الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نصر أبوزيد.. مشعل المعرفة الذي حاربته خفافيش الظلام




تمر اليوم ثلاث سنوات علي رحيل الكاتب والمفكر الإسلامي الدكتور نصر حامد أبو زيد، صاحب أشهر قضية «حسبة» بعد اتهامه بالردّة والحكم بالتفريق بينه وبين زوجته، الذي كانت وفاته في الخامس من شهر يوليو 2010، بعد إصابته بفيروس مجهول إثر زيارة قام بها لإندونيسيا لمدة أسبوعين، وبعد عودته إلي القاهرة نقل إلي المستشفي حيث دخل في غيبوبة استمرت عدة أيام توفي علي إثرها ونقل جثمانه ليدفن في مقابر أسرته بقرية قحافة في مدينة طنطا.
لعل  من مفارقات القدر أن يتخصص «أبو زيد» في الدراسات الإسلامية سيرا علي ما أراد له والده أن يكون أزهريا من رجال الدين، خاصة أنه اضطر بعد وفاة والده إلي تغيير مساره التعليمي، لأن أسرته لم تكن تستطيع أن تنفق عليه في الجامعة، لهذا اكتفي في البداية بالحصول علي دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960، لكنه قرر بإصرار استكمال دراسته الثانوية والتحق بمدرسة ليلية حتي أنهي شهادة الثانوية، ثم حصل علي الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة 1972، ثم الماجستير عام 1976م، ثم دكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1982.
لعل من أشد محطات حياة «أبو زيد» شدة عندما تقدم أبو زيد، الذي كان وقتها أستاذا مساعدا بقسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، بأطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان «نقد الخطاب الديني» التي كان مقررا له بموجبها أن يحصل علي الأستاذية، ولكن تقريرا تقدم به الدكتور عبد الصبور شاهين أحد أعضاء «لجنة الترقيات» فجر القضية الأشهر خلال القرن الماضي في مصر، إذ تحولت المسألة من مجرد رفض للترقية إلي اتهام بالردة، علاوة علي اتهامات أخري تصفه بمعاداة الإسلام، تلاها معركة فكرية واسعة بين أنصار أبو زيد وبين المؤيدين لتقرير شاهين، وتطور الأمر إلي رفع مجموعة من المحامين لدعوة «حسبة» بهدف تكفيره، تطالب بالتفريق بين أبو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس أستاذ الأدب الإسباني في جامعة القاهرة وقتها، ذلك «التكفير» الذي يماثل تماما ويذكرنا بما حدث في إيران خلال القرن الماضي من تكفير للكاتب الإيراني المسلم سلمان رشدي بعد إصداره روايته «آيات شيطانية».
علي أن ما تلا ذلك الاتهام بالكفر من سجالات قانونية وفقهية طويلة انتهت بهجرة اضطرت «أبو زيد» وزوجته ترك وطنه مصر إلي هولندا، ليعمل بالتدريس في جامعة ليدن، وبعدها في جامعة أوترخت، ونال وقتها تكريما أكاديميا رفيع المستوي من جامعات هولندا ومن الدوائر الأكاديمية الاستشراقية الغربية المهتمة بالتأويلات والدراسات المعاصرة للإسلام، مبتعدا عن إرهاب الجماعات الأصولية ورافعي شعارات الإسلام السياسي، خاصة بعد أن قام بعضهم بمقاضاته لإثبات دعوي الردّة عليه، ومن ثم التفريق بينه وزوجه، ولكن القضاء الابتدائي رفض دعواهم، فلجأوا إلي الاستئناف وصدر هذا الحكم في الرابع عشر من يونيو سنة 1995، ثم تصدر محكمة النقض تأييدها للحكم في الخامس من أغسطس سنة 1996، ليكتب أبو زيد بعد معرفته بالحكم مقولته الشهيرة: «إذا كان شعار العالم أنا أفكر فأنا موجود، فليكن شعارنا «أنا أفكر فأنا مسلم»، وفي النهاية استطاع «أبو زيد» أن ينتزع حكما قضائيا بإيقاف تنفيذ الحكم وبذلك ظل زواجه قانونيا وشرعيا، مغلقا بذلك نهاية لذلك الصراع «قانونيا».
وهكذا بعد سنوات طوال من الهجرة الإجبارية، استطاع أبو زيد أن يرجع إلي مصر في سنوات عمره الأخير، وان يلقي بضعة محاضرات في مكتبة الإسكندرية، وأن يلتقي مرة أخري بتلاميذه ومريديه، لكن القدر لم يمهله طويلا، لتكون وفاته مثارا للجدل تماما كما كانت آرائه مثارا لها، وبعد وفاته بعام أشهرت مؤسسة الدكتور نصر حامد أبو زيد برقم 4189 لسنة 2011 ككيان يعمل علي تقديم خدمات ثقافية وعلمية ومدنية في مجال البحوث والدراسات الإسلامية، لتكمل ما بدأه الراحل من دور ثقافي وتنويري.
قام «أبو زيد» خلال رحلته الطويلة بتأليف أكثر من عشرين مؤلفا بالإضافة إلي العديد من المقالات نشرت في دوريات عربية وأجنبية، ترجم العديد منها إلي لغات عدة، ومن أهم كتبه : «الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القران عند المعتزلة» و«فلسفة التأويل دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي» و«أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة مدخل إلي السميوطيقا» و«مفهوم النص دراسة في علوم القران»، الاتجاه العقلي في التفسير «دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، نقد الخطاب الديني، «التفكير في زمن التكفير» والذي أصدره بعد واقعة تكفيره الشهيرة.
وقد لخص أبو زيد في كتاباته أمراض المجتمعات العربية في «الاستبداد»، وأن القوي التي تمارسه تظن أنها وحدها من يملك الحقيقة المطلقة، ورأي أن غياب الحرية يقود إلي «تجريف العقل» وجعله يتوقف عن التفكير وهكذا يظل في حاجة دائمة إلي توجيه القوي المتسلطة، سياسية كانت أم دينية، وكانت من أقواله الشهيرة: «إن الثقافة تعني تحول الكائن من مجرد الوجود الطبيعي إلي الوعي بهذا الوجود».