سلفني.. سرًا !

 من روما :


درجة الحرارة في العاصمة الإيطالية لاتطاق.. تمامًا كما هي في القاهرة.. شمال حوض المتوسط أصبح مثل جنوبه تقريباً.. وإن كان الشمال (الأكثر بياضًا) أميل إلي التحرر في التعامل مع الطقس إذا ماقورن بجنوبه حيث الشعوب الخمرية.. ذات البشرة الحائرة بين الأبيض والأسود.

هنا، قليل من الناس يفرض علي نفسه قيودًا تضيف قسوة جديدة إلي درجة الحرارة.. الصدور الرجالية مفتوحة.. والأكتاف النسائية مكشوفة.. ولاشك وأنت تنظر إلي هذه الحال عليك أن تذكر الأسطورة الثقافية التي ظل بعض المشايخ يعلمونها للشعوب العربية.. تلك التي تقول: لقد حصل الأوروبيون علي التقدم والجمال.. وحصلنا نحن علي الحياة الآخرة.

هذه قسمة خيالية.. سوف أعود إليها فيما بعد.. ولكن التغيرات المناخية فرضت نفسها بالقسطاس علي شمال وجنوب المتوسط.. وكذلك الأزمة الاقتصادية الدولية.. وكما أن كل المسئولين في مصر يرددون كل ساعة أن أزمة اليونان لن تؤثر أبدًا علينا.. بينما البورصة تتهاوي يوما تلو آخر وتفقد النقاط كالمطر.. فإن المسئولين في إيطاليا يقولون ذلك أيضًا.. وإن أعلن بعضهم أنهم يخشون من العدوي.. رغم استقرار الاقتصاد الإيطالي.

في الحقيقة هو ليس مستقرًا (قوي).. البورصة الإيطالية انهارت قبل يومين.. فاضطرت الحكومة إلي تسريب أخبار بشأن خطة تقشف جديدة سوف تعلن قبل نهاية الشهر.. توفر للميزانية خمسة وعشرين مليار دولار.

والواقع أن إيطاليا لم تشهد أحداثًا مأساوية من النوع الأمريكي الذي أدي لسقوط بنوك مختلفة.. ولكنها بالطبع تقف علي أصابعها.. نموها بطيء.. ناتجها المحلي زاد نصفًا في المائة في الربع الأول من هذا العام.. وتراجع العجز لكنه موجود.

وإذا كان الإنسان في الحر يفتح (زرار قميصه).. متحررًا علي طريقة أغنية محمد منير الكلاسيكية.. فإن الأزمات تفجر طاقات المزايدين.. وأيضًا المستغلين..

وزير إيطالي من حزب رابطة الشمال.. اسم حقيبته (وزير تبسيط التشريعات) ـــ هكذا هو اسمها وسوف أحاول أن أعرف لك طبيعة تخصصه.. هذا وعد ــ قال إنه سوف يتقدم بتعديل قانوني يؤدي إلي خفض رواتب الوزراء والبرلمانيين وكبار المسئولين بالدولة.. بنسبة خمسة في المائة.. كنوع من التقشف.. مضيفًا: هذا كلام عادل.. فقد اقتطعنا من قبل من رواتب المستشارين في الإدارات المحلية.. وألغينا 50 ألف وظيفة في الحكومة توفيرًا للنفقات.

انتهي كلامه.. ولو كان الحل في هذه الـ5% ماكانت حكومة علي وجه الأرض قد غلبت.. ولكنها أفعال السياسة التي تتجاهل حقيقة أنه حتي لو مر هذا الاقتراح وطبق في إيطاليا فان ذلك لن يحقق توفيرًا يساوي إلغاء خمسين ألف وظيفة.

إنه كلام الأزمات

لكن المدهش حقًا أن الأزمة في إيطاليا أدت حسب التقارير الرسمية إلي انتشار الربا.. خصوصًا في جنوب البلاد.. كما يقول مركز الدراسات والبحوث السياسية والاجتماعية (أيورسييس).. ويضيف في تقرير خاص: أن الأزمة الاقتصادية والضيق الذي تمر به الأسر والشركات الصغيرة التي تعاني من صعوبات ارتفاع الأسعار والضرائب.. كلها تسهم في انتشار ظاهرة الربا.. التي وصلت مرحلة الإنذار في مناطق الجنوب!!

وبالتأكيد لاتوجد في إيطاليا مناقشات من النوع الذي يمكن أن يدور عندنا حول فوائد البنوك وهل هي شرعية أم حرام.. كما يصر البعض في 2010 علي أن يواصلوا الجدل فيه.. وبالتالي لابد أن نتساءل ماذا يعني التقرير بكلمة الربا في إيطاليا.. وهو يرد: أنه (الاقتراض السري).. أي الاقتراض من أفراد وجهات ليست مقننة علي أنها مؤسسات مالية وبنوك تقوم بهذه المهمة في إطار قواعد وضوابط.. وبالطبع بفوائد مرتفعة وباهظة، وبالتالي لن يدهشك حين يكون عنوان هذا التقرير الذي يحذر من الخطر: (الربا: عندما يكون الاقتراض سرًا).

ولكن ليس الاقتراض وحده هو الذي يتم في السر في زمان الأزمة.. الهجرة غير الشرعية أيضًا.. إلا أن تلك قضية أخري نناقشها فيما بعد.
الموقع الالكتروني :  www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]