالت عنه الديلي تليجراف أنه (غير منضبط) و(غير أخلاقي).
السمعة التي بنيت بعد هذا النصر المصري المروع.. لم يكن مخططا لها.. صنعها اللعب الجيد والتركيز المهول من اللاعبين.. والامتاع الذي قدموه.. وفيما بعد مباراة الجزائر في أم درمان كسب محاربو الصحراء الساحة الإعلامية في المجالين العربي والعالمي.. ولم نتمكن من إقناع الرأي العام حولنا بأننا تعرضنا لترويع يخالف روح اللعب الشريف والنزيه.
والمعني أن الصورة الطيبة حتي لو كانت ملفقة لايمكنها أن تصمد.. وأن الحقيقة هي التي تبقي.. وأن الانطباع الإعلامي من الأفضل له أن يكون مبنيا علي وقائع.. أكثر من كونه يبني علي تلفيقات تمكن الجزائريون من اختلاقها والادعاء بها فيما بعد مباراتي القاهرة وأم درمان.
حسن شحاتة لم يكن يستهدف هذا الواقع الإعلامي المصري الجديد.. لا هو ولا لاعبوه.. ولا اتحاد كرة القدم.. والأخير كان يريد مالا لكي يمول حملة إعلامية لصورة مصر والفريق في مواجهة الجزائر وما تفعل.. غير أن حسن وأبناءه نجحوا في صناعة صورة صادقة.. ومؤثرة.. بينما الجزائريون يخاطبون أنفسهم الآن بأنهم تعرضوا لظلم بين من الحكم كودجا.. الذي يقول الكافة أنه قد تساهل مع فريق الجزائر وكان يمكن أن يطرد نصفه.
وعلي الرغم من ذلك فإن علينا أن نقر بأن السلوك الإعلامي الذي سبق المباراة مصريا.. في هدوئه واتزانه وتحسبه للمفاجآت.. قد وفر بيئة مهمة لكي يتحقق النصر.. لقد تعامل الجزائريون مع هذا السلوك علي أنه نوع من الخداع.. وهو من جانب آخر أدي إلي نشوء مناخ شبه طيب في العلاقات بين البلدين.. وحصر المباراة في أنها أصبحت تنافساً رياضياً وليس بين شعبين.. المهم أن ذلك المناخ أدي إلي تخفيف الأعباء الملقاة علي كاهل منتخب مصر.. فانتبه إلي الرياضة وتنافس الملاعب.. بعد أن تخلص ولو قليلا من أحمال السياسة.
ولاشك أن انخفاض عدد أحداث العنف التي تعرضت لها المنشآت المصرية في الجزائر بعد مباراة الخميس.. وعقب الانتصار الرائع.. له علاقة بأمرين.. الأول انخفاض وتيرة الإثارة الإعلامية من جانب مصر ووسائل إعلامها.. والثاني هو أن الجمهور الجزائري أدرك بما لايدع مجالا للشك وبغض النظر عن الرسالة الإعلامية الجزائرية الحالية للداخل الجزائري أن فريقه لم يلعب.. وأنه لم يجتهد.. وأنه لم يتعب.. وهي حقيقة أكيدة حتي لو كانت "علقم".
النقطة الأخيرة التي أريد أن أسجلها هنا تتعلق بالفردية والجماعية.. أبوتريكة لم يسافر مع الفريق للإصابة.. وأحمد حسام (ميدو) لم يسافر بسبب خلاف عميق بينه وبين المدير الفني.. والحقيقة التي أفرزتها الأحداث هي أن الفريق حين يكون جماعياً فإنه لايقف علي مجهود فرد أيا ما كانت مكانته وقيمته وتأثيره.
حتي لو كانت تلك الجماعية هي نتاج مجموعة من الأعمال الفردية.. المهم هي قدرة الفريق علي حشد الفردي في إطار الجماعي.. توظيف الواحد في الكل.. وجعل الكل مجموعة من جهود كل واحد.
وهكذا تمكن الفريق من الاستفادة من قدرات أحمد حسن العريق والخبير والمخلص.. ومن تفوق المحمدي.. ومن إصرار الحضري علي حماية تاريخه والذود عن أسبقيته وتميزه.. ومن إرادة زيدان في أن يتجاوز عدم توفيقه.. ومن موهبة جدو.. ومن حيوية حسام غالي واحترافيته.. ومن صلادة وائل جمعة.. ومن ارباكات متعب.. ومن تفاني معوض.. وغيرهم كثيرون لكل تميزه.. الجماعية هي محصول وافر من تناغم الفرديات.
أمنياتنا بالتوفيق في مباراة الليلة.. فنحن علي أبواب التاريخ.. وسوف يفتح أبوابه لأبنائنا كما اعتاد مع أمتنا علي مدي أيامه.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البـريـد الإليكترونى: [email protected]