الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الدم المصري (2) .. «عنطزة» بلا سبب




أرقي فعل في الحياة هو (إعمال العقل).. وعلاقتنا بالأشقاء العرب.. وتناولنا لمسائل المصريين في الخارج العربي.. وفي جميع أنحاء الخارج.. تحتاج إلي كثير من تشغيل هذا الجزء في الجسم وفق قواعد المنطق.. والمناسبة هي بالطبع ما كتبته بالأمس تحت نفس العنوان.. حين تناولت الجريمة البشعة التي تعرض لها قاتل الأربعة المصري في قرية لبنانية سنية.

اعتزازنا بأنفسنا، وفخرنا بذاتنا، وثقتنا في ريادتنا، وكبرياء تاريخنا، وعراقة سجلنا البشري، كأمة مصرية فريدة سبقت الجميع إلي آفاق مذهلة.. كل هذا لا يعني أن نمارس التعالي والتكبر في التعامل مع الآخرين.. لقد ورثنا من مرحلة الستينيات (عنطزة) لم يعد لها مبرر.. وقيما سخيفة لا يجب أن تسود في العصر الحالي.. وإذا بقينا نتعامل بها مع الآخرين.. فإن عجلة الزمن سوف تدهسنا.

نحن أمة فريدة ودولة تليدة.. وريادتنا وقيادتنا لها مقومات ثابتة.. ولكن طريقة التعبير عن هذه الريادة لابد أن تتغير.. وأن تنتقل من مرحلة التعالي المقيت علي الأشقاء.. إلي مرحلة التفهم والتقبل والقيادة من موقع المشاركة والأخوة.. لا توجد في قيم الأخوة مستويات تجعل هذا أرقي من ذاك.. ولا يوجد بين الأشقاء من يطلب من أخيه أن يرضخ له لمجرد أنه الأكبر.. وفي الحكمة المصرية الشعبية: إن كبر ابنك خاويه.. أي اجعله أخًا.. فمابالك لو أن أخاك قد تقدم.. وازدهر.. وصارت له حيثية.. ولم يعد كما كان يعيش في غياهب الفقر والجهل.. بل إنه أصبح أغني وأكثر عصرية ويتفاعل مع الجميع.

ما الذي نخشاه.. لماذا يريد البعض منا أن نتعامل مع الأشقاء بمنطق أننا الأرقي.. وأن عليهم أن يتذكروا أننا الأعرق والأفضل والأكبر.. هذا كلام لا يقال.. هذا واقع تثبته الحقائق.. ولا يوجد ما يمكن أن نخشي أن ينساه الآخرون.. لأننا أسبق بألوف السنين.. ويسعدنا ويشرفنا أن يكون محيطنا العربي أفضل.. وأن تكون هذه الأفضلية ناتجة عن إسهام قدمناه.. وليس علينا أن نتاجر به.. وأن نتفهم السيكولوجية العربية.. لكي تبقي هذه البيئة العربية مرحبة بنا وبأبنائنا.. وتتقبل منا رسالتنا.

الرئيس مبارك يتميز بدهاء عقلي رهيب ومدهش وتاريخي في هذا السياق.. قائد أكبر دولة عربية.. وأعرق دولة عربية.. ولكنه لم يتجه إلي التعالي في التعامل مع الأشقاء.. بل إلي أن يتفاعل وفق منطق الأخوة.. والمشاركة.. يقود بنائيًا لا مظهريًا.. من موقع الاحترام للآخرين.. وليس من موقع التكبر.. ومن ثم فإنه ظلت له جسور ممتدة مع الكافة.. وبينهم زعماء صعاب المراس.. ودول يمكنها أن تفعل أي شيء لكي تثبت أنها موجودة.

إن دورنا هو أن نستوعب.. أن نحتوي.. أن نقود بالسياسة.. أن نوظف القدرات العربية لصالح نمو منطقة تتقدم.. وليس أن نعاير الجميع بتاريخنا.. لنا كرامتنا ومكانتنا.. ولكننا لن نحافظ عليها بالكلام.. وإنما بالفعل.. ريادتنا في قدرتنا وتاريخنا وليس في لغونا.. وحتي لو كان بعض الأشقاء الصغار يحاول أن يعبث معنا.. فإن الطريقة الأولي للتعامل هي الإفهام.. فإن تواصل العبث بحيث أضر بمصالحنا فإن علينا أن نتدخل فعلاً.. وليس بالمعايرة.. الكبير له مقداره وقيمه.. والتعالي الشوفيني ليس من شيم الحضارات.

علي سبيل المثال غير السياسي، نحن نري أن الدراما هي درة الثقافة المصرية العصرية، وأنها جسرنا لنقل قيمنا ولغتنا وصورة مجتمعنا.. وقد حاول بعض الأشقاء علي سبيل التنافس أن يقدم بديلاً أو حتي نموذجا موازيا.. وقد تراجعنا حينا.. لأننا تكاسلنا.. وتكلمنا كثيرًا.. ولكننا فيما بعد انتبهنا ولأسباب لها علاقة بانتشار القنوات المصرية.. كان أن عاد عصر الدراما المصرية للازدهار.. الشاشات كلها تعرض مسلسلات وأفلامًا تنطق بالمصري.. أينما يكون المشاهد العربي سوف يجد قناة مصرية تعرض فنا مصريا.. فهل هذا تحقق لأننا كنا نتكلم.. أم لأننا صرنا نعمل؟

ما علاقة كل هذا بواقعة سحل العامل المصري القاتل في قرية لبنانية سنية؟.. المسألة معقدة.. ولابد أن نواصل النقاش وإعمال العقل.. وهو ما سوف نكمل فيه غدًا.
 

الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]