الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البرادعي الموسوي




بعد أن خرج من مصر،‮ ‬لاحقت وكالات الأنباء،‮ ‬أو لاحقها هو لا فرق،‮ ‬الدكتور محمد البرادعي‮.. ‬حيث أعطي إحداها تصريحًا مثيرًا جدًا‮.. ‬إذ قال إن المطلب الأساسي هو تعديل الدستور‮.. ‬وإلا فإن الشعب قد‮ ‬يخرج فيما‮ ‬يشبه الحالة الإيرانية‮.‬

لقد كتب المحرر في باب‮ (‬الملخص السياسي‮) ‬في روزاليوسف عند صدور هذا التصريح أن‮ "‬البرادعي‮ ‬يعتقد نفسه‮ "‬موسوي" ‬في بلد ليس فيه أحمدي نجاد".. ‬وفي الواقع فإن الدكتور الذي كان رئيسًا لوكالة الطاقة الذرية قد ذهب بعيدًا في قراءاته‮.. ‬ولا أقول تحليله الدقيق‮.. ‬وبما‮ ‬يدعو إلي أن نقول إنه قفز علي واقع لم‮ ‬يدرسه ولا‮ ‬يعرفه‮.‬

ولا أعني هنا أنه لم‮ ‬يخالط مصر فحسب‮.. ‬ولكنه لا‮ ‬يعرف حتي إيران التي عقد بينها وبين مصر مقارنته المروعة‮. ‬ولكي‮ ‬يصدر هذا الحكم ونثق فيه‮.. ‬ويمكن اعتباره نبوءة‮.. ‬لا أمنية وتمنيا‮.. ‬يجب علينا أن‮ ‬يكون الدكتور البرادعي صاحب تاريخ سابق في إصدار مثل تلك الأحكام والتوقعات‮.. ‬بحيث إن نبوءات له سبقت تلك ووقعت‮.. ‬فنصدق ما قال‮.. ‬غير أنه في هذه الحالة كان مستجدًا‮.. ‬وليست له سوابق نبوئية‮.‬

وأعتقد أن الدكتور البرادعي ـ أو المنطق‮ ‬يقول هذا ـ قد راجع نفسه‮.. ‬فانتبه إلي أن الواقع في مصر‮ ‬يختلف عن إيران‮.. ‬ففي الدولة الفارسية‮ ‬يوجد نظام لولاية الفقيه‮.. ‬أثار بعد‮ ‬30‮ ‬عاما من المنهجية الثورية‮ ‬غضبًا مجتمعيا عارمًا‮.. ‬وأصبح هناك جدل هائل وبما في ذلك داخل النظام حول مبدئية ولاية الفقيه‮.. ‬ودورها في الحكم‮.. ‬بخلاف مشكلة أحمدي نجاد وتأثيره كاتجاه في البلد‮.‬

ولابد أن الدكتور البرادعي قد انتبه بعد أن أفلت منه التصريح أن التمرد الشعبي المؤقت الذي ضرب إيران وهز استقرارها لفترة بعد الانتخابات الأخيرة كانت تعضده عوامل عديدة‮.. ‬منها الضغوط الدولية بشأن البرنامج النووي‮.. ‬ومنها عدم الثقة في نتيجة الانتخابات‮.. ‬ومنها أن أجنحة من النظام كانت تساند المرشح المضاد لأحمدي نجاد‮.. ‬وعلي رأسهم هاشمي رفسنجاني ومهدي كروبي‮.. ‬وكلاهما هو من هو‮.‬

الموضوع مختلف تماما‮. ‬والمعارضة هناك لم تكن تطالب بتعديل الدستور‮. ‬وهي علي أي حال فشلت بعد كل هذا الزخم في أن تحقق أهدافها‮.. ‬حتي عندما رفعت إيران كلها تقريبًا اللون الأخضر المميز لموسوي‮.. ‬وسقط القتلي‮.. ‬وجرت المحاكمات‮.. ‬ونزل الحرس الثوري إلي الشارع‮.. ‬وهدد الولي الفقيه بويلات الثبور‮.. ‬وعاد نجاد أقوي مما كان‮.. ‬ولما لم‮ ‬يجد الغرب أن المعارضة التي ساندها معنويًا لن تحقق شيئًا‮.. ‬كان أن صمت مجددًا‮.. ‬وتفرغ‮ ‬لشأن البرنامج النووي وتفاعلاته‮.‬

من المدهش أن‮ ‬يطلق البرادعي حكمًا بهذا القدر من الانفلات‮.. ‬واللاتحسب‮.. ‬وعدم الإدراك‮.. ‬ومن المثير أنه لا‮ ‬يبحث عن فرصة تالية لكي‮ ‬يلملم ما قال‮.. ‬اللهم إلا إذا كان هذا هو السيناريو الذي‮ ‬يحلم به لمصر‮.. ‬ويتمناه‮.. ‬ويريد أن‮ ‬يري نفسه فيه‮.. ‬ويقدر أن نضاله المزمع من أجل تعديل الدستور سوف‮ ‬ينتهي إلي ذلك الاتجاه بعد أشهر من صخب الإعلام المحيط به‮.

‬ أي شارع،‮ ‬في أي بلد،‮ ‬محمل بنذر التحرك والتمرد علي القانون ومواجهة الإدارة لابد له من عوامل تدفعه إلي ذلك‮.. ‬وقضية تشجعه في هذا الاتجاه‮.. ‬ومبررات قوية جدًا تفرض عليه أن‮ ‬يترك استقراره‮.. ‬والذي لا‮ ‬يدريه الدكتور محمد البرادعي أنه‮ ‬يعرض علي الناس قضية تخصه‮.. ‬تعديل دستوري لكي‮ ‬يتمكن من الترشح للانتخابات‮.. ‬وبشرط أن‮ ‬يطالب به الناس مرشحا‮.. ‬ولا أعتقد أن تلك مبررات كافية لكي‮ ‬يتطوع الناس استجابة له‮.. ‬وهم‮ ‬يدركون أهمية الاستقرار‮.. ‬فضلاً‮ ‬عن أن القضية المطروحة لا تمثل لهم مصلحة حيوية آنية وفورية‮.‬

مرة أخري،‮ ‬وكما أشرت بالأمس،‮ ‬لا‮ ‬يريد الدكتور محمد البرادعي نضالاً‮ ‬سلميًا كما‮ ‬يدعي‮.. ‬بل ما هو أبعد من ذلك‮.‬

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد  الإليكترونى: [email protected]