الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«هلافيت» مرسى فى الدوحة




تسببت الأزمة الاقتصادية الكبيرة التى مرت بها البلاد منذ 25 يناير 2011 فى تغير أنشطة العديد من رجال الأعمال واضطرار البعض الى وقف النشاط أوتقليل عدد العمالة فى المصانع والشركات. كما اضطرت المواطنين الى تغيير جوهرى فى سلوكيات البيع والشراء تحسبا لأيام مضطربة وغير واضحة المعالم . لكن أطرف ما حملته هذه الأزمة الاقتصادية هو لجوء بعض الكتاب  والصحفيين الى  قطر من أجل الحصول على  فتات من أموال هذه الدويلة صريحة العداء لمصر وثورتها وشعبها.
الأزمة الاقتصادية أو الحاجة الى المال أو الرغبة فى الظهورفى فضائية «منحطة» مثل الجزيرة دفعت بعض الباحثين عن شهرة أودور أو المستعدين بالفطرة لتقديم خدمات لأى صاحب مال الى عملية سفر سريع الى قطر وتوسط سماسرة فى هذا الموضوع ولم يكن مطلوبا أن يكون الشخص ذا رأى أوتأثير حقيقى فى الرأى العام  المصرى أوإنجازفى أى مجال فقد كان الطلب محددا .. مطلوب مجموعة من الكتاب يلعبون دور «الندابة سليطة اللسان» فى مواجهة انتفاضة الشعب وثورته فى 30 يونيوالتى أطاحت بالإخوان  وتسمية ما حدث « انقلاب عسكرى» .. كان مطلوبا إناس بلا ضمير ولا كرامة  وفى حاجة ملحة الى أموال مملكة الشرور القابعة على ضفاف الخليج التى تبحث عن دور دائم فى استراتيجيات الفوضى الأمريكية وبالفعل ارتضى البعض هذا الدور.. فمن هؤلاء ولماذا سافروا وكيف وهل ما يقولونه هورأيهم ام أن تاريخهم الشخصى يؤكد أن العملية كانت فقط .. بيع وشراء. بأرخص الأسعار ولأحقر الأدوار؟

«المؤرخ» محمد الجوادى كان فى طليعة المهاجرين الى قطر فى أعقاب سقوط محمد مرسى وقبلها بشهور وجد الجوادى ان فرصته فى التقرب الى السلطة الإخوانية قد سنحت بعد أن اتخذ دور المدافع الأول عن مرسى وحاشيته فى مواجهة احتشاد الأحزاب المصرية فى «جبهة الإنقاذ».
ولد الجوادى فى محافظة دمياط عام 1964 وتخرج فى كلية الطب وعمل طبيبا لأمراض القلب وأسهب فى الكتابة فى مجالات عديدة دون ان تكون لكتابته أى تأثير يذكر. حاول أن يظهر نفسه مؤرخا يسير على خطى عبد العظيم رمضان المؤرخ الشهير وداعية التطبيع الأبرز فى عصر مبارك و تقرب له  وكتب عنه عدة مقالات ورد رمضان على ذلك بمحاولة تقديمه للرأى العام باعتباره مؤرخا واعدا الجوادى الف أكثر من 30 كتابا لم يحقق ايا منها أى نجاح  يذكر . اذ كانت فى مجالات لا علاقة لبعضها ببعض  وبالتالى لم يستطع ان يكون مؤرخا سياسيا أومتخصصا فى تراجم الشخصيات التى لعبت ادوارا هاما فى التاريخ المصرى . مثلا كتب عن تاريخ الطب ومذكرات عبد المنعم رياض وتاريخ اللغة وعن «مايستروالعبور» و«سماء العسكرية المصرية» و«مذكرات وزراء الداخلية» وكل ما يقع تحت يده كان يحوله لكتاب دون عمل مميز أوإبداع أوإضافة ودون أن يكون له توجه سياسى محدد.  لكنه عرف بالولاء لعصر مبارك والنفاق الرخيص جدا للرئيس الأسبق وحاشيته. فقد كان يطمح الى ان يكون جزءا من منظومة الوزير السابق فاروق حسنى الذى لم يلتفت اليه ولم يمنحه مناصب تذكر لان الجوادى كان معروفا  بفقدان القدرة على تنظيم أى عمل إدارى . كتب الجوادى عن مبارك انه يتميز عن كل رؤساء مصر السابقين بـ «تحرير المواطن من المعاناةاليومية» وقال «الرئيس يتميز بثبات انفعالى عال ويتميز بالبدء بالإحسان لمن أساؤا اليه» و«يتميز ايضا هذا الرجل الزعيم بحسن تقدير الرجال وغفران الإساءة» لكن هذا التمسح الذليل لم يشفع له عند دولة مبارك التى كان يتوفر لها منافقون اكثر احترافيه من مستوى الجوادى الإنشائى الركيك .  