الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مأزق النواب السابقين!
كتب

مأزق النواب السابقين!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 12 - 12 - 2010



البرلمان الشعبي بدعة لن يكتب لها النجاح
(1)
هي بالفعل معادلة صعبة، أن يجد نجوم الصخب السياسي في البرلمان السابق أنفسهم في الشارع، بعد أن فقدوا المسرح السياسي الكبير الذي يلعبون عليه، سواء من الحزبيين أو المستقلين أو الجماعة المحظورة.
كلهم، دفعة واحدة خرجوا من تحت القبة، ويبحثون عن مسرح آخر يلعبون عليه، ولكن علينا أن نفرق بين لعب المحظورة المحظور، وحق البرلمانيين السابقين في أن يمارسوا أنشطتهم السياسية.
من وجهة نظرهم، هم يسعون الآن إلي تحالفات مثل البرلمان الشعبي الذي يضم عددًا منهم، ليكون عوضًا عن البرلمان الحقيقي، الذي حرموا منه، وكان بالنسبة لهم المتنفس الكبير.
(2)
المحظورة يجب أن تظل خارج السياق، بل أن تستمر عملية الملاحقة القانونية، حتي تري نصوص الدستور التطبيق الفعلي والجاد، سعيًا إلي فصل الدين عن السياسة، وألا تحتمي جماعة بمظلة دينية لتحقيق مآرب سياسية.
المحظورة تلعب بجميع القوي والتيارات السياسية لمصلحتها، لا تتحالف ولا تتعاون ولا تشارك إلا لتحقيق أهدافها، وعندما تصل إلي ذلك، تدير ظهرها للجميع وتلعب وحدها.
المحظورة لا تريد أن توفق أوضاعها مع المجتمع، وأن تقف مع الجميع علي قدم المساواة، مادامت المظلة السياسية يمكن أن تحتوي عناصرها، كأفراد وليسوا كتنظيم ديني، لا يتسع المجال الآن لاستعراض مخاطره.
(3)
البرلمان الشعبي بدعة لن يكتب لها النجاح لعدة أسباب أولاً: أنه برلمان علي طريقة «كفاية» يضم خليطًا غير متجانس من الاتجاهات السياسية والشخصيات التي لا يمكن أن تجتمع تحت راية واحدة.
ثانيًا: البرلمان الشعبي فكرة أقرب إلي الكلام السياسي منها إلي الواقع العملي، وعندما يغادر مرحلة الشعارات ولو بخطوة واحدة، سوف تدب «الخلافات» العنيفة بين أعضائه من أول لحظة.
ثالثًا: مثل هذه الأفكار فشلت من قبل، وآخرها فكرة المحاكم الشعبية التي ماتت قبل أن تولد، لأنها تفتقد مقومات الشرعية، التي تمنح القضاء السيادة والسلطة، بموجب الدستور والقانون.
(4)
رابعًا: هذا البرلمان الشعبي في حالة ظهوره المستحيل سوف يمنح الفرصة لقوي وتيارات أخري أن تنشئ برلمانات موازية، فيتحول إلي ما يشبه الفلكلور الشعبي، الذي لا يجد أنصارًا ولا مؤيدين.
خامسًا: أعضاء البرلمان الشعبي جميعهم زعماء، والزعماء لا يجلسون إلا علي المنصة، وبالتالي فهم يحتاجون منصة كبيرة، ليس فيها مقاعد أمامية ولا خلفية، ولا أعضاء عاديون.
سادسًا: ناهيك عن التفصيلات الكثيرة الأخري التي تبدأ بجدول الأعمال واللجان والمناقشات وغيرها، وكل نقطة ستفجر صراعات وخلافات بعدد أعضاء البرلمان نفسه.
(5)
لن تجد هذه المشكلة طريقها إلي الحل إلا بعودة الحياة والدفء السياسي إلي الأحزاب، حتي تستطيع أن تستوعب كل ألوان الطيف السياسي وتكون المسرح الطبيعي الذي يجد فيه راغبو العمل الحزبي مكانًا.
الأحزاب تعاني من الضمور الشديد، ولم تستفد من أخطاء الماضي، ولم تبذل جهدًا مناسبًا لتنشيط قواعدها وكوادرها، ومد جسور التواصل والتلاحم مع الجماهير.
الأحزاب مازالت تدور في فلك هواجس الماضي، وتبحث عن شماعات تبرر بها ضعفها وانكماشها، رغم أن الواقع العملي أثبت أن كل هذه التبريرات لا محل لها.
(6)
السنوات المقبلة هي المحك الحقيقي لترسيخ معالم الدولة القانونية، التي تعمل في إطار قواعد منضبطة وعادلة، تتيح للجميع فرصًا متساوية وحقوقًا أصيلة.
ليس معقولاً ولا مقبولاً أن يعمل بعض النشطاء بأساليب الماضي، وأن يلجأوا إلي وسائل المراهقة السياسية التي تداعب مشاعر الجماهير بخطابات حماسية، لا تصمد طويلاً أمام المشاكل والتحديات الصعبة.
لماذا اللجوء إلي هذه الأشكال غير الشرعية، بينما في مصر عدد كبير من الأحزاب يستطيع أن يحتوي الجميع، وأن يكون مفيدًا وفاعلاً ويساعد علي تنشيط الحياة السياسية.
(7)
لقد فجرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة جراحًا كثيرة لمن لم يحالفهم التوفيق، وبينهم شخصيات مرموقة خسر البرلمان كثيرًا بخسارتهم ولكن ليس مفيدًا الآن البكاء علي اللبن المسكوب.
إنها مرحلة تضميد الجراح، سواء بالنسبة لأحزاب المعارضة، أو بالنسبة للبرلمانيين النشطاء الذين لم يحالفهم التوفيق، والسياسي الناجح هو الذي يتعلم من الوقوع.. ألا يقع.
الزمن يمضي بسرعة، وإذا صارحت الأحزاب نفسها بالحقيقة، دون خداع للذات، فسوف تجني الثمار.. مع كل التمنيات بالتوفيق للجميع.


E-Mail : [email protected]