البرادعي الموسوي
عبد الله كمال
بعد أن خرج من مصر، لاحقت وكالات الأنباء، أو لاحقها هو لا فرق، الدكتور محمد البرادعي.. حيث أعطي إحداها تصريحًا مثيرًا جدًا.. إذ قال إن المطلب الأساسي هو تعديل الدستور.. وإلا فإن الشعب قد يخرج فيما يشبه الحالة الإيرانية.
لقد كتب المحرر في باب (الملخص السياسي) في روزاليوسف عند صدور هذا التصريح أن "البرادعي يعتقد نفسه "موسوي" في بلد ليس فيه أحمدي نجاد".. وفي الواقع فإن الدكتور الذي كان رئيسًا لوكالة الطاقة الذرية قد ذهب بعيدًا في قراءاته.. ولا أقول تحليله الدقيق.. وبما يدعو إلي أن نقول إنه قفز علي واقع لم يدرسه ولا يعرفه.
ولا أعني هنا أنه لم يخالط مصر فحسب.. ولكنه لا يعرف حتي إيران التي عقد بينها وبين مصر مقارنته المروعة. ولكي يصدر هذا الحكم ونثق فيه.. ويمكن اعتباره نبوءة.. لا أمنية وتمنيا.. يجب علينا أن يكون الدكتور البرادعي صاحب تاريخ سابق في إصدار مثل تلك الأحكام والتوقعات.. بحيث إن نبوءات له سبقت تلك ووقعت.. فنصدق ما قال.. غير أنه في هذه الحالة كان مستجدًا.. وليست له سوابق نبوئية.
وأعتقد أن الدكتور البرادعي ـ أو المنطق يقول هذا ـ قد راجع نفسه.. فانتبه إلي أن الواقع في مصر يختلف عن إيران.. ففي الدولة الفارسية يوجد نظام لولاية الفقيه.. أثار بعد 30 عاما من المنهجية الثورية غضبًا مجتمعيا عارمًا.. وأصبح هناك جدل هائل وبما في ذلك داخل النظام حول مبدئية ولاية الفقيه.. ودورها في الحكم.. بخلاف مشكلة أحمدي نجاد وتأثيره كاتجاه في البلد.
ولابد أن الدكتور البرادعي قد انتبه بعد أن أفلت منه التصريح أن التمرد الشعبي المؤقت الذي ضرب إيران وهز استقرارها لفترة بعد الانتخابات الأخيرة كانت تعضده عوامل عديدة.. منها الضغوط الدولية بشأن البرنامج النووي.. ومنها عدم الثقة في نتيجة الانتخابات.. ومنها أن أجنحة من النظام كانت تساند المرشح المضاد لأحمدي نجاد.. وعلي رأسهم هاشمي رفسنجاني ومهدي كروبي.. وكلاهما هو من هو.
الموضوع مختلف تماما. والمعارضة هناك لم تكن تطالب بتعديل الدستور. وهي علي أي حال فشلت بعد كل هذا الزخم في أن تحقق أهدافها.. حتي عندما رفعت إيران كلها تقريبًا اللون الأخضر المميز لموسوي.. وسقط القتلي.. وجرت المحاكمات.. ونزل الحرس الثوري إلي الشارع.. وهدد الولي الفقيه بويلات الثبور.. وعاد نجاد أقوي مما كان.. ولما لم يجد الغرب أن المعارضة التي ساندها معنويًا لن تحقق شيئًا.. كان أن صمت مجددًا.. وتفرغ لشأن البرنامج النووي وتفاعلاته.
من المدهش أن يطلق البرادعي حكمًا بهذا القدر من الانفلات.. واللاتحسب.. وعدم الإدراك.. ومن المثير أنه لا يبحث عن فرصة تالية لكي يلملم ما قال.. اللهم إلا إذا كان هذا هو السيناريو الذي يحلم به لمصر.. ويتمناه.. ويريد أن يري نفسه فيه.. ويقدر أن نضاله المزمع من أجل تعديل الدستور سوف ينتهي إلي ذلك الاتجاه بعد أشهر من صخب الإعلام المحيط به.
أي شارع، في أي بلد، محمل بنذر التحرك والتمرد علي القانون ومواجهة الإدارة لابد له من عوامل تدفعه إلي ذلك.. وقضية تشجعه في هذا الاتجاه.. ومبررات قوية جدًا تفرض عليه أن يترك استقراره.. والذي لا يدريه الدكتور محمد البرادعي أنه يعرض علي الناس قضية تخصه.. تعديل دستوري لكي يتمكن من الترشح للانتخابات.. وبشرط أن يطالب به الناس مرشحا.. ولا أعتقد أن تلك مبررات كافية لكي يتطوع الناس استجابة له.. وهم يدركون أهمية الاستقرار.. فضلاً عن أن القضية المطروحة لا تمثل لهم مصلحة حيوية آنية وفورية.
مرة أخري، وكما أشرت بالأمس، لا يريد الدكتور محمد البرادعي نضالاً سلميًا كما يدعي.. بل ما هو أبعد من ذلك.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]