وكانت المشكلة الأخرى الكبرى فى حياة الجوادى الحافلة بـ « اللا شئ» هوانحدار مستوى توزيع كتبه الى نحو لم يشهده اى مؤلف مصرى  وبالتالى تراكمت عليه بعض الديون حيث شارك فى طباعة بعض هذه الكتب على نفقته ولم توزع ما يكفى حتى لتغطية نفقات الطباعة وفى عام 2006 دخل تجربة «الكتاب المسموع» مع أحد الناشرين المجهولين وتسببت التجربة فى اغلاق دار النشر فى اقل من ثلاثة شهور .  ولم يعرف عن «المؤرخ» أى توجه لكن صعود مرسى والإرهابيين الى السلطة حقق نفعا مشتركا للطرفين فسلطة الإخوان كانت دائمة البحث عن وجوه من خارجها لتأييدها ولإظهار ان المشروع الإخوانى له داعمين من خارج التيار الاسلامى وبالفعل وجد عصام سلطان سمسار الإخوان الشهير فى الجوادى الشخص المناسب لهذا الدور ورتب لقاء بين الجوادى وبين عدد من قيادات مكتب الإرشاد فى اعقاب الاعلان الدستورى الذى اصدره مرسى فى اغسطس 2012 وكان الجوادى اول المدافعين عنه وكان اول ظهور له كمدافع عن الإخوان دون ان يكون اخوانيا .  واستمر دوره يتصاعد حيث اشترك فى جبهة «الضمير» والتى كان من اهدافها تخويف المواطنين من تغيير مرسى والدفاع عن جرائم نظامه حتى ما كان منها متعلقا بالأمن القومى  للبلاد .  فى هذه الأثناء كان الجوادى  واحدا من  المقربين لخيرت الشاطر الممول السخى  الذى كان يضع ميزانيات ثابته للانفاق على «مؤيد» الإخوان من الخارج «  وكان نصيب الجوادى منها معقولا بواقع سيارة لانسر حديثة ومرتب شهرى فى حدود 20 الف جنيه . وهومبلغ ضئيل لكنه كان بالنسبة للجوادى كفيلا بسداد مديونياته من مشاريع الكتب الفاشلة التى أصدرها على مدار عشر سنوات.
وبعد سقوط مرسى كان ان ذهب الجوادى ضمن عدد من الشخصيات الى مكتب سفير قطر بالقاهرة وجرى شحن الجوادى الى قطر ليكون ضمن طليعة المطالبين بعودة  «الشرعية !» لكن قبل ان يركب الطائرة كان قد تلقى مبلغا سخيا  وهذه المرة  بالدولار .. « مائة الف دولار غير شاملة مصاريف الاقامة والطعام» ومع اول ظهور له على الجزيرة كان الجوادى متحمسا جدا واعتبره شباب الإخوان وكل قوى التطرف صوتا من خارج الجماعة يدافع عنها وعن شرعيتها ووصلت المسخرة الى حد ان قام شباب الإخوان بعمل صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى تصف المؤرخ الذى لا يعرفه احد بأنه «أبوالتاريخ»!
 والى حد كبير تميزت تعليقات الجوادى من داخل استوديهات الجزيرة بالكراهية لمصر  والاغراق فى الخيال  واستخدم معلوماته  الضئيلة فى استعراض خطورة «الإنقلاب العسكرى» واستعاض عن ندرة التحليل السياسى بالسباب المتواصل  وحكى تخاريف بلا حصر عن ايام مرسى الاخيرة فى القصر ! 
 وإذا كانت استوديوهات «الجزيرة» قد ضمت المؤرخ الذى لا يعرفه     احد فقد شملت ايضاً اديبا يعتبر هوالأخر من النماذج المبهرة فى الفشل فى الأدب والابداع وهو الشاعر محمد القدوسى. عمل القدوسى فى الصحافة ووصل الى منصب مدير تحرير جريدة « الشعب «التى كان يصدرها حزب  العمل برئاسة ابراهيم شكرى.  وكان القدوسى مسئولا عن صفحة الادب فى هذه الجريدة واصدر عدة دواوين اقربها اليه ديوان يدعى «رعايا ونستنتج البحر» –لاحظوا معى الاسم المبهم الذى بلا معنى –  واصدر القدوسى ايضا كتابا عن الحداثة فى الادب لم يسمع عنه احد شيئا. وعمل مذيعا بعد ثورة يناير فى احدى المحطات العراقية ولم يحقق برنامجه نجاحا من اى نوع. وحاول ان يتحول الى الكتابة السياسية فلم يجد اى صدى لما يكتبه  ومثل الجوادى وجد نفسه فى ظلال فرصة كبيرة للظهور ووجد فى  الدفاع عن مرسى  والمزايدة والتطرف فى هذا فرصة مناسبة.
 والغريب ان القدوسى الذى كان يصف لمن  يقابله ان التيار الاسلامى بـ«شوية نصابين»  و«الناس دول هيبوظوا الدين والسياسة» والذى كان شاهدا عن قرب لعمليات فساد مالى وادارى بلا حصر فى حزب العمل «الإسلامى !»  والذى حرر عدة محاضر ضد قيادات إسلامية بعضها كان يتعلق بسرقات واختلاسات ردوا عليها هم ايضا  بمقالات  تتهمه بانه « مدمن بانجو« وهى المقالات الموجودة فى نشرات «إسلامية» لا يستطيع انكارها  أحد ان يتحول الى مدافع عن مرسى وشرعيته .. لكن ليس غريبا اذا عرفت ان القدوسى تقاضى هوالاخرمائة الف دولار ليظهر على الجزيرة يوميا ويستخدم اوسع  واكبر نسبه من التجاوزات ضد ثورة المصريين فى 30 يونيو. 
تنحدر الامور اكثر وتنكشف خيبة الإخوان و« الجزيرة « مع اسم اخر من الهاربين من مصر الى قطر للهجوم على الدولة والشعب والثورة. فمن مأسى الإخوان ان يكون المدافعون عنهم قائمة انحدار من مجهولى السياسة والصحافة تبدأ بالجوادى وتنحدر الى القدوسى ثم تنحدر الى صحفى اخر اسمه سليم عزوز. انتقل عزوز الى قطر ليدافع عن «الشرعية» بعد ان بذل سنوات طويلة ليجد  لنفسه دورا . حاول عزوز طيلة حياته ومقالاته أن يتقمص طريقة الكاتب الكبير صلاح عيسى فى السخرية لكنه لم ينجح فكتابته لا تنبع من موهبة اصيلة وحاول ان يبحث عن المال فوجد فى عام 2007 فرصة وعقد عمل اقل من الفرصة القطرية حيث عمل مع احدى الصحف التونسية وجلب اعلانات من نظام «زين العابدين بن على» وهوبالطبع لم يكن نظاما شرعيا اسلاميا ديمقراطيا لكنه كان مثل قطر يدفع اموالا لبعض الخدم الصغار . وكان من سوء حظ عزوز ان كتب مشيدا ببن على قبل ايام من سقوط نظامه  عقب الثورة التونسية  ولم يخجل بالطبع فقد تقاضى نظير هذه الاعلانات مبالغ ضمنت له حياة افضل من التى عاشها فى محافظة قنا اوالتى عاشها فى القاهرة باحثا عن عمل اوفرصة.  وبالطبع كان عزوز مثل سابقيه فآراؤه الشخصية ان الإخوان مجموعة من المعاتيه  وقد كتب هذه اكثر من مرة قبل ان يسافر الى قطر ويستقر فى قناة الجزيزة التى دعمت عزوز ببرنامج يتحدث فيه ويخرف كما شاء فى حق مصر وجيشها .
بعد هذه الثلاثى يأتى الدور فى القائمة على «مندوب الاعلانات» فاذا كان الجوادى والقدوسى وعزوز حاولوا اخفاء ان هدفهم الرئيسى هو «الفلوس يا اسيادنا» فان احمد حسن الشرقاوى كان  اكثر وضوحا فالرجل يعمل بالأصل مندوب اعلانات وقد أصدر فى ايام مبارك صحيفة «أخبار المحافظات» كانت عبارة عن نشرة اعلانية هدفها نشر اعلانات المحافظات فى اعيادها القومية  وكان مألوفا ان يشاهد الشرقاوى وفى يده نسخ من صحيفته التى تشيد بالمحافظ « أى محافظ « مقابل اعلانات يكتب على اساسها الشرقاوى مقالات تشيد بعبقرية الرئيس مبارك وعظمة اركان حكمه، وفى عصر مرسى لم يظهر الشرقاوى الا فى «جبهة الضمير» الإخوانية فقد التقطه احد صحفيى «الحرية والعدالة» وأسمه «مجدى عبد اللطيف» وقدمه لرئيس تحرير الجريدة «عادل الانصارى» ليكتب مقالات باعتباره ليبراليا يؤيد مرسى وتلقى الشرقاوى اول هبة مالية بعد سقوط مرسى بايام ليؤسس «صحفيون ضد الانقلاب» باعتقاد ان هناك احتمالا لعودة الرئيس المعزول لكنه هرب الى قطر بعد ان تيقن من استحالة ذلك . وبدلا من ان يتلقى مالا من الجماعة ذهب الى اصل مصدر  التمويل فى قطر ليهاجم ثورة الشعب التى اطاحت  بالارهاب.