تقسيمة سياسية
عبد الله كمال
أحيانا تتشابه السياسة مع الرياضة.. ففي كليهما تنافس ولكل منهما قوانين.. وفيهما كثير من الدراما.. وغالبا ما تكون التفاعلات بين فريقين أو أكثر.. وأحيانا ما يضطر فريق ضعيف لأن يستعير لاعباً أو يشتريه لعل هذا ينقذه من الهزائم المتوالية.. ويمكن أن تجد في السياسة كما في الرياضة من يبرر ضعفه باتهام الحكم بالانحياز.. وقد تري أحيانا الإعلام يصنع في الرياضة هالات حول من يعتقد أنهم أبطال بينما هم واقعيا غير موهوبين و(يتهتهون) ونفسهم مقطوع وليست لديهم لياقة بدنية.
أنا شخصياً لا أحكم علي أي مباراة إلا حين تنتهي تماما.. ويصفر الحكم معلناً أن وقتها نفد.. وفي السياسة لا ينبغي أن تحلل العبارة إلا إذا اكتملت كل كلماتها.. وعليك أن تحصل أولا علي (جملة مفيدة) لكي تقول إنها صحيحة من ناحية المضمون حتي إذا تجاوزت عن أخطاء ناطقها النحوية وتجاوزت عن (عربيته) المكسرة.
كان الخطيب لاعباً مبهراً وموهوباً.. ولكنه بعد أن اعتزل استثمرته شركات الإعلان والإنتاج واستثمر هو نفسه في شريط فيديو شهير جدا.. روي مسيرته وسيرته.. توزع بين جزءين.. الأول عبارة عن استعراض له وحده أمام الكاميرا.. حيث كان يلعب بالكرة بمفرده في ملعب خاو من المعرقلين والمنافسين. وفي الثاني بعض من تسجيلات أهدافه ولقطات من مبارياته، ولو لم تكن تعرف الخطيب ورأيت الجزء الأول من هذا الشريط لم يكن من الممكن أن يكون حكمك علي مستواه صائباً.. لأن أي لاعب مهما كان موهوباً لابد له حتي تحكم علي قدراته أن تراه في الملعب يخوض مباريات متتالية.. وأن تجده يخضع لظروف التنافس المعتاد.
سوف يضع الكرة علي صدره ويرفعها إلي أعلي حيث ينططها علي رأسه ثم ينقلها إلي فخذه ومن ثم إلي قدمه ويضعها علي كتفه.. كل هذا جميل.. لكنه في النهاية استعراض فردي.. لا يمكن أن تصدر عليه حكماً حقيقياً.. مجرد مهارات لابد لها من أن تنصهر في إطار فريق وتتعرض لضغوط التنافس.
لكي تقول إنه لاعب كفؤ، أي لاعب، لابد أن يكون قادرا علي تطبيق خطة، تستطيع أن تحرز الفوز وتسجل الأهداف، وأن يمد قدمه في التحام مباشر، وأن يقطع الملعب جيئة وذهابا،ً وأن يستمع إلي شتائم الجمهور إلي جانب مديحه، وأن تري رد فعله إذا ما ظلمه الحكم، وهل يمكنه أن يتحكم في أعصابه لحظة الاستفزاز أم أنه يمكن أن يتسبب في كارثة للفريق كله، وهل يحتمل انتقادات المعلقين حتي لو كان بينهم جائر، وهل يرتضي أن تمر الكرة بين رجليه بدون أن يشعر بإهدار الكرامة ونهاية الحياة.. وحين يقع هل يقوم أم يخرج من الملعب.. كل هذه أمور لابد من وجودها لكي تقول إن هذا لاعب أم أنه مجرد شخص يمارس الاستعراض بدون أي ملاحقة.
في السياسة أيضا، الكل يمكنه أن يتكلم، لكن الواقع جبار، وحتي حين تتاح الفرصة لشخص أن يتكلم فإن الحكم عليه لا يكون سليما عندما يتصدر منابر الإعلام الصديقة له.. الودودة والمتوددة إليه.. الممالئة لادعاءاته.. تضع الكرة أمام قدميه وتقول له تفضل (شوط).. لابد لكي تحكم عليه أن تضع أمامه أسئلة حقيقية.. تستدعي من داخله المواقف الصريحة.. وتستوضح من عقله الآراء المنطقية.. وتطلب منه رؤية كاملة.. بمصادر تمويلها.. وقدرتها علي الصمود أمام الأنواء.. وبحيث لا يكون ما يقول مجرد كلام في الهواء الطلق.. ففي العالم كثير من التعقيدات.
في السياسة.. كما في الرياضة.. لابد أن تتعامل مع الملفات علي أنها متكاملة ولا تنفصل عن بعضها.. وفي الرياضة عليك أن تنظم جهدك لكي تخوض مجموعة من البطولات في وقت واحد.. وفي السياسة لا يمكن أن يقود فرد عملا وحده.. كما أنه لا يجوز أن تقول إن لاعبا موهوبا يستطيع أن يحمل عبء فريق طوال الوقت فوق أكتافه.. والأهم أن لاعب الجولف المتفوق لا يمكنك أبدا أن تعتقد أنه يستطيع لعب مباراة في الكرة الشراب.
أردت أن أقول هذا اليوم مقتطعاً مسلسلاً طويلاً عن مشكلات الجامعة علي أن أعود إلي الأساتذة والجامعة مجددا فيما بعد.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]