الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين ـ الحلقة (1) الشاطر السيكوباتى




كتب: د/ على الشامى
يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة» أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت أن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذان التياران: «هذين التيارين كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاواعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، وبعد تعرضه لانتقادات شديدة أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية.

وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟، هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟، سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو، من خلال هذا المنطق برزت مؤخرا عدة شخصيات فارضة نفسها على الساحة السياسية، إما لوضعها ومكانتها داخل الجماعة ومكتب إرشادها، أو لأن الشخصية نفسها تحمل خصائص فريدة لافتة ومميزة، نبدأ بشخصية من أكثر الشخصيات إثارة للجدل «خيرت الشاطر» الشخص الأكثر غموضا والأقوى تأثيرا داخل جماعة الإخوان فضلا عن مكتب إرشادها، ونحن هنا إزاء شخص غامض إلى حد كبير، يعد مركز ثقل الجماعة حتى أننا نستطيع القول أنه – أى الشاطر – هو المحرك الخفى للجماعة بقراراتها، وهذا هو أول الخيط فى مفتاح شخصيته، أعود هنا للحظات عما تحدثنا عنه بخصوص فرويد ومن بعده نيكوس كازانتاكيس، بخصوص التيارين المتصارعين داخل النفس البشرية.
فالتياران: الأول وهو البناء والتيار الثانى وهو الهدم، أحاول التركيز هنا على فكرة الهدم المرتبط بالعنف المتأصلة فى فكر الجماعة المعتمدة فى الأساس على تنظير سيد قطب.
فى المجتمعات الراقية يزداد العنف تهذيبا صعودا إلى المدينة الفاضلة، «اليوتوبيا» وتدرجا مع رقى المجتمعات الإنسانية، وعند سقوط المجتمع إلى مركباته الأولية يظهر أمامنا بوضوح العنف البدائى، أى القتل والسحل والدماء التى تسيل فى الشوارع، هنا مبعث الخطر، أعود إلى «الشاطر» القيادى العنيف المتسم بالبدائية حتى أن مراسلة إحدى الجرائد الأمريكية وصفته بالرجل البدائى الذى لا يجيد اختيار ملابسه، فذوقه متسق مع أفكاره البدائية المستقاة بالأساس من سيد قطب، مباشرة البدائية الفكرية لديه تتعدى الملبس والملامح المكفهرة إلى الأفكار، إما معى أو ضدى، أنت مؤمن – بمبادئى – أو كافر، إما ابيض أو أسود، لا وجود لديه للمساحة الرمادية التى تسمح بالخلاف والتنوع الذى يولد الحضارة، حالة الاستقطاب المغلفة بالدين تجرنا إلى فكرة واحدة، أنت معى إذن فأنت فى صف الدين، وضدى إذن فأنت كافر مصيرك القتل أو النفى أو الإقصاء على أخف التقديرات، إذا فهو رجل «ثيوقراطى» - يعتقد أنه يستمد شرعيته وسلطاته مباشرة من الإله أو كتاب دينى -، رأينا له نماذج أخرى مثل بوش الابن فى الولايات المتحدة، لديه نفس المنطق، أنت معى إذن أنت فى صف الرب، أنت ضدى إذن سأقتلك، لك أن تتصور أن هذا الرجل الإقصائى العنيف هو المحرك الرئيسى للجماعة وتوجهاتها وقراراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالطبع، فلا تتعجب إذن أن تجد دماء فى الشوارع لا يعلم متى تحقن وعنفا متزايدا لا يعلم متى ينتهى أحد إلا الله.
( إذن فنحن هنا أمام فكرة مهمة تحكم سلوك الجماعة أؤكد عليها جدا، الفكرة ببساطة أن السلوك البشرى الأعلى - المرجو – الذى لا نصل إليه أبدا لكن نظل إليه طامحين آملين راجين هو اليوتوبيا، حلم الإنسان عبر العصور من الحضارة الفرعونية حيث البعث والخلود واليونان حيث يوتوبيا فلاسفتها مرورا بسيناريو الفضيلة فى مواجهة الرذيلة، والأديان السماوية ممثلة فى الجنة مقابل النار مرورا بالتوبة والخطيئة، وحتى فكرة الخلاص وحتى الديانات الوضعية ممثلة فى «النيرفانا» فى البوذية مرورا عبر مراحل «الكارما».. هذا كله هو الحلم الإنسانى، القيمة العليا نستطيع هنا أن نلقبه إذا شئنا التحدث عبر منظار التحليل النفسى هى القيم العليا ومظلة الضمير أو «الأنا» العليا فى مقابل النار والجحيم والرذيلة وهى – أو الانكباب فيها – ممثلا للغرائز الأولى البدائية، هى ممثلة لمصطلح «الهو» فى أدبيات التحليل النفسى.. حسنا نحن هنا أمام مفارقة لافتة للنظر بين منظومة القيم العليا المرجوة أو المبتغاة أو حتى التى يدفع إليها الإنسان قهرا – بمفهوم الترغيب والترهيب- والقيم الدنيا، وهى ما يمكن أن نسميه «الهو» طبقا لمفاهيم ومصطلحات التحليل النفسى – أو الرغبات الدنيا الحسية أو الدونية الدنيوية، نجد أن الإنسان هو مجرد منحنى صاعد وهابط بين النقطتين لا هو يصل إلى اليوتوبيا ولا هو يصل إلى الانحطاط التام لا يحقق الجنة على الأرض ولا يسقط فى النار أو الجحيم، أيضا بين هذا وذاك فى الواقع تكون الحياة أو نستطيع أن نقول بارتياح هى المنطقة الرمادية التى تسرى فيها جميع الأفعال الإنسانية، وهى طبقا لمفاهيم التحليل النفسى تدعى «الانا» أو محاولة المواءمة بين القيم العليا والرغبات الدنيا وبين محاولات التوفيق، تسرى الحياة طبقا لميكانيزمات وآليات فردية تتفاوت من شخص لآخر بالطبع، وهنا الأمر اللافت حقيقة فنحن أمام نموذج رائق ويكاد يكون مثاليا فالإيقاع المنتقل بين طرفى النقيض والمسمى الحياة البشرية كأنما هو إيقاع راقص صعودا وهبوطا، نجده أحيانا يلامس القمة وتارة يكاد يصطدم بالقاع وفى بعض المراحل التاريخية نجد أن المجتمعات تتخلف عن الركب الحضارى وتتأخر علميا وثقافيا فتتعلق بثنائية الأبيض والأسود، الصواب المطلق والخطأ المطلق، واقصد هنا النزعات «الثيوقراطية» – كالوهابية – التى تذكى هذه الفكرة، نجد أن فى هذه المراحل التاريخية تحديدا تنفصل الأمور إلى طرفين لا ثالث لهما، إما أبيض أو أسود، إما معى أو ضدى، بالضبط كما يقوم بعملية التأين فى الكيمياء، الاستقطاب الحاد فى هذه المراحل نجد المجتمع يعود لمركباته الأولى ويزداد تمسكا بالعصبية، وبارتداد المجتمع إلى البدائية يكون العنف أيضا بدائيا، وبالتالى نجد مصر التى علمت العالم الحضارة يقتتل الناس فى شوارعها بعد أن طالت لحاهم، هكذا بمنتهى البساطة.. بالطبع لا، بل قل بهكذا تعقيد، وقد تناولت فكرة بدائية الأفكار تحديدا هنا لأعبر عن مفاهيم تتسق وتلتصق بشخصيتنا البدائية العنيفة، أعنى الشاطر.. خيرت الشاطر.
الملمح الثانى فى هذه الشخصية العنيفة هو ملمح مرافق للشخصية «الثيوقراطية»، وهو - البارانوية - اى العظمة ويمكن وصفها بالاستعلاء او الكبر والغطرسة التى تصل أحيانا لحد الصلف، أعنى الكبر بغلظة، حالة الاستعلاء هذه عموما صفة تكاد تكون مشتركة بين معظم أفراد الجماعة وبالذات القيادات وأعضاء مكتب الإرشاد، أتذكر هنا تحديدا حديثا تم تسريبه بين الرئيس المخلوع محمد مرسى والشاطر، فى محاولة من مرسى للتمرد وصراخه قائلا: «أنا الرئيس» فيرد عليه الشاطر: «إحنا صارفين عليك 600 مليون عشان تقعد على الكرسى ده»، وهى جملة تجمع بين العنف اللفظى والاستعلاء، حتى على بنى جلدته من أعضاء مكتب الإرشاد، وحالة العداء ضد المجتمع واضحة جدا فى توجيهات الشاطر وملامح شخصيته الكاذبة والأنانية متجلية تماما فى سلوكه هو وأعضاء جماعته، ليس ضد المجتمع المصرى فقط وإنما ضد رجال مبارك - تحديدا أمن الدولة -، نلاحظ هنا أن الشاطر كان يعقد صفقات تباعا مع أمن الدولة لاستمرار أعماله ومصالحه الاقتصادية، حتى أثناء فترة اعتقاله، وكان هو باستمرار الطرف الأضعف فى الصفقة، فى شكل واضح لنظرية القاهر المقهور، فلا نتعجب أن يمارس المقهور دورا عنيفا عندما يتمكن من مقاليد الأمور تفريغا لشهوة العنف والانتقام، ولا يجعلنا ذلك نتعجب بل نجده يفسر لنا عندما نسمع أن المكان الوحيد تقريبا الذى سعى الشاطر للسيطرة عليه وتجنيده لصالحه هو أمن الدولة، وخصوصا مقره الرئيسى بمدينة نصر، حتى أن البعض تهكم واصفا المقر «المقر الجديد لخيرت الشاطر».
ملمح آخر هام، وهو أمر مشترك بين أعضاء الجماعة أيا كان موقعهم أو مكانتهم أو وضعهم التنظيمى، وهو ملامح السيكوباتية – العداء للمجتمع – نستطيع أن نفسرها أكثر بالرغبة فى الإيذاء وتدمير المجتمع، وهو ينطلق من المفهوم الذى تحدثنا فيه آنفا، وهو تيار الهدم وأيضا مرافق اجتماعيا لمفهوم عدم الانتماء، ففى الجماعات المغلقة أو السرية المنغلقة على ذاتها نجد أن الانتماء للجماعة أهم بكثير من الانتماء للكل المكون للبلد، نجد ذلك جليا فى تصريحات الجماعة، وفى أفعالها ومواقفها الداعية لحرق وتخريب مصر.
 ملمح فرويدى أخير اختم به ملامح هذه الشخصية الملغزة والتى تحتاج لفرد مساحة كبيرة لتحليل متأن هو «رهاب المثلية»- وتعنى الخوف أو الكراهية غير المبرر من المثلية» - وهو ببساطة أننا إذا كنا إزاء رجلين متنافسين احدهما يخشى الآخر، فإن أحدهما يسعى لتدمير الآخر وتحطيمه حتى إن كان على حساب جماعته ومصالحها، وهذا طبقا لمفاهيم التحليل النفسى أمر جنسى محض، لكننا بالطبع هنا لا نتحدث عن التنافس الجنسى بقدر ما نتحدث فى الأساس عن التنافس النفسى، وإن كان ذا خلفية جنسية طبقا لفرويد، أعود لأكرر أن المقصود هنا هو التنافس النفسى بين شخصين على مكان أو منصب أو كرسى، وهنا منشأ الصراع الذى يستوجب أو يؤدى طبقا لنظريات التحليل النفسى بإزاحة أحدهما للآخر، ونجد النموذج هنا واضحا نظرا للظهور المسبق للشاطر فى السباق السياسى للحصول على مقعد الرئاسة، والتدخل المباشر لرئيس المخابرات المصرية الأسبق اللواء لعمر سليمان لإبعاد الشاطر وإجبار الإخوان لتنفيذ اتفاقهم المبرم معه، بدخولهم السباق الرئاسى بشكل واضح وغير مختفين أو متسترين وراء مرشح يدعى أنه مستقل، حتى وإن كان الرجل الأقوى فى الجماعة والرجل الثانى تنظيميا، وهذا لا ينفى بل يؤكد الصراع النفسى بين الشاطر وبين مرسى الذى دفعه القدر دفعا، أو ربما أشياء أخرى، نجد ذلك أيضا فى الظهور المباشر للشاطر فى تصريح لجريدة لوفيجارو الفرنسية بعد فوز مرسى، وكأنه يقول انتبهوا أيها السادة – وخصوصا السادة الغربيين –أنا الرئيس وليس البديل – الاستبن كما قيل –، وفى التسريبات الكثيرة التى أكدت بأن ما يحدث كان بالأساس حربا من الشاطر على مرسى، الذى يراه غير مستحق لكرسى سحبته الظروف منه وأسقطت ترشيحه، ليجلس عليه رجل أجمع الناس على كونه فاشلا، وأشياء أخرى، فبدأت الرحلة التدميرية لتصل بنا إلى اللحظة الراهنة